وسائل التواصل الاجتماعي.. صراع الويب 3 وفرص اللامركزية

الويب 3 يُعدّ كي يكون بديلا للويب 2 بما يخدم الجميع سواء أكانوا مالكين أم مطورين أم مستخدمين (شترستوك)

نشاهد تحكم وسائل التواصل الاجتماعي وعدد من التطبيقات السحابية الأخرى؛ مثل: تطبيق خرائط غوغل المتاح للجمهور.

لا شك في أن لكل صراع رواية وسردية تُصدّر للجماهير، وكل فريق يحاول طرح روايته. لكن عندما يتعلق الأمر بما يخالف أهواء أصحاب ومشغلي هذه المنصات والتطبيقات، تجد هناك طرفا يُكمم صوته وتُلغى روايته وسرديته عن طريق حظر حسابه، أو تقليل الوصول لمنشوره. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك قضايا "الإسلاموفوبيا"، والقضية الفلسطينية، وقضية مجتمع الشواذ، والحرب بين اليمين واليسار المتطرف.

ولعل أهم انقلاب حصل في عالم وسائل التواصل الاجتماعي هو استحواذ إيلون ماسك على منصة تويتر، وإلغاء الحظر عن مئات الحسابات التي كانت مكتومة ومحظورة على المنصة نفسها تحت إدارتها السابقة من اليسار المتطرف. وهذه المشكلة ليست جديدة، وأريد اليوم أن أتطرق إليها من منظور تقني لنعرف أين وصلت التقنية في هذا الصدد، وما الحلول المتاحة.

باختصار يمكن القول، إنها معركة ما بين تقنيات الويب 2 والويب 3، ولكي نفهم ما هي هذه المعركة يجب أن نفهم أولا: ماذا يعني الويب 2 وماذا يعني الويب 3؟

الويب 2 والشكل الحالي

الويب2 هو الشكل الذي يعمل به الإنترنت حاليا الذي يعتمد على نموذج الخادم والعميل. وبمعنى يسير، عندما تزور موقع ويب أو تفتح تطبيقا على هاتفك المحمول، أو تشاهد مقطعا مرئيا، فستُطلب معلوماتك من مصدر مركزي واحد، وهذا المصدر هو الخادم.

وعادة ما يُتحكم في هذا الخادم من الشركة التي تقدم الخدمة أو الموقع الذي تزوره. ويحتوي هذا الخادم على جميع البيانات اللازمة لتشغيل الموقع أو الخدمة، وغالبا ما تتضمن هذه البيانات معلومات شخصية؛ مثل: اسمك وعنوانك ومعلومات بطاقة الائتمان الخاصة بك.

وإضافة إلى ذلك، يتحكم الخادم المركزي في الوصول إلى خادم مركزي آخر يسمى خادم خدمة اسم النطاق (DNS)، الذي يعمل عمودا فقريا لتوجيه عناوين مواقع الإنترنت. فعندما تكتب عنوان موقع معين في متصفحك، مثل "example.com"، يُرسل هذا الطلب إلى خادم خدمة اسم النطاق، وهذا الخادم يرد بعنوان الخادم الذي يجب أن تتصل به لعرض الموقع. وعادة ما يتم التحكم في خوادم خدمة اسم النطاق بواسطة مجموعة مركزية من الشركات؛ مثل: غوغل وكلود فلاير (Cloudflare).

ما يعنيه هذا الكلام هو أن الإنترنت بطبيعته مركزي، ويمكن التحكم في كل جانب من جوانبه عن طريق هذه الخدمات المركزية. ومع وجود هذا النوع من المركزية، يمكن أن تتسبب النقاط الفردية في إخفاق مركزي، مما يعني أنه إذا تعطل خادم مركزي ما، فإن الخدمات العديدة التي تعتمد على هذا الخادم ستتوقف تماما.

وعند استخدام خدمات؛ مثل: فيسبوك وإنستغرام وتويتر وباي بال وأوبر، يجب أن تدرك أنك تستخدمها بموافقتهم وبموجب شروط وأحكام محددة، ولديهم الحق في حظرك أو إلغاء حسابك إذا لم تلتزم بهذه الشروط.

وهذا يعني أن هذه الشركات تمتلك المنصة ولديها سلطة قانونية لفعل ذلك، وهذا يُعدّ مربحا بشكل هائل لهذه الشركات حيث يمكنها تحقيق أرباح كبيرة من خلال تحليل البيانات، واستخدامها في نماذج أعمال تجارية مبنية على تحويل البيانات إلى أموال.

ولا يمكن لأي شخص آخر الوصول إلى هذه المعلومات إلا إذا كان شريكا في الشركة. وبناء على ذلك، فإن المركزية في التحكم تجعل الناس يبحثون عن بدائل لهذا الوضع. هنا يأتي البديل وهو الويب 3، فما هو الويب 3؟

ما الويب 3؟
الويب 3 يعدّ ليكون بديلا للويب 2 بما يخدم الجميع، سواء أكانوا مالكين أم مطورين أم مستخدمين. ويمكن تلخيص هذا بأن الويب 3 سيقدم للمستخدمين والأجهزة التفاعل عبر شبكة ند للند، دون الحاجة إلى وسيط ينظم عمليات التفاعل. وبناء على هذا، سينشئ الويب 3 إنترنت جديدا يركز على الإنسان ويحافظ على الخصوصية.

