حديث الصباح والمساء.. مسلسل يبعث حنينا متجددا لأزمنة مصرية مفتقدة

مسلسل حديث الصباح والمساء
مسلسل حديث الصباح والمساء له جاذبية كبيرة تشد المشاهدين لمتابعته من دون ملل (مواقع التواصل)

القاهرة- 20 عاما مرت على العرض الأول لمسلسل "حديث الصباح والمساء"، وفي كل مرة يُعرض فيها تنشغل مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عنه صباح مساء، فما السر الكامن فيه الذي يجعل له كل هذه الجاذبية؟

سر ما في المسلسل يجعل له كل هذه الجاذبية التي تشد المشاهدين لمتابعته من دون ملل، لدرجة أن بعض المتابعين له أعربوا -في منشورات على مواقع التواصل- عن رغبتهم في تكراره أكثر من مرة في اليوم على أكثر من قناة.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني كل عام، يتجدد حديث الصباح والمساء على شاشات الفضائيات المصرية، في المسلسل المأخوذ عن واحدة من روايات أديب نوبل نجيب محفوظ التي كتبها متأخرا، وسجل فيها حكايات الميلاد والموت، مستعرضا قصة مصر الشعبية في آخر قرنين من الزمان.

ويظل الاحتفاء بالمسلسل كل حين مثيرا للدهشة منذ عرضه، خاصة في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث عرض أول مرة منتصف الشهر ذاته عام 2001.

وتتعدد التفسيرات لاكتشاف سر الجاذبية، فهل هي بنية النص الأصلي؟ أو معالجة السيناريست محسن زايد؟ أو أداء الممثلين المبتدئين وقتها الذين صار معظمهم نجوما لاحقا؟ أو الموسيقى التصويرية المدهشة للملحن الراحل عمار الشريعي وكلمات الأغاني المبدعة بصوت المطربة أنغام؟ أو أن الأمر لا علاقة له بكل عناصر العمل، ولكنه مرتبط بفكرة تعلق المشاهد بالأبطال العاديين جدا الذين يشبهون آباءه وأجداده بانتصاراتهم الصغيرة، وهزائمهم الكبيرة؟

يسهل الإجابة عن هذه الأسئلة بالقول إن هذه العناصر مجتمعة هي التي شكلت تلك الحالة حول المسلسل، غير أن الغوص في التفاصيل والعودة للرواية الأصلية ثم لتصريحات صناع العمل عنه وقتها تهدم هذه الإجابة السهلة، في رأي مشاهدين ونقاد.

فالرواية التي كتبها نجيب محفوظ أواخر الثمانينيات، وكانت فألا حسنا عليه بحصوله على جائزة نوبل في الآداب بعد صدورها بوقت قصير، اختار لها شكلا مبتكرا للكتابة، ولكنه مرهق للغاية، وغير ممتع كفاية، وذلك على خلاف أعمال محفوظ الأخرى، إذ لم يجعل لها حدثا رئيسيا تتفاعل الشخصيات حوله، ولكنه قسمها لشخصيات مستقلة رتبها أبجديا على مدار الرواية القصيرة نسبيا.

هذا الشكل جعل الأحداث غير مرتبة زمنيا، لارتباط ترتيب قصة كل بطل فيها بأول حرف من اسمه، كأن الرواية توثيق لشجرة عائلة من مصر، تجسد تحولات المجتمع عبر 200 عام، وتكشف عن تاريخ مصر المكتوب في سجل الشعب لا السجلات الرسمية الشهيرة؛ فأبطال التاريخ هنا أناس عاديون جدا، يمكن أن يكون أي واحد منهم جدًّا لأي مصري من 100 مليون حاليين.

ولكل شخص من 67 شخصية حكايتها، وإن كان ما يجمعهم انتسابهم لـ3 عائلات تتصاهر وتتناسل على مدى 4 أجيال، منذ الحملة الفرنسية على مصر عام 1798 حتى نهاية عصر الرئيس الراحل أنور السادات 1981.

تبدأ الأحداث بـ3 شخصيات رئيسية هي يزيد المصري الذي جسده الممثل أحمد ماهر، وعطا المراكيبي وجسده الممثل أحمد خليل، ومعاوية القليوبي وجسده الممثل محمود الجندي.

مشاكل الرواية

وجاء عدم ترتيب الأحداث زمنيا ولكنه أبجدي ليرهق القارئ، في رأي الناقد الأدبي أحمد كريم بلال، سعيا لربط الأحداث التي تحياها الشخصيات -على كثرتها-  في ما تشترك فيه من تفاصيل على تنوعها.

وتابع بلال في حديثه للجزيرة نت بالقول إن الأديب الراحل لم يكرر هذه التجربة لاحقا، ربما لأنه لمس الإرهاق الذي لاقاه القارئ.

ورجح المتحدث أنه ربما أغرى نجيب محفوظ لكتابتها النجاح الهائل والحفاوة الكبرى اللذان حظيت بهما رائعته "الحرافيش"، وكتبها قبل حديث الصباح والمساء بعقد ونصف العقد تقريبا، واعتمدت على الطريقة نفسها في تقسيم الرواية لشخصيات كل منها لها حكايتها المنفصلة، لكنها متتابعة زمنيا، ومتصلة فنيا.

