3 سيناريوهات تكشف كيف تتعامل روسيا مع شركات التكنولوجيا الكبرى

قانون جديد لمقدمي خدمة الإنترنت في روسيا
الكرملين يسعى لإضعاف شركات التكنولوجيا الأجنبية والسماح لنظيراتها الروسية بالاستمتاع بمنافسة محليّة أقل (الجزيرة)

العام الماضي، شن الكرملين حملة قمع شرسة ضد المعارضة للحيلولة دون تحقيقها انتصارات في انتخابات مجلس الدوما (البرلمان) أو تنظيم احتجاجات جماهيرية. ومع انتهاء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر/أيلول، تواصل الحكومة الروسية حملة الضغط على كبرى شركات التكنولوجيا.

وبحسب تقرير في موقع "ورلد فيو ستراتفور" worldview.stratfor، فإن شركات التكنولوجيا الكبرى التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا أصبحت تمثل محور الحملة التي تقودها الحكومة الروسية، على غرار "غوغل" Google و"آبل" Apple و"فيسبوك" Facebook و"تويتر" Twitter و"أمازون" Amazon، بالإضافة إلى شركات التكنولوجيا الصغرى الأخرى.

وأشار الموقع الأميركي إلى أن وسائل الإعلام الروسية المستقلة والناشطين السياسيين يعتمدون على هذه المنصات لنشر رسالتهم والمطالبة بإرساء الحكم الديمقراطي في روسيا، لذلك يعتبرها النظام تهديدًا. وتعمل موسكو على توفير بيئة شبه احتكارية محلية مشابهة لتلك الموجودة بالصين أو الولايات المتحدة، حيث تحتكر شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الأسواق المحلية.

لتحقيق هذا الهدف، يسعى الكرملين إلى إضعاف شركات التكنولوجيا الأجنبية والسماح لنظيراتها بالاستمتاع بمنافسة محليّة أقل، هذا إلى جانب تركيز موارد إضافية لمساعدتها على التوسع لتكون أدوات للنفوذ الروسي.

وقد بلغت حملة القمع الرقمية ذروتها عشية انتخابات مجلس الدوما الشهر الماضي، عندما رضخت كل من "آبل" و"غوغل" لطلبات الكرملين وحذفت تطبيق زعيم المعارضة أليكسي نافالني من متاجر التطبيقات الخاصة بها، وذلك بعد تهديد موظفيها في روسيا بملاحقتهم جنائيًا.

وفي مارس/ آذار، أبطأت السلطات سرعة تويتر ردًا على فشل المنصة المزعوم في إزالة المحتوى المحظور، وهددت المنصات الأخرى باتخاذ إجراءات مماثلة تصل لدرجة الحظر في حال عدم الامتثال.

استهداف

وبعد تصنيف المنظمات المرتبطة بزعيم المعارضة إرهابيةً، ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في سبتمبر/أيلول، تسارعت وتيرة الإجراءات التنظيمية والتهديدات ضد كبرى شركات التكنولوجيا، حيث فُرضت غرامات إضافية على عدم حذف المحتوى وتخزين البيانات في روسيا، بتعلة أن عدم حذف المحتوى بمثابة تدخل في الانتخابات.

وأوضح "ورلد فيو ستراتفور" أن استهداف الكرملين لشركات التكنولوجيا الكبرى الأميركية مدفوع برُؤيته المختلفة لإدارة الأمن السيبراني مقارنة بالولايات المتحدة. وتعكس أحدث إستراتيجية للأمن القومي إدراك موسكو لمجموعة واسعة من التهديدات أكثر من أي وقت مضى، بما في ذلك المخاوف بشأن "إضفاء الطابع الغربي" على التنمية السياسية والأيديولوجية والثقافية للبلاد.

ومن أجل تعزيز نفوذها في المحادثات السيبرانية الأميركية، وضعت الحكومة الروسية معادلة مشبوهة بين فشلها في ملاحقة مجموعات برامج "الفدية" التي تستهدف الولايات المتحدة وفشل حكومتها في إيقاف عمالقة التكنولوجيا من التدخل المزعوم في الشؤون الداخلية لروسيا.

المرحلة التالية من حملة روسيا على كبرى شركات التكنولوجيا

السيناريو الأول المرجح

يرجّح الموقع الأميركي أن ينفذ الكرملين حملة ضغط ثابتة تقوم على إخضاع كبرى شركات التكنولوجيا ودعم تطوير خدمات محلية لتقليل حصة هذه الشركات بالسوق والحد من نفوذها، وذلك عوضًا عن حظر خدماتها. والغاية من هذا النهج تجنب ردود الفعل المحلية التي تصاحب حجب الموارد الشعبية الموجودة بالولايات المتحدة، مقابل ضمان الاستمرار في تحقيق أهداف الكرملين.

وعلى امتداد أعوام، لم تتمكن موسكو من كبح جماح الشركات الأميركية لسببين رئيسيين: أولهما، افتقار موسكو إلى القدرات التقنية التي تتيح لها حظر المحتوى بطريقة مستهدفة، كما يتضح من الحظر الفاشل لتطبيق "تليغرام" Telegram الذي بدأ في أبريل/نيسان 2018 قبل التراجع عن ذلك في يونيو/حزيران 2020.

أما السبب الثاني فهو عدم توفر بدائل محلية للعديد من الخدمات التي توفرها هذه الشركات، ولعل هذا ما يثني الكرملين عن حظرها تماما حتى عام 2024 وربما لفترة أطول، في ظل استمرار ملايين الروس والشركات في الاعتماد عليها.