ويكمن الاختلاف الرئيس بين الويب 3 والويب 2 في عدم وجود قواعد بيانات مركزية لتخزين حالة التطبيقات. فعلى سبيل المثال، في تقنية البلوكشين، تُخزن البيانات في قاعدة بيانات لا مركزية باتفاق المشغلين على الشبكة وبواسطة البروتوكول. وبناء على ذلك، تكون بنية الويب 3 غير مركزية وموزعة عبر هذه العُقَد الذكية المشفرة.

وبموجب هذا النموذج، يجب ألا نثق بأي جهة بخصوص بياناتنا، ونحافظ على أمان خوادمهم وتطبيقاتهم. فالكود مفتوح المصدر بالكامل ويمكن مراجعته من الجميع، وهو يعمل بشكل لا مركزي. كما أن الويب 3 يقلل بشكل كبير من الحاجة إلى الأذونات والبيانات الشخصية، حيث يكفي أن يكون هناك محفظة ويب 3 للوصول إلى التطبيقات دون الحاجة إلى إجراءات التحقق من الهوية المعروفة اختصارا بـ كي واي سي (KYC).

ويتيح الويب 3 للمستخدمين بناء تطبيقات أفضل، حيث يمكنهم إعادة تشكيل التطبيقات والمشاركة بنجاح من خلال استخدام رموز الحوكمة (Governance Tokens) التي تسمح للمستخدمين بالمشاركة في تحسين البروتوكول واتخاذ القرارات بشأن تحديثاته. وهذا يساعد على تعزيز النظام وزيادة قيمة هذه الرموز.

بالإضافة إلى ذلك، فإن كون الكود مفتوح المصدر يسهل على الأشخاص بناء تطبيقات جديدة، وتطوير النظام بشكل أفضل، وهذا يشجع على التنافس والاختراع. لكن على الرغم من مزايا الويب 3، هناك بعض التحديات التي يجب التغلب عليها إذا كان الهدف هو تحدي الويب 2.

تحديات الويب 3

من بين التحديات الرئيسة التي تواجه الويب 3 قابلية التوسع، حيث يعتمد الويب 3 على شبكات لا مركزية وليس لديه سرعة عرض البيانات نفسها وأداء العمليات الحسابية كما هو الحال مع الخوادم المركزية. ففي حالة شبكات مثل إيثريوم (Ethereum) مثلا، يجب على المشغلين أن يبنوا أولا الكتل ومعالجة المعاملات، مما قد يتطلب وقتا طويلا للحصول على النتائج. هذا يمكن أن يكون مشكلة عندما يكون بإمكان المستخدم العادي الحصول على نتائج فورية من تطبيقات الويب 2 مثل إنستغرام، بدلا من الانتظار فترة طويلة.

ومن المشكلات التي تواجه تطبيقات الويب 3 تجربة المستخدم، حيث يجب على المستخدم العادي أن يكون على دراية بكيفية إنشاء محفظة إيثريوم والتفاعل مع المحافظ الأخرى والموافقة على المعاملات وحفظ كلمات المرور والمفاتيح الخاصة، وهذا يفتح الباب أمام الأخطاء البشرية التي يمكن أن تتسبب بخسائر كبيرة.

ومن العوامل التي تجب مراعاتها في تطبيقات الويب 3 كلفة استخدامها، حيث يتعين على المستخدم دفع رسوم للاستفادة من العقود الذكية ورسوم الغاز على شبكات مثل إيثريوم. ورغم أن هذه الرسوم تكون أقل على الطبقة الثانية من الشبكة، فإنها تبقى رسوما يجب دفعها.

بالإضافة إلى ذلك، يجب مراعاة أن تحديثات تطبيقات الويب 3 تأخذ وقتا أطول، حيث تتطلب موافقة المشاركين، ومن ثم تكون التحديثات أبطأ بكثير من تلك التي تكون خاضعة لشركات مركزية.

وعلى الرغم من ميزة شفافية التطبيقات مفتوحة المصدر في الويب 3، فإن هذا يشكل تحديا لأمن النظام، حيث يمكن للقراصنة استغلال الثغرات ومحاولة سرقة العملات المشفرة من العقود الذكية. ونظرا للطبيعة غير المركزية للويب 3، فإنه من الممكن أن يكون من الصعب تعويض الخسائر في حالة الاختراق.

وفي الختام يمكننا القول إن اللا مركزية ستتفوق حتما على الوضع الحالي الذي يعيش فيه مستخدمو الإنترنت سواء كانت حلول اللا مركزية المالية مثل البتكوين، أو لا مركزية الويب 3.

من المؤكد أن الويب 2 غيّر العالم، لكننا أصبحنا عبيدا لنظام من أقلية حققت ثروات هائلة من بيانات المستخدمين. لذا فإن الويب 3 هو بالفعل أفضل فرصة للبشرية لتستطيع توزيع هذه السيطرة على الإنترنت، وتسحبها من يد الشركات الكبرى التي أصبحت أقوى من الدول في بعض الأحيان. وهي فرصة كي يحترم الإنترنت كل المستخدمين ويتحكم فيه المستخدمون أنفسهم، وليس مجرد أن تُحظر لأنك كتبت منشورا لا يناسب أصحاب المنصة أو يخالف "أيدولوجيات" مجتمعات الشذوذ.

التحديات موجودة بكل تأكيد، ويجب التغلب عليها لنصل إلى ويب 3 لامركزي فعلا. ومجتمعات المطورين في نقاش دائم للوصول إلى حلول، والطريق لا يزال في البداية.

المصدر : الجزيرة