شعار قسم مدونات

هل حقاً أنا صديق بشار الأسد؟

blog- الأسد
ستُ سنوات تراوحت بين أنْ أكونَ صديقاً للرئيس السوري بشار الأسد أو خصماً له؛ بالتأكيد لنْ أكونَ صديقاً لأيّ كان تعلقت برقبته نفس آدمية لا ذنب لها إلاّ أنّها قدراً تواجدت في زمانٍ ما ومكانٍ ما.

لا بأس سأكون صديقاً له، لكنْ لا أستطيع أنْ أكون وفياً له وفقاً لمعايير الصداقة أو الخصومة، كما تعارفت عليها الأمم والشعوب وباتت مُسلّمات راسخة في مجتمعاتهم.
 

أنْ أكون صديقاً للثورة السورية أو صديقاً لبشار الأسد كلاهما لا يصح القول فيه والادعاء إنْ لمْ يكن هناك ما يُعزّز صحة ادعائي وصدقيته.

أعترفُ ولست وحدي، أنني في حيرةٍ من أمري كيف أفي بمتطلبات صداقتي للثورة السورية طالما ظللت بعيداً عن الالتزام بمعايير الصداقة؛ لذا فضلت ألاّ أدعي أنّي صديق للثورة خشية أنْ أكون دعياً كما هي مجموعة دول أصدقاء سورية، أو دول خارج المجموعة قالت إنّها صديقة للثورة السورية دون أنْ تلتزمَ بموجبات ما ادعتْ؛ وحتى اللحظة أزعم أني حافظت على احترامي لنفسي أمام نفسي على الأقل.

لا يغريني جسم الثورة إنْ كان علمانياً أو إسلامياً كي أكون صديقاً لها، ولستُ أحاجِج نفسي أو غيري حين أصطف إلى جانب بشار الأسد متذرعاً بما تقول به قوى صديقة لبشار الأسد بحق؛ بعضها وضع نفسه في خانة القوميين، وآخر وجد نفسه في أُتون إطارٍ علماني لا يستطيع الفكاك منه خشية الوقوع في دائرةٍ قيل أنّها إسلامية غير مرضيٍ عنها عند الكبار؛ البعض قال إسلامية معتدلة وآخرٌ قال إسلامية متشدّدة وثالث قال إسلامية متطرفة، ورابع حاول الافتراق عن هذه التوصيفات لكنّه ظلّ في حيرةٍ من أمره طالما إنَّ الثورة السورية هي إسلاميةٌ جسماً، وهوية إسلامية حاولت المزاوجة مع العلمانية لكنّها على ما يبدو فشلت إلى حدّ ما.
 

من الصعوبة بمكان أنْ تجد نفسك في لحظةٍ ما داخل دائرة أنت لمْ تخترها إنّما ثمّة قدر ساقك إليها. أنْ أكون صديقاً للثورة السورية أو صديقاً لبشار الأسد كلاهما لا يصح القول فيه والادعاء، إنْ لمْ يكن هناك ما يُعزّز صحة ادعائي وصدقيته أمام حشدٍ من المتربصين الذين لا يغفرون زلة اللسان لكنّهم يصفحون عن بحورٍ من الدم أغرقتها ملايين الكيلومترات من شرايين نصف مليون سوري ضحايا البراميل المتفجرة والغازات السامة وأقبية التعذيب.

أعتقد أنّ الصديق الوفي لبشار الأسد هم مجموعة دول أصدقاء الشعب السوري ودولٍ أخرى تدور في ذات المسار السياسي الذين لمْ يمنعهم ضعفُ قوةٍ أو قلّة إمكانيات عن التعبير عن صداقةٍ حقيقيةٍ للشعب السوري؛ بل القرار المتخذ بالإبقاء عليه رئيساً حتى في فترةٍ قيل أنّها انتقالية لعام ونصف لا يغيب عنها، ولمْ تعترض على بقائه دول يعترف الشعب السوري بأنّها دول صديقة، لكنّها صداقة إنسانية من باب الإشفاق ليس إلاّ، لكنّ الشعب بحاجة إلى صداقةٍ من نوعٍ آخر.
 

