شعار قسم مدونات

كلنا معهم وإن لم نكن منهم

blogs-كلنا معهم

ثمة إشارات كثيرة في الشارع المصري تؤكد أن غالبية المصريين حاليًا يقفون في خندق الإخوان المسلمين. وإن كان هذا الوقوف من باب رفض استمرار عبد الفتاح السيسي في الحكم لا من باب المطالبة بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، فإنه لا ينفي حقيقة أن كثيرين أدركوا أن الجميع "بما فيهم الإخوان" كان ضحية لعبة كبرى، وخطط منظمة نفذها إعلام بلا ضمير، وإن ساعدته ممارسات البعض "الإخوان، معارضوهم" في ذلك.

قد يعترف البعض من غير الإخوان، وأنا منهم، بأن لمرسي شرعية دستورية سحقتها الدبابات في يوليو/تموز 2013، غير أن الحديث عن عودته للحكم بعد كل ما كان ليس سوى مناطحة الجدران، فالواقع يفرض حلولًا أخرى قد تكون أكثر قابلية للتحقق؛ رحيل السيسي مثلًا أكثر قابلية للتحقق من عودة مرسي، من وجهة نظري التي قد لا تكون صحيحة.
 

الوقوف مع الإخوان اليوم في مواجهة آلة القتل التي تفتك بهم لا يعني الانتماء لهم، وإنما يعني أن كثيرين أيقنوا أن الانقلابات لا تصنع ديموقراطيات أبدًا.

ثمة اتفاق أيضًا على أن الأسباب التي دعت الناس للنزول ضد الرئيس المعزول مرسي في يونيو/حزيران 2013، كانت مختلقة، أو لنكن أكثر صراحة ونقول إن كثيرين يدركون الآن أن الناس سيقت سوقًا للنزول ضد مرسي، ليس لتحقيق أهداف الثورة التي يرى البعض "وأنا منهم" أنه حاد عنها، وإنما لتحقيق أغراض أطراف أخرى بعيدة كل البعد عن الثورة وأهدافها، بل إنها أعدى أعداء الثورة، لكن هذا لم يتضح إلا بعد فوات الأوان.
 

والآن، بعد ثلاث سنوات من الإطاحة بمرسي والإخوان وما تبعه من الإطاحة بالثورة وشبابها وقواها، فإن مسألة معارضة النظام الحالي باتت فرض عين، وأمرًا واقعًا لا يمكن نكرانه؛ فالشارع يعيش حالة غليان لم يعشها في عهد مرسي ولا حتى في عهد المخلوع حسني مبارك، غليان ينضح في أحاديث المقاهي وفي المواصلات العامة وفي حديث الرجل مع نفسه، غليان يتزايد كل ساعة، مهما حاولت أذرع السيسي الإعلامية إثبات عكس ذلك.
 

صحيح أن خلافات كبيرة وجراحات عميقة حالت، وما زالت تحول، دون إعلان توحد القوى والجماعات السياسية والشبابية مع الجماعة الأقوى "الإخوان" في كيان واحد، لأسباب كثيرة. غير أن كثيرين ممن يرفضون أو يتحفظون على العمل مجددًا مع الإخوان باتوا يقفون في صفهم، بل ويدافعون عنهم وعن دمائهم التي باتت إراقتها أهون على النظام من إشعال عود الثقاب، وهو موقف يتناقض تمامًا مع موقف كثيرين من قتل الإخوان عقب الإطاحة بمرسي. ولعل ردود الفعل على تصفية الدكتور محمد كمال ورفيقه "رحمهما الله" خير دليل على ذلك.
 

الإخوان أيضًا خرج منهم من يرفض ظلم النظام لبقية الجماعات، وسيما الشبابية منها، وإن لم ينضوا مع هذه الجماعات تحت لواء واحد، لكنه بدأ فعلًا يرفض التنكيل بالغير وهو موقف مناقض لموقف قيادة الجماعة إبان الإطاحة بمبارك. بإيجاز شديد، يمكننا القول إن السيسي الذي فرق شركاء الميدان قبل سنوات هو نفسه الذي أعاد لم شملهم اليوم، وإن بشكل مختلف.
 

اليوم يقف من كانوا بالأمس خصومًا للإخوان في صف الإخوان، يرفضون سجنهم وتصفيتهم خارج نطاق القانون، بل ويقدرون شعورهم بالظلم على عكس فترات سابقة، واليوم أيضًا يقف من الإخوان من يدافع عن سجناء حركات شبابية كان يعتبرها بالأمس خصمًا وربما عدوًا؛ فالظلم يجمع الناس ولا يفرقهم.
 

 صندوق الانتخاب قد لا يغني عن صاحبه شيئًا إن قرر الاستغناء عن بقية الفصائل، وأن الجيوش أضعف من الشعوب مهما حاولت إثبات عكس ذلك.

الوقوف مع الإخوان اليوم في مواجهة آلة القتل التي تفتك بهم دون هوادة أو ضمير، لا يعني الانتماء لهم ولا تأييد مطالبهم ولا نسيان أخطائهم، وإنما يعني أن كثيرين أيقنوا أن الانقلابات لا تصنع ديموقراطيات أبدًا، وأن أخطاء الإخوان كان يمكن إصلاحها بسبل أخرى مدنية وليست عسكرية، ومن لا يتبنى هذا الحديث فلينتظر دوره في التصفية.
 

وكذلك وقوف الإخوان في صف غيرهم من المظلومين، لا يعني هو الآخر تراجعهم عن مبادئهم الأساسية ولا تأييدهم لمواقف هذه المجموعات السالفة، لكنه قد يعني أن من الإخوان من أدرك أن إدارة العملية الديموقراطية كانت توجب على الأغلبية تبني بعض التفاهمات والقبول ببعض المحاصصات، حتى لا تترك للدبابة بابًا تلج منه إلى العملية السياسية، والماضي يشهد.
 

في النهاية حدث ما حدث، ومضى ما مضى، ولم يعد أمامنا جميعًا إلا الاعتراف بالخطأ وبالموقف شديد الخطورة الذي تعيشه البلاد، والعمل على إحياء روح التوافق والتسامح، وكذلك تطبيق مبدأ "انا معهم وإن لم أكن منهم"، مع كل المقهورين.
 

في النهاية أيضًا، ثمة أمور لا بد من الاعتراف بها، ومن بينها أنه لا بديل عن احترام صندوق الانتخابات مهما كانت نتيجته، ومنها أيضًا أن صندوق الانتخاب قد لا يغني عن صاحبه شيئًا إن قرر الاستغناء عن بقية الفصائل وأدار ظهره لها. حقيقة أخرى مهمة أكدتها لنا الحوادث؛ وهي أن الجيوش أضعف من الشعوب مهما حاولت إثبات عكس ذلك، المسألة مسألة وقت فقط.
وسنرى..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.