الاستثمارات الإلكترونية الأميركية في أوكرانيا هل تؤتي ثمارها وسط الحرب؟

الدول الغربية -بما في ذلك الولايات المتحدة- تعلمت الكثير من الطرق التي نفذ بها الروس هجماتهم في عامي 2015 و2017 على البنية التحتية الأوكرانية.

بعض الخبراء الإلكترونيين يرون أن روسيا تدرس على الأرجح خياراتها بشأن ما إذا كان شن هجوم إلكتروني مدمر يستحق كل هذا العناء (غيتي)

تخضع الاستثمارات الأميركية والأوروبية الأخيرة في مجال الدفاع السيبراني في أوكرانيا للاختبار في أعقاب الغزو الروسي للبلاد. وجاء في تقرير لصحيفة "ذا هيل" (The Hill) البريطانية أن الغرب تنبه منذ 2015 إلى المحاولات الروسية السيبرانية لتعطيل البنية التحتية الأوكرانية، واستثمر بشكل كبير في هذا الفضاء ليُعدّ أوكرانيا بشكل كبير لتحمل الهجمات السيبرانية الروسية.

روسيا قرعت أجراس الإنذار في 2015

ففي الأسابيع والأشهر التي سبقت الصراع، نشرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فريقا من خبراء الحرب الإلكترونية للمساعدة في مواجهة الهجمات الإلكترونية الروسية من خلال تعطيل البنية التحتية الحيوية للبلاد.

وأرسلت هذه الدول فريق استجابة إلكترونية سريع تم تشكيله حديثا من الاتحاد الأوروبي يتألف من 12 خبيرا وفريق مهمات "هنت فوروارد" (Hunt Forward) مع القيادة الإلكترونية الأميركية إلى أوكرانيا للبحث عن التهديدات الإلكترونية النشطة داخل الشبكات وتعزيز الدفاعات الإلكترونية للبلاد.

جاء ذلك ردا على موجة الهجمات الإلكترونية التي استهدفت البنوك المحلية ومواقع الحكومة الأوكرانية -بما في ذلك البرلمان ووزارتا الخارجية والدفاع- قبل أسابيع وأيام من الغزو. ونفت روسيا أي تورط لها.

وبدأ الغرب في الاستثمار بنشاط في الدفاعات الإلكترونية في أوكرانيا بعد اختراق شبكة الكهرباء عام 2015 وهجوم البرامج الضارة "بيتيا" (Petya) عام 2017.

وتسبب هجوم الشبكة الكهربائية في انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 200 ألف شخص لعدة ساعات، بينما عطلت البرامج الضارة بيتيا المؤسسات الأوكرانية الرئيسية، بما في ذلك البنوك والوزارات الحكومية والشركات.

وقال جيمس تورغال، نائب رئيس شركة "أوبتيف" (Optiv) للأمن السيبراني إن هذه الهجمات كانت بمثابة دعوة للاستيقاظ لأوكرانيا والغرب لاتخاذ تدابير دفاعية للكشف عن مثل هذه الهجمات ومنعها.

وقال تورغال "لقد تعلمت الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، الكثير من الطريقة التي نفذ بها الروس ذلك"، وتابع "من المؤكد أنه كان من مصلحتنا -وبالتأكيد لصالح أوروبا الغربية- مساعدة الأوكرانيين في ذلك حتى نفهم ما التكتيكات والإجراءات التي استخدمها الروس".

وأوضح تورغال أن بعض تلك المساعدة الغربية تشمل مساعدة الأوكرانيين على فهم الأنواع المختلفة للهجمات الإلكترونية بالإضافة إلى معرفة من أين نشأت وكيف دخلت النظام، ومدى انتشارها في جميع أنحاء الشبكات، وكيفية تفكيكها.

Cyber threat from Russia. Russian hacker at the computer, on a background of binary code, the colors of the flag of Russia. DDoS attack
الغرب بدأ الاستثمار بنشاط في الدفاعات الإلكترونية في أوكرانيا بعد اختراق شبكة الكهرباء عام 2015 وهجوم البرامج الضارة بيتيا  عام 2017 (شترستوك)

أوكرانيا حقل التجارب

أصبحت أوكرانيا بمساعدة الغرب أكثر مرونة منذ الهجمات الإلكترونية الأولية، لا سيما بالنظر إلى أنها معرضة بشكل فريد للهجمات الروسية لأن معظم بنيتها التحتية شيدتها موسكو خلال الحقبة السوفياتية.

وقال تورغال، مساعد المدير التنفيذي السابق لفرع المعلومات والتكنولوجيا التابع لمكتب التحقيقات الفدرالي "النظام البيئي الأساسي الأصلي الذي تعمل عليه أوكرانيا بناه الروس".

وأضاف أن البلاد ربما تكون قد صممت تقنيات جديدة وقامت بتحديث بعض بنيتها التحتية عندما أصبحت مستقلة عن الاتحاد السوفياتي.

وقال تورغال أيضا إن "النظم البيئية الإلكترونية في أوكرانيا أقوى بكثير مما كانت عليه قبل عام 2015″، ويرجع ذلك جزئيا إلى المساعدة الإلكترونية التي قدمها الغرب.

أميركا في الباحة الخلفية

عبرت الولايات المتحدة عن التزامها بمساعدة أوكرانيا من قبل ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأميركية التي قالت إن هذا وقت حاسم للولايات المتحدة وحلفائها لتعزيز دفاعاتها الإلكترونية ومساعدة البلدان، التي سقطت ضحايا لروسيا سواء بالحرب أو الهجمات الإلكترونية بما فيها أوكرانيا.

وقال شيرمان إن الولايات المتحدة استثمرت 40 مليون دولار منذ عام 2017 في مساعدة أوكرانيا على تنمية قطاع تكنولوجيا المعلومات، في أعقاب الهجمات الإلكترونية العديدة التي تتخذ من روسيا والتي استهدفت البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا، بما في ذلك شبكتها الكهربائية ونظامها المالي.

وقال شيرمان "لقد قدم حلفاؤنا في الناتو والشركاء الأوروبيون أيضا مساهمات كبيرة للمساعدة في تحسين الأمن السيبراني لأوكرانيا"، مضيفا أن الاستثمارات ساعدت الأوكرانيين على "الحفاظ على الإنترنت وتدفق المعلومات، حتى في خضم الغزو الروسي الوحشي".

وعزز المتحدث باسم وزارة الدفاع جون كيربي هذا الشعور عندما قال للصحفيين في مؤتمر صحفي في التاسع من مارس /آذار الجاري إن الولايات المتحدة "ساعدت في تحسين مرونة (أوكرانيا) في الفضاء الإلكتروني، وأعتقد أن بعض هذه المرونة ظاهرة أيضا خلال الأيام الأخيرة".

وأضاف كيربي أن مجرد عدم وجود هجمات إلكترونية مدمرة شنها الروس لا يعني أنهم لم يحاولوا ذلك. وقال إنه من المحتمل أن يكون "الأوكرانيون قد حسنوا قدرتهم على الصمود".

A Russian flag and a 3D model of the Facebook logo is seen through a cutout of the Twitter logo in this photo illustration taken in Zenica, Bosnia and Herzegovina, May 22, 2015. Russia's media watchdog has written to Google, Twitter and Facebook warning them against violating Russian Internet laws and a spokesman said on Thursday they risk being blocked if they do not comply with the rules. Roskomnadzor said it had sent letters this week to the three U.S.-based Internet firms asking them to comply with Internet laws which critics of President Vladimir Putin have decried as censorship. REUTERS/Dado Ruvic TPX IMAGES OF THE DAY
شركات التكنولوجيا مثل غوغل وأمازون ومايكروسوفت، أبرمت أيضا شراكة مع الحكومة الأوكرانية لمساعدتها في مواجهة الهجمات الإلكترونية (رويترز)

شركات التكنولوجيا تدعم الأوكران

ليست الحكومات الغربية هي الوحيدة التي تشارك خبراتها السيبرانية مع الأوكرانيين. وقال جيسون بليسينغ الخبير الإلكتروني وزميل الأبحاث في "معهد أميركان إنتربرايز" (American Enterprise Institute) إن القطاع الخاص -بما في ذلك شركات التكنولوجيا مثل "غوغل" (Google) و"أمازون" (Amazon) و"مايكروسوفت" (Microsoft)- أبرمت أيضا شراكة مع الحكومة الأوكرانية لمساعدتها في مواجهة الهجمات الإلكترونية.

وقال بليسينغ إن القطاع الخاص كان أيضا في طليعة تقديم الدعم الفني والخبرة السيبرانية للأوكرانيين، وخاصة بعد الغزو.

قبل ساعات قليلة من الغزو الروسي، قالت مايكروسوفت إنها اكتشفت قطعة جديدة من البرامج الضارة المعروفة باسم "فوكس بلايد" (FoxBlade) تحاول تعطيل البنية التحتية الرقمية في أوكرانيا. وقالت شركة التكنولوجيا إنها شاركت المعلومات مع الحكومة الأوكرانية وتمكنت من تفكيكها في غضون 3 ساعات.

وعلى الرغم من أن الهجمات الإلكترونية تبدو السلاح الجديد المفضل لروسيا، إلا أن بليسينغ قال إن أكبر تهديد في الوقت الحالي هو الهجمات الحقيقية، مثل التفجيرات التي يمكن أن تدمر البنية التحتية الحيوية.

يقول بليسينغ "هناك سبب يدعو إلى توخي الحذر بشأن نوع النشاط السيبراني الذي يمكن أن يحدث على الشبكات الأوكرانية. لا يمكننا تجاهل ذلك. لكنني أعتقد أن التهديد الأكبر في الوقت الحالي هو حرفيا مجرد الهجمات المادية على البنية التحتية التي يمكن أن تسبب نفس التأثير وتكون أرخص بكثير".

وأضاف "مع استمرار الصراع سيكون الإنترنت مكونا. هو بالفعل. لكنه سيبقى على الأرجح في الأساليب منخفضة التكلفة ومنخفضة التعقيد التي تم استخدامها بالفعل".

لماذا لا تشن روسيا هجوما سيبرانيا مدمرا؟

تتكهن الحكومات الغربية أيضا حول سبب عدم قيام روسيا بشن المزيد من الهجمات الإلكترونية المدمرة ضد أوكرانيا، كما فعلت في عامي 2015 و2017.

ويقول بعض الخبراء الإلكترونيين إن روسيا تدرس على الأرجح خياراتها بشأن ما إذا كان شن هجوم إلكتروني مدمر يستحق كل هذا العناء، خصوصا بعد العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب.

ويعتقد خبراء آخرون أنه على الرغم من أن روسيا لديها القدرة على شن هجمات إلكترونية مدمرة ضد أوكرانيا، فمن المحتمل أنها تختار عدم تدمير البنية التحتية الحيوية للبلاد بالكامل، خاصة إذا كانت تخطط للاستيلاء على أوكرانيا.

وقال توم ستيفانيك -وهو مشارك في برنامج السياسة الخارجية في "معهد بروكينغز" (Brookings Institution) "إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيسيطر على بلد ما، فلن يتمكن من تدمير كل البنية التحتية تماما لأنهم سينتقلون إليها، وبعد ذلك سيكونون مسؤولين عن الضرر".

وقال ستيفانيك إن بوتين ربما يفكر إستراتيجيا فيما يتعلق بكيفية استخدامه للهجمات الإلكترونية ضد أوكرانيا؛ لأنه قد يكون مكلفا إعادة بناء مثل هذه البنية التحتية الحيوية. وقال أيضا إن الروس يستخدمون على الأرجح هجمات إلكترونية غير متطورة، مثل هجمات رفض الخدمة الموزعة، لتعطيل ما يكفي فقط، ولكن ليس لتدمير القطاعات الرئيسية.

المصدر : هيل