لا أجدُ ثمّة فرق بين قاتل بالبراميل المتفجرة وآخر قادر على حماية أرواح الآخرين لكنه لمْ يفعلْ؛ إذنْ كلنّا قتلة.

القرار الدولي لمْ يُتخذْ بعد، هذه بعض الحكاية وليست كلّها؛ عندما اتُّخذ القرار الدولي كان صدام حسين في عداد الزائلين، وحسني مبارك في عداد المخلوعين، ومحمد مرسي في عداد المعزولين، فيما كان معمر القذافي في عداد المقتولين، أما الأخوين صالح والأسد فالأول ظلّ في عداد الحاكمين من وراء ستار المبادرات.

أما الثاني فظلّ صاحبُ قرارٍ يُشغل مقعده الرئاسي بقرارٍ دولي ستنتهي صلاحيته بمجرد أنْ تنتهي أجنداتٍ متشابكة تداخلت مع بعضها تأجيجاً للصراع وليس وأداً له، لكنّه قد يأتي وسورية في عداد الغائبين عن خريطةٍ مرسومةٍ بطرف اصبعٍ على شاطئ رملي قابل للتسوية مع ما حوله، أو المحو كما سبق لأصبعٍ ضعيف أنْ محى قارةً بأكملها.
 

لكنْ، لابد لي أنْ اعترف أنّي لستُ أهلاً لأنْ أكون صديقاً للثورة السورية طالما لا أملكُ سوى بعض الولولة هنا أو هناك، ولا أجد أحياناً أيّ ضير في هذا حين أجد أمامي مشهداً أثبت لغيري قبل أنْ يُثبت لي أنْ لا صديق للشعب السوري ولا صديق للدولة السورية التي يُراد لأبهى مدنها وأعرقها أنْ تغدو قاعاً صفصفاً. 

مشهد السنوات الست رُسمت ملامحه بنفاقِ الأصدقاء، هؤلاء لستُ وحدي من يرى أنّهم شركاء دم النصف مليون طالما كانوا قادرين على الفعل ولمْ يفعلوا، فالحرص على الدم السوري تستلزمهُ موجبات الحرص التي لا وجود لها إلاّ في الغرف المزجّجة في عواصم المؤتمرات.

طيلة عامها الأول، كنتُ شاهد عيان على ثورةِ شعبٍ تواقٍ لاسترداد كرامته يحتشد عند بوابات المساجد أعزلاً إلاّ من سلاح الحناجر الذي كانت رصاصات الأمن والشبيحة في مواجهته، لمْ أحمل جسداً ملقى على الأرض لكنّي قصصتُ قطعةَ قماشٍ من قميصي ضمّدتُ بها جرح طفلٍ في العاشرة يعمل عند حلاقٍ في بلدة قدسياً غرب العاصمة، هذا كلّ ما قدمته للثورة السورية وهي استطاعتي، وأخجلُ أنْ أدّعي أنّي صديقٌ لها، وأتساءلُ مستغرباً من جرأة دولٍ تملك ما يكفي للتغيير وتتبجح ليلَ نهار بادعاء صداقة الشعب والثورة والدولة السورية.

لا أجدُ ثمّة فرق بين قاتل بالبراميل المتفجرة وآخر قادر على حماية أرواح الآخرين لكنه لمْ يفعلْ؛ إذنْ كلنّا قتلة، وما يميز قاتلٍ عن قاتلٍ أنّ بشار وحدهُ منْ يقتل دون أنْ يستر وجهه بقناع.

كم أحلم أنْ تعود الثورة سيرتها الأولى حين كنّا نرقبها في الساحات ونردد معها "يا الله ما لنا غيرك يا الله".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.