السيناريو الثاني أقل ترجيحا

يتمثل السيناريو الأقل ترجيحًا في حدوث تصعيد قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2024. في هذه الحالة، قد يمنح الكرملين المشرّعين الضوء الأخضر لفرض أقسى العقوبات على شركات التكنولوجيا لإخضاعها أو يعطل خدماتها، أو يفرض عليها قيودا لمنع حدوث أي اضطرابات قبل الانتخابات.

وبغض النظر عما إذا كان الرئيس فلاديمير بوتين يطمح لولاية أخرى مدتها 6 أعوام أو تعيين خليفة له، فإن خيبة الأمل من النظام السياسي من المرجح أن تزيد على نطاق واسع الأعوام القادمة.

بناء على ذلك، قد تعمد السلطات إلى تشديد الرقابة على الإنترنت وأنشطة شركات التكنولوجيا الأجنبية لمنع الاحتجاجات الجماهيرية. ومع أن النظائر المحلية لمعظم الخدمات الحيوية قد لا تكون جاهزة تمامًا بحلول ذلك الوقت، فإن موسكو ربما ترى أنه من الضروري شن حملة على شركات التكنولوجيا الكبرى وأن النظراء المحليين قد أحرزوا تقدما كافيًا.

وتشير مسودة الميزانية إلى أن روسيا تسعى إلى تعزيز قدرات الأمن وإنفاذ القانون للبنية التحتية للإنترنت بحلول عام 2024. وتظهر المناقصات الخاصة بأنظمة مراقبة المعلومات الجديدة أن قدرات السلطات على اكتشاف انتهاكات القانون ستكون أكثر تقدما بحلول ذلك الوقت، مما يعطي الحكومة المزيد من الأسباب لسن تدابير تقييدية على كبرى شركات التكنولوجيا.

السيناريو رقم 3 غير محتمل

هذا السيناريو مستبعد، ويفترض أن تدفع سياسة حافة الهاوية وسوء التقدير من موسكو وسائل التواصل الكبرى وشركات التكنولوجيا إلى وقف أو تقليص عملياتها في البلاد، أو قيام الكرملين بإيقاف خدمات إحدى الشركات التي لم يكن مستعدا لاستبدالها قبل عام 2024.

لكن من المحتمل على أي حال أن تواصل السلطات ممارسة سياسة التمييز. ونظرا لأن موسكو لديها القليل من الحوافز التي تستطيع تقديمها لشركات التكنولوجيا الأجنبية، عدا السماح باستمرار عملياتها في البلاد، فإن التكتيك الأساسي الذي تتبعه موسكو هو إصدار العقوبات، وهو تكتيك ينطوي على مخاطر كبيرة.

وضمن هذا السيناريو على وجه الخصوص، وبدرجة أقل ضمن السيناريوهين السابقين، قد يحدث تحوّل كبير في سياسات الكرملين تجاه الشركات الغربية. وسيكون هذا المجلس أكثر ترددا في اتخاذ إجراءات قوية تجاه غوغل أو آبل أو "مايكروسوفت" (Microsoft) لأنه من الصعب تعويض خدماتها، وقد يؤدي الحظر إلى رد فعل عنيف في البلاد.

في المقابل، من المرجح أن تواجه منتجات فيسبوك وتويتر إجراءات عقابية أشد في حالة عدم الامتثال، حيث لا يوجد لديها مكاتب تمثيلية في روسيا، وتعتقد موسكو أن البدائل المحلية متاحة بشكل أكبر. وهناك العديد من الشركات الصغيرة، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا، كانت قد تعرضت لضغوط من السلطات الروسية، من بينها "بوكينغ.كوم" (Booking.com) و"بنترست" (Pinterest) و"تمبلر" (Tumblr) و"سناب شات" (Snapchat) و"سلاك" (Slack).

ويمكن لشركات التكنولوجيا الغربية أن تواجه مصيرا مشابها لمنصة "لينكد إن" (linkedin) التي تم حظرها بالكامل في روسيا منذ عام 2016 لعدم تخزين بيانات المواطنين المستخدمين في البلاد، وهي سياسة يمكن تطبيقها بشكل انتقائي على أي شركة تكنولوجيا أخرى أو أي منصة تواصل، وفق رغبة موسكو.

مزيد من التوتر

بغض النظر عن السيناريو الذي سيتحقق نهاية المطاف، من المرجح أن تؤدي الحملة الروسية المستمرة، ضد شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الأميركية، إلى مزيد من التوتر في العلاقات الثنائية خلال الأعوام المقبلة. ومن المرجح أن تواجه إدارة الرئيس جو بايدن والكونغرس، الأميركيان، ضغوطا سياسية متزايدة للمشاركة بشكل أكبر في دعم شركات التكنولوجيا الأميركية حتى لا ترضخ لمحاولات الأنظمة "الاستبدادية" فرض رقابة على الخطاب السياسي المعارض.

وقد رفضت الحكومة الأميركية التعليق بشكل مباشر على الإجراءات الروسية ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، في محاولة لتجنب المزيد من التوتر وتفادي المزيد من الإجراءات الصارمة، لكن استمرار الحملة الرقمية في موسكو سيجبر الحكومة الأميركية على الرد علنا نهاية المطاف وإثارة القضية في محادثات ثنائية مع موسكو.

وفي وقت تميل الحكومة الأميركية حاليا للاستجابة لمطالب السلطات الروسية، لأن ذلك أفضل من عدم وجود أي من شركات التكنولوجيا الكبرى في روسيا، من المرجح -وفق "ورلد فيو ستراتفور"- ألا تستمر سياسة ضبط النفس إلى ما لا نهاية، في ظل تزايد الضغوط على الشركات. ومن شأن تراجع حضور شركات التكنولوجيا في روسيا أن يؤدي إلى تضاؤل القوة الناعمة للولايات المتحدة.

المصدر : مواقع إلكترونية