من فان غوخ إلى ديفيد هوكني.. كيف يمكن للوحات الطبيعة أن تزيل التوتر وتجلب السعادة؟

الفنان التشكيلي الإنجليزي ديفيد هوكني: لا يمكننا تجديد أرواحنا إلا من خلال النظر إلى الطبيعة

مشاهدة لوحات الطبيعة قد تدعم الاسترخاء والتعافي بعد الفترات المرهقة المتعلقة بالمرض أو القلق (مواقع التواصل الاجتماعي)

أشارت الأبحاث إلى أن التنزه في الحديقة هو أحد أكثر علاجات الضغط العصبي والتوتر التي يصفها الأطباء. ولطالما عرف التواصل مع الطبيعة على أنه نشاط مريح ومهدئ، يقلل من هرمونات التوتر والإجهاد ويجلب المتعة والسعادة.

بالتأكيد لا يوجد نقص في الأبحاث التي تسلط الضوء على فوائد قضاء الوقت في الهواء الطلق، لكن الأمر الجيد هو أن وصولنا لفوائد قضاء الوقت في الطبيعة لم يعد قاصرا على الطبيعة الفعلية فقط، حيث توصلت الدراسات الجديدة إلى أن مجرد النظر إلى صور ولوحات الطبيعة يعد حافزا طبيعيا كافيا لخفض مستويات التوتر.

قام باحثون بقيادة المركز الطبي بجامعة فريجي الهولندية بتجريب الأمر بشكل عملي على 46 مشاركا في تجربة مصممة لمعرفة كيف يمكن للنظر إلى صور ولوحات الطبيعة أن يهدئ أعصاب الشخص. وزود المشاركون بأجهزة استشعار لمراقبة معدل ضربات القلب ومستويات التوتر عند حل بعض المسائل الرياضية التي تحفز مستويات محددة من التوتر، وبعد ذلك يشاهدون واحدة من سلسلتين من الصور.

تصور كلتا مجموعتي الصور بيئات حضرية، لكن إحداهما تحتوي على خضرة وأشجار بين المباني، بينما أظهرت المجموعة الأخرى بيئات قاسية وخالية من أي أثر للطبيعة. عندما شاهد الأشخاص المشاركون في التجربة الصور الطبيعية انخفضت مستويات التوتر لديهم بفضل تنشيط الجزء الخاص بالتحكم في وسائل الراحة بالجهاز العصبي.

حتى الصور القديمة التي تحمل منبهات بصرية ضعيفة قد تساعد الناس على التعافي من الإجهاد (مواقع التواصل الاجتماعي)

التعافي من التوتر وليس منعه

قد تكون مشاهدة مناظر ولوحات الطبيعة فعالة بشكل خاص في دعم الاسترخاء والتعافي بعد الفترات المرهقة المتعلقة بالمرض أو القلق، لكن على جانب آخر لا يمكن لصور ولوحات الطبيعة أن تمنع التوتر منذ البداية أو تكون بمثابة فقاعة عازلة، حيث إن النظر إلى صور ولوحات الطبيعة قبل الاختبار المسبب للتوتر لم يكن له تأثير مهدئ مسبقا على المشاركين.

كانت الصور المستخدمة في التجربة باهتة حتى لا تشتت انتباه المشاركين، لكنها بالرغم من ذلك احتفظت بتأثيرها المهدئ، ما يعني أنه حتى الصور القديمة التي تحمل منبهات بصرية ضعيفة دون أصوات أو روائح يمكن أن تساعد الناس على التعافي من الإجهاد، حتى لو كان النظر إلى الطبيعة والبقاء فيها واقعيا ذا تأثير أكبر.

لذلك ينصح خبراء الصحة النفسية بوضع بعض أُصُص (أوعية) النباتات والزهور في أماكن العمل والدراسة، وإذا لم تكن مناسبة للمكان قد يكون من المفيد تعليق بعض صور ولوحات الطبيعة على الجدران في الأماكن المختلفة.

لوحات الطبيعة من مجموعة الربيع 2021 لديفيد هوكني (مواقع التواصل الاجتماعي)

فنانون فتنوا بالطبيعة

في مارس/آذار 2020 بينما كان العالم يحاول التأقلم مع وباء كورونا، رسم الفنان التشكيلي الإنجليزي ديفيد هوكني مجموعة لوحات بعنوان "لا بد أن يأتي الربيع"، فنجد أنه في خضم الخوف وعدم اليقين من المستقبل، قدم جرعة تفاؤل نحن في أمسّ الحاجة إليها، لنتذكر دائما أن الحياة تستمر والطبيعة لا تتوقف عن دوراتها المستمرة التي تعزز جرعات الأمل وتؤكد أن الحياة لا تتوقف لأي سبب.

لطالما قدر هوكني العالم الطبيعي من حيث الإلهام الجمالي بالإضافة إلى ما يحمله من تأثيرات علاجية وكان يقول دائما "لا يمكننا تجديد أرواحنا إلا من خلال النظر إلى الطبيعة".

شارك الكثير منا ديفيد هوكني الاستشفاء بالطبيعة بداية من ظهور وباء كورونا، وأشار أمناء المتاحف العالمية أنه بعد إعادة فتح صالات العرض كانت وجوه الناس تضيء عند رؤيتهم للوحات.

يظهر تأثير الطبيعة وحبها واضحين في لوحات هوكني الذي تأثر كثيرا بفان غوخ. ويعتقد مؤرخو الفن أن حب الطبيعة وتأثيرها الكبير في أعمال كل منهما كان بسبب الانتقال وتغيير المشهد الطبيعي المحيط.

عند انتقال فان غوخ إلى جنوب فرنسا حدثت تحولات كبيرة في ألوانه وتغيرت إلى الألوان الزاهية التي ما تزال حية، كما رسم المناظر الطبيعية المشمسة التي تؤثر معنويا بشكل إيجابي في كل من يشاهدها، في حين أن عودة هوكني إلى يوركشاير بعد سنوات في لوس أنجلوس تسببت في تقديره الكبير للمناظر الطبيعية المحلية التي صوّرها في لوحاته.

لوحة ساحة سان بيير باريس لفان غوخ (روبيكسل)

مدرسة نهر هدسون الفنية

تعد مدرسة نهر هدسون الفنية أحد أهم المدارس الفنية التي ركزت على تصوير الطبيعة. وقد ظهرت الحركة الفنية في منتصف القرن الـ19 في أميركا وركزت الانتباه على تصوير منطقة وادي نهر هدسون وضمت أكثر من فنان أهمهم الأميركي توماس كول الذي يعد مؤسس هذه المدرسة الفنية، حيث تخصص كول في تصوير جمال الحياة البرية الوعرة في أميركا ومن أهم لوحاته "منظر بعيد لشلالات نياغارا" ولوحة "منزل في الغابة" المعلقة حاليا في متحف رينولدز هاوس للفنون الأميركية.

ألبرت بيرشتات فنان الغرب الأميركي

اشتهر الفنان الألماني الأميركي ألبرت بيرشتات برسم الطبيعة وكان ضمن مدرسة نهر هدسون الفنية، وقام بالعديد من الرحلات إلى الغرب الأميركي، ما ألهمه تصوير الجمال القاسي للمناظر الطبيعية.

يحسب بيرشتات أيضا على حركة روكي ماونتن الفنية التي اهتمت بتصوير سلسلة جبال روكي الأميركية. وتشمل أعمال بيرشتات لوحات الجبال، والبحيرات والخُلْجان، وهي لوحات مناسبة تماما للباحثين عن الهدوء والاستشفاء بصور ولوحات الطبيعة.

لوحات الطبيعة لديفيد هوكني من مجموعة الربيع 2021
المصدر : مواقع إلكترونية