لماذا اتهم فيلم "الباندا الأحمر الكبير" بأنه الأسوأ بين أفلام بيكسار؟

"لكل منا جانب خفي عادة ما يكون غريبا، فوضويا، وصاخبا، غير أن الكثير منا لا يظهرونه أبدا"، بهذه المقولة اختتمت البطلة فيلم "الباندا الأحمر الكبير"

إيرادات فيلم "الباندا الأحمر الكبير" لم تتجاوز 11.2 مليون دولار من إجمالي ميزانية بلغت 175 مليونا (مواقع التواصل الاجتماعي)

"أسوأ أفلام بيكسار، يُحرّض الأبناء على عدم طاعة الآباء، صانعته عنصرية ومتحيزة جنسيا، لا يصلح للمشاهدة من قِبل الصغار ومَن هم دون سن المراهقة"، كل تلك الاتهامات وأكثر وجهت لفيلم "الباندا الأحمر الكبير" (Turning Red) من شركة "بيكسار" (pixar) والذي يعرض حاليا في قاعات السينما.

وأمام الجدل الدائر حول العمل، نادت بعض العائلات بمقاطعته خاصة أن الهجوم عليه لم يأت على لسان الجماهير فحسب وإنما بعض النقاد والمواقع الفنية كذلك، مما ترتب عليه انخفاض إيراداته، إذ لم تتجاوز 11.2 مليون دولار من إجمالي ميزانية بلغت 175 مليونا.

ما سر الهجوم؟

لمعرفة السر وراء الهجوم على الفيلم، علينا أن نعرف أولا ما تدور حوله الحبكة، فالعمل يحكي عن فتاة مراهقة بالـ13 من عمرها، كندية من أصول صينية، تعيش مع أب هادئ وأُم دائمة القلق مهووسة بالتحكم في التفاصيل، تسعى للكمال وتتوقع المثل من ابنتها طوال الوقت.

لكن، وكما يليق بمراهقة تختبر البطلة مشاعر الإعجاب الأولى بأحد الشباب، غير أن والدتها تتعامل مع الأمر بمبالغة تتسبب بما يشبه الفضيحة للفتاة وتصبح محلا للسخرية من الجميع. ومع كل تلك المشاعر المضطربة الجديدة التي تختلج بصدر الفتاة التي تحاول كتمانها أو التظاهر باللامبالاة تجاهها، تستيقظ فتجد نفسها وقد تحولت إلى باندا عملاق أحمر اللون، يلازمها كلما شعرت بالغضب أو التوتر، مما يُحتّم عليها التحكم بمشاعرها أكثر.

تكتشف الفتاة لاحقا أسطورة تجري في نساء عائلتها، تُفيد بأن جدتها الكبرى سألت الآلهة تلك الهبة لمساعدتها على حماية أسرتها ونساء بلدتها خلال الحرب، لكن مع مرور الزمن والتغيرات الجذرية في العالم، تحتم على نساء أسرتها التخلي عن ذلك الجانب منهن والتنصل منه، وها قد حان دورها لتفعل المثل.

سيكولوجية المراهقة

بقدر ما قد تبدو الحبكة بسيطة، فإن الكثير من تفاصيلها استوقفت أرباب الأسر، بداية من الإشارة إلى الدورة الشهرية (الطمث) الأولى للفتيات وما يحيط ذلك من شعور بالخجل أو الاندهاش والذعر والرغبة بالاختباء عن عيون الجميع، مرورا بمشاعر المراهقة العذرية تجاه المشاهير وخاصة أصحاب الفرق الموسيقية منهم، وأخيرا محاولات الجيل الأصغر لخرق القواعد وتنفيذ ما يسعى إليه حتى ولو بالحيلة أو قول "لا" عالية للكبار.

تفاصيل كثيرة، وعلى الأغلب جرت لقطاع كبير من الجمهور خلال مراهقتهم لكنهم نسوها أو تناسوها، وهو ما تسبب بوجود ردود أفعال متفاوتة تجاه العمل سواء في الوطن العربي أو الغربي.

