مليار دولار ينفقها المصريون سنويا.. كيف يبدو مستقبل الألعاب الإلكترونية في البلاد؟

عدد مستخدمي الألعاب الإلكترونية النشطين في مصر يبلغ 38.3 مليون لاعب (إنسومنيا إيجيبت)

القاهرة- "لماذا تغيب مصر عن صناعة عالمية تجاوزت إيراداتها 177 مليار دولار؟"، تساؤل طرحته دراسة مقدمة إلى مجلس الشيوخ المصري حول الألعاب الإلكترونية، تطالب بالتدخل العاجل لتطوير هذه الصناعة وتوطينها في البلاد.

وأوضحت الدراسة التي قدمها النائب حسانين توفيق، عضو لجنة التعليم والاتصالات بمجلس الشيوخ، وناقشتها اللجنة يوم الاثنين الماضي، أن إيرادات الألعاب الإلكترونية في أنحاء العالم يتوقع أن تصل إلى 225 مليار دولار بحلول عام 2025، بينما سيزيد عدد اللاعبين من 2.9 مليار شخص إلى 3.5 مليارات شخص بعد 3 سنوات.

وذكرت الدراسة البرلمانية أن هناك 18 شركة في مصر تعمل في مجال تصميم الألعاب الإلكترونية، بجانب 500 مطور، لكنهم يواجهون تحديات ضخمة تعيق عملهم، وذلك يتطلب التدخل العاجل لتطوير هذه الصناعة في مصر وخاصة في مجال الألعاب التعليمية.

مصر.. سوق اللاعبين الواعدة

تعدّ مصر من أكبر الأسواق الناشئة والمنافسة في مجال الألعاب الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتمتلك العدد الأكبر من اللاعبين في المنطقة، وفقا لتقرير شركة الأبحاث العالمية "نيكو بارتنرز" (Niko Partners) عن سوق الألعاب في المنطقة، وتحديدا دول مصر والسعودية والإمارات.

وذكر تقرير الشركة المتخصصة بدراسات صناعة الألعاب الإلكترونية، الصادر في يناير/كانون الثاني 2022، أن عدد اللاعبين النشطين في مصر يصل إلى 38.3 مليون لاعب، من بين 65.32 مليون لاعب نشط في الدول الثلاث عام 2021، بنسبة 58.7%.

وتوقع التقرير أن يرتفع عدد اللاعبين في دول الدراسة عام 2025 إلى 85.76 مليون لاعب، وذلك يعني أن عدد اللاعبين في مصر سيتجاوز 50 مليون شخص إذا احتفظت بنسبتها الحالية.

وتشير إحصائيات شركة "ستاتيستا" (Statista)‏ الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين إلى أن 30.9% من المصريين البالغ عددهم 104 ملايين نسمة عام 2022 يستخدمون ألعاب الفيديو بكل أنواعها (إصدارات منصات الألعاب والكمبيوتر، وألعاب الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، والألعاب عبر الإنترنت وشبكات الألعاب)، أي نحو 32 مليون شخص.

وتوقعت "ستاتيستا" أن يبلغ عدد المستخدمين 44.8 مليون مستخدم بحلول عام 2027 بنسبة 38.9%.

ألعاب الهاتف المحمول تتفوق

ووفقا للإحصائيات، فإن النسبة الأكبر من اللاعبين تذهب إلى ألعاب الهواتف المحمولة، حيث تبلغ 18.5% من المصريين عام 2022 (19.24 مليون مستخدم)، ترتفع إلى 24.3% عام 2027 (نحو 28.1 مليون مستخدم).

وأظهرت دراسة لمنصة "ديجيتال توربين" (Digital Turbine) أن 71% من المستخدمين في مصر يلعبون على أجهزتهم المحمولة يوميا، ويلعب 37% مدة ساعة أو أكثر يوميا.

وأشارت الدراسة إلى أن الفئة العمرية بين 25-34 عاما هي الأكثر استخداما لألعاب المحمول، تليها الفئة العمرية (18-24) ثم (35-44)، وأخيرا الفئة العمرية أكبر من 45 عاما، لكن الدراسة أغفلت فئة الأطفال الأقل من 18 عاما التي تمثل نسبة كبيرة بين مستخدمي الألعاب في مصر.

وتتوقع دراسات عدة نموا أكبر للألعاب عبر الإنترنت في مصر، بسبب الانتشار الواسع والمطرد في استخدام الهواتف الذكية والإنترنت، وزيادة المستخدمين القادرين على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.

المصريون ينفقون نحو مليار دولار سنويا على الألعاب الإلكترونية حسب الأرقام الحكومية (إنسومنيا إيجيبت)

عائدات متدنية لقطاع الألعاب

رغم العدد الهائل من المستخدمين، فإن قيمة عائدات الألعاب الإلكترونية والإنفاق عليها في مصر تعد متدنية. وحسب دراسة "نيكو بارنترز"، فإن عائدات الألعاب الإلكترونية في مصر عام 2021 بلغت 172.5 مليون دولار، بنسبة لا تتجاوز 9.8% من عائدات الألعاب في الدول الثلاث البالغة 1.76 مليار دولار.

وبينما تتوقع الدراسة أن تنمو عائدات الألعاب الإلكترونية في مصر والسعودية والإمارات لتبلغ 3.14 مليارات دولار بحلول عام 2025، فإن المتوقع أن تظل نسبة عائدات السوق المصرية متدنية في ظل غياب الدعم الحكومي، بينما تدعم حكومتا السعودية والإمارات قطاع الألعاب الإلكترونية، وأطلقتا سياسات لتشجيع توطين الألعاب، وتطوير الألعاب المحلية.

لكن إحصائيات "ستاتيستا" توقعت أن تصل الإيرادات في قطاع الألعاب الإلكترونية في مصر إلى 681.3 مليون دولار بنهاية عام 2022، على أن تواصل الصعود لتبلغ 815.5 مليون دولار بحلول عام 2027.

وتحظى شريحة ألعاب الأجهزة المحمولة بحجم سوق يبلغ 521 مليون دولار في مصر عام 2022 (حجم السوق العالمية يبلغ 136 مليار دولار)، ويتوقع أن يصل حجم السوق المصرية إلى 620 مليون دولار عام 2027.

وتكشف دراسة "ديجيتال توربين" أن 92% من المستخدمين يفضلون مشاهدة الإعلانات لاستمرار اللعبة بدلا من دفع النقود.

وتختلف الأرقام المصرية عن الدراسات السابقة، حيث ذكر نائب رئيس البنك الأهلي المصري يحيى أبو الفتوح في أكتوبر/تشرين الأول 2022 أن المصريين ينفقون نحو مليار دولار سنويا على الألعاب الإلكترونية.

ولم يقدم المسؤول المصري -في كلمته بمؤتمر حابي الاقتصادي الرابع- مزيدا من التفاصيل حول هذا المبلغ الذي قال إن من ينفقونه هم "أطفال"، ولكنه دعا إلى ضرورة تطوير التعليم في مجالات البرمجة، لتأهيل مبرمجين قادرين على المنافسة في تلك القطاعات الحديثة التي لا تحظى بالاهتمام الكافي.

وغالبا ما تشير أرقام الدراسات العالمية إلى المدفوعات الإلكترونية أو عمليات شراء الألعاب من المتاجر الرسمية، لكن هذه الدراسات قد لا تشمل إنفاق المصريين في صالات ألعاب الفيديو المنتشرة في مصر، وبشكل خاص محلات ألعاب "البلاي ستيشن"، التي تعد ضمن أكثر المشاريع الشبابية الناجحة في مصر.

غالبية عائدات الألعاب الإلكترونية في مصر  تذهب إلى شركات ومبرمجين أجانب (شترستوك)

ألعاب من إنتاج مصري

تذهب الغالبية العظمى من عائدات الألعاب الإلكترونية في مصر إلى شركات ومبرمجين أجانب، نظرا لضعف سوق الإنتاج المصرية في هذا المجال، والتي تكاد تقتصر على الألعاب التعليمية والمقدمة للأطفال الصغار بشكل خاص.

وحسب أحدث إحصائيات لموقع "42 ميترز" (42 Matters)، يقدر عدد ناشري الألعاب المصريين على متجر "غوغل بلاي" (Google Play) بأكثر من 430 ناشرا مصريا، يقدمون نحو 1280 لعبة إلكترونية، بمتوسط 52 ألف عملية تحميل للعبة.

وتأتي شركة الموسوعة للمعلوماتية (4enc) المتخصصة في إنشاء تطبيقات وألعاب وبرامج تعليمية صديقة للأسرة في المركز الأول بين ناشري الألعاب المصريين على "غوغل بلاي"، حيث تمتلك 95 لعبة، بنحو 12 مليون عملية تحميل.

وحلّت شركة "روم ستوديوز" (Room Studios) في المركز الثاني رغم امتلاكها لعبتين فقط، ولكنها تمتلك أكثر من 8.14 ملايين عملية تحميل، وفقا لإحصائيات 42 ميترز، بينما جاء المطور المستقل طارق منجي في المركز الثالث بـ9 ألعاب و5.45 ملايين عملية تحميل، معظمها للعبة "فلابي كراش" (Flappy crush).

ويعتمد معظم الناشرين المصريين للألعاب على الإعلانات لتحقيق الأرباح، حيث تضمنت 87% من هذه الألعاب إعلانات، بينما بلغت نسبة الألعاب المدفوعة 3% فقط.

مبادرات لتطوير قطاع الألعاب

منذ إنشاء الاتحاد المصري للألعاب الإلكترونية عام 2003 تركز اهتمامه على اللاعبين وليس المطورين، ولكنه بدأ أخيرا الاتجاه إلى دعم المواهب والكوادر الشابة في مجال تطوير الألعاب الإلكترونية محليا، وفق تصريحات مسؤوليه.

وفي أبريل/نيسان 2022، وقع الاتحاد اتفاقية شراكة مع جمعية "اتصال" لتكنولوجيا المعلومات، وأكاديمية البحث العلمي لإنشاء حاضنة للشركات الناشئة المتخصصة فى تصميم الألعاب الإلكترونية، باستثمارات تبلغ 5 ملايين جنيه، لتطوير 15 لعبة إلكترونية بينها 10 ألعاب رياضية بخاصة التي تمتلك اتحادات رسمية.

وفي عام 2018 أطلقت مصر مبادرة أفريقيا لإبداع الألعاب والتطبيقات الرقمية (AAL) لدعم احتراف تطوير التطبيقات والألعاب الرقمية، وتأسيس 100 شركة ناشئة في هذا المجال.

ونظمت مصر في الأعوام الماضية عددا من الفعاليات المتخصصة في الألعاب الإلكترونية مثل مهرجان "إنسومنيا" (Insomnia) وهو أكبر تجمع للاعبين والعاملين في مجال للألعاب الإلكترونية، واستضافته مصر 3 مرات آخرها في فبراير/شباط الماضي.

وتضمّن المهرجان قسما لعرض ألعاب المطورين المستقلين وتجربتها، وكان أغلبها ألعابا تم تطويرها للهواتف الذكية على يد مطورين تعلموا ذاتيا نظرا لغياب مجال تطوير الألعاب عن التعليم الرسمي.

المصدر : الجزيرة