وأكد الناقد الحاصل على جائزة كتارا للنقد الأدبي أن السيناريست بذل جهدا كبيرا وواضحا في "تضفير" الأحداث، وأضاف إليها شخصية لم تكن موجودة.

ومثل العبارات الحكيمة الخالدة التي وردت على ألسنة أبطال روايات محفوظ، عاشت عبارات محفوظ في الرواية عابرة للأزمنة، وأحيتها الأحداث الراهنة، واستدعاها مغردون من دون أن يدرك كثير منهم أنها وردت في الرواية التي صارت حديث الصباح والمساء على مواقع التواصل كلما حان موعد العرض المتجدد.

فـ"ما الحيلة؟ أمامنا رجل يدّعي الزعامة وبيده مسدس"، من العبارات التي وردت بالرواية، ونفخت فيها الأحداث روحها فأحيتها مجددا، تماما كعبارة "أصحاب المصالح لا يحبون الثورات" التي تردد صداها على مواقع التواصل استدلالا بها وقت وقوع ثورات الربيع العربي.

كواليس المسلسل

والمسلسل المقسم على 28 حلقة، اختار له صانعوه شكلا أشبه بأجواء الأحلام، كأن المتفرج يرى بعيني النقشبندي -الحفيد الأخير ويجسده الممثل العالمي عمرو واكد- وهو في غيبوبة بالمستشفى؛ حكايات الراحلين تترى في المنام، كما عبر عن ذلك مشاهدون في عدة تغريدات.

السيناريست محسن زايد ورغم الإشادة التي حظي بها المسلسل وقت عرضه ولا يزال؛ عبر عن ألمه مما نال نصه المكتوب للمسلسل من تشويه وتحريف على يد المخرج أحمد صقر.

وقال السيناريست الذي كتب عدة سيناريوهات أفلام لأعمال نجيب محفوظ، إن كثيرا من المشاهد المحورية تم حذفها، مضيفا في تصريحات صحفية عقب عرض المسلسل أول مرة بشهر واحد أن إسقاط جزء من الأحداث بعدم تصويره من الأساس لا بد أن يحدث ارتباكا.

ولفت إلى أنه قصد من بعض الأحداث التعبير عن صراع الطبقات وتلاقيها، مثل مشهد إعجاب هدى هانم بيد عطا المراكيبي الضخمة الخشنة، وأنه "لا توجد في طبقتها يد كهذه، لأنها أعجبت بقيمة العمل"، أما المخرج فقد أظهر المشهد بإشارات جنسية، حسب رأيه.

وأرجع السيناريست تلك الأخطاء إلى أن صانعيه الآخرين "لم يقرؤوا الرواية"، معربا عن ألمه من أن بعض أبطال العمل في تصريحاتهم الصحفية نسبوا كتابة المسلسل لمدحت العدل، أحد أفراد عائلة شركة الإنتاج المنفذة للمسلسل، في حين تعب جدا في تحويل النص الأدبي إلى عمل درامي، بدأه بتسلسل زمني طبيعي من بداية الأجيال لنهايتها، خلافا لترتيب الرواية.

حالة حنين

وعلى مستوى العناصر الأخرى للمسلسل، تبعث مقدمة المسلسل بصوت المطربة أنغام مع ألحان الملحن عمار الشريعي شجنا عميقا في النفس، كما عبر مشاهدون، لتهيئ المشاهد لحالة الحنين لهذا الزمن المنقضي بقيمه وتقاليده المفقودة.

وفي الموسيقى التصويرية التي تتخلل المسلسل وتنبعث في خلفيات أحداثه، يبدو الإيقاع مناسبا للأحداث التي تتوالى فيها المواليد والوفيات والزيجات والصراعات، مما اعتبره متابعو المسلسل من أبدع ما قدمه الموسيقار الراحل عمار الشريعي.

كما استعان المخرج في خلفية الأحداث -لا رحيل الأبطال- بصوت المنشد الراحل النقشبندي وتواشيحه التي توحي بعالم آخر مفعم بالأدعية والابتهالات.

وكما كانت أحداث المسلسل عبارة عن ميلاد واختفاء شخصياته، شهدت عروض السنوات الأخيرة اختفاء اثنين من أهم نجومه عن الأعمال الدرامية المنتجة مؤخرا، ولكل أسبابه؛ فعبلة كامل -على قدر موهبتها الكبيرة- اختارت أن تتوارى عن الساحة الفنية، أما توفيق عبد الحميد فقد اشتكى في تصريحات صحفية من تجاهل المنتجين له، لكن الموت كان السبب وراء اختفاء دلال عبد العزيز (نعمة المراكيبي)، حيث إن المشاهدين تأثروا كثيرا بمشهد وفاتها في عرض المسلسل هذه الأيام على القنوات التلفزيونية، بأكثر مما تأثروا وقت عرضه العام الماضي، لوفاة الممثلة قبل شهور.

وتسببت لعنة الاهتمام بالسياسة في حذف دور أحد أبطال المسلسل الرئيسيين قبل عامين وهو الفنان عمرو واكد، ولكن جرت إعادة مشاهده المحذوفة مؤخرا ليعرض كاملا.

المصدر : الجزيرة