يرى البعض أن الفيلم يحرض على التحرر والانفلات وتخطي الحدود المسموحة سواء مع الأهل أو لاستكشاف الذات والعالم، فيما دافع عنه آخرون، ووصفوه بالعمل الملهم والصادق، وبأنه يشكل خطوة للأمام تجاه عالم المراهقة الموصود الذي يخشى صناع الرسوم المتحركة وطأه، كما أنه -في نظر المعجبين- إضافة جديدة تماما في ما يخص علاقة الأم بابنتها وتبادل الأدوار الذي تم بحرفية وانسيابية مرهفة الحس، دون أن ننسى سحر الاعتراف بالخطأ من الكبار.

وبدلا من رفضه والهجوم عليه بشكل عنيف، طالب البعض بتغيير تصنيف الفيلم إلى (PG13) بدلا من (PG) -الذي يسمح بمشاهدته من الأطفال من كل الأعمار- كي يتمكن الأهل من مناقشة أولادهم الذين هم على أعتاب البلوغ بالأفكار التي وصلت إليهم من العمل.

مبالغة أم تحفّظ مُستحق؟

رد الفعل العالمي الأبرز جاء من دولة الكويت، إذ منعت وزارة الإعلام هناك عرض الفيلم كونه أشار -ولو جزئيا- لحقيقة البلوغ لدى الفتيات.

وفي مقابل الانتقادات الكثيرة والهجوم على الفيلم من آباء وأمهات، دافع عدد من المعجبين بأفلام ديزني عن هذا العمل واعتبروا الهجوم عليه غير منطقي، خاصة أنه ليس العمل الأول في الرسوم المتحركة الذي يتناول فكرة التمرد على الآباء، بل إن الكثير من كلاسيكيات ديزني مررت الفكرة نفسها دون أن تثير نفس التحفظات.

ومن بين تلك الأعمال: الأميرة آرييل بطلة فيلم "حورية البحر" (Little mermaid) التي تمردت على والدها وقواعد المملكة من أجل الرجل الذي أحبته، كذلك فعلت ياسمين في "علاء الدين" (Aladdin)، أما "مولان" و"موانا" و"ميغيل" من فيلم "كوكو" فقد تخطوا الحدود وانطلقوا في رحلة ممنوعة لاستكشاف الذات.

ويرى متخصصون في علم النفس أن الفيلم يقدم بعض اللمحات الواقعية لطبيعة العلاقات بين الآباء وأبنائهم في مرحلة المراهقة، كونه يستعرض قضايا حقيقية تفتح فرصا للنقاش.

ويدفع هؤلاء الأهل لاستغلال المشاهد التي يتحفظون عليها بالعمل وتوظيفها للتحدث مع أولادهم من المراهقين سواء عن البراعم الأولى لمشاعر الحب تجاه الجنس الآخر، أو التغيرات التي تطرأ على أجسادهم والعمليات الفسيولوجية التي سيمرون بها. لأن طرح النقاشات مع الأبناء يُزودهم بالثقة في أنفسهم، ويساعدهم على الشعور بالاطمئنان تجاه فكرة مشاركة ذويهم ما يمرون به في مرحلة لاحقة من حياتهم.

وفسر المتخصصون موقف بعض الرافضين للفيلم، بأنه يسلط الضوء على الصراع بين الآباء والأبناء، في ظل محاولات المراهقين صنع عالمهم الخاص والإصرار على اختيار ما يجدونه الأنسب لهم، الأمر الذي وجده بعض الآباء صعبا إن لم يكن مؤلما ومحبطا.

حياتك.. اختياراتك

"لكل منا جانب خفي عادة ما يكون غريبا، فوضويا، وصاخبا، غير أن الكثير منا لا يظهرونه أبدا".. بهذه المقولة اختتمت البطلة الفيلم، وإن كانت خلافا لنساء عائلتها، قررت الاحتفاظ بالجانب الجامح منها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية