هكذا تعيد كرة القدم الأمل لضحايا العنف والحروب.. قصة أول فريق عراقي لمبتوري الأطراف يتأهل لكأس العالم

بغداد- "كنت على وشك أن أوقع عقداً مع نادي القوة الجوية، قبل أن يقرر انتحاري تفجير نفسه في محطة تعبئة وقود كنت أعمل بها، فخسرت صديقي، وعددا من منتسبي الأجهزة الأمنية، وساقي" هكذا يوضح علي كاظم كيف أن هذا التفجير الذي حدث عام2006، في حي القاهرة شرقي العاصمة بغداد، قد غير حياته للأبد.

ويتحدث كاظم عن سلسلة من الصعوبات بدأت تعترض روحه المتحمسة لكرة القدم، فهو يعشق الساحرة المستديرة، وقد وجد نفسه غير قادر على لعبها مجدداً بسبب الإصابة القوية التي لحقت به.

ويقول بمرارة للجزيرة نت إن شريانا واحداً كان من الممكن أن يعيد مسار حياته، ويضيف "انتظر الأطباء، عمل شريانا واحدا، لمساعدة ساقي، لأكثر من 11 يوماً، كان خلالها الالتهاب قد سرى مفعوله، فقاموا بقطعها كلياً، ومذ ذلك اليوم لم أعرف ممارسة كرة القدم، وهو أمر دمر حياتي".

يتحضر فريق كرة القدم لفاقدي الأطراف لخوض مباريات كأس العالم لأول مرة الجزيرة نت
كاظم (يمين) أثناء التدريب مع الفريق العراقي لكرة القدم (الجزيرة)

أسير المنزل

عاش الشاب البالغ 38 سنة بعد ذلك أسيراً للمنزل، والكآبة والحزن، لكن الحياة تستمر، حسب قوله للجزيرة نت، وبدأ بعد عدة سنوات من إصابته، البحث عن العمل، حتى وجد منشوراً في مواقع التواصل الاجتماعي، يطلب أشخاصا كانوا قد فقدوا أحد اطرافهم، للانضمام إلى فريق جديد لمبتوري الأطراف.

يتحضر فريق كرة القدم لفاقدي الأطراف لخوض مباريات كأس العالم لأول مرة الجزيرة نت
كاظم وزملاؤه أكدوا أن الحياة دبت فيهم من جديد عندما عادوا للملعب (الجزيرة)

يؤكد كاظم أن الحياة عادت إليه من جديد عندما قرأ الإعلان فـ "كنت أكره عكازتي، لأنها تمنعني حتى من حمل طفلي حينما يجري نحوي، اليوم أصبحت سبباً لانضمامي للفريق العراقي والعودة إلى الملاعب".

الفريق العراقي تأهل لكأس العالم بعد سنة واحدة فقط من تأسيسه (الجزيرة)

وهذا الإعلان لم يكن منشوراً وحسب، كان بمثابة دعوة لعودة الأمل مجدداً، لكل من اُرغم على ترك ممارسة هوايته بسبب تفجير أو حرب. وكان المنشور واضحاً من قبل شخص اسمه "محمد النجار" يريد إنشاء فريق كرة قدم، لمبتوري الأطراف، فتنهال عليه سلسلة من الرسائل والاتصالات والطلبات من عشرات الأشخاص، ليتكون فريق كرة قدم رسمي، وفرق لعدة محافظات. وبهذا يصبح أول فريق عراقي لمبتوري الأطراف، وبعد تأسيسه بسنة واحدة يتأهل لكأس العالم.

محمد النجار مؤسس الفريق العراقي لمبتوري الأطراف / الجزيرة
النجار فقد ساقه بعد تطوعه للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (الجزيرة)

رصاصة تسرق الحلم

بدأت الحكاية مع محمد النجار (37 عاماً) حينما فقد ساقه بعد تطوعه للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إذ أصيب برصاصة في ساقه نتجت عنها مضاعفات عرضت حياته للخطر، وأدخلته في غيبوبة لأكثر من شهرين.

يقول النجار "في البدء، لم يعتقدوا أن ترك الساق -على أمل نجاتها- سيحدث كل هذه المضاعفات لي، ومنها توقف الكبد ودخولي في غيبوبة، حتى يئست عائلتي مني، لكن كتب الله لي عمراً جديداً بدون ساق".

تأسس الفريق قبل سنة واحدة، ليتأهل مباشرة لكأس العالم الجزيرة نت
أعمار لاعبي الفريق العراقي تتراوح بين 14 و40 عاما (الجزيرة)

كان النجار قد قرر دراسة الدكتوراه في القانون في بريطانيا، وهذا ما فعله بعد نجاته. ومن تلك البقعة الجغرافية، بدأ بحثه عن شيء يعيد إليه الأمل بشغفه في عالم كرة القدم. ومن خلال بحثه، عرف أن هناك فريقا مختصا بمبتوري الأطراف، وهو بورتسموث، فكتب إليهم، وأراد الانضمام إليه، وهذا ما حدث.

"كان الأمر بمثابة حلم تحقق لي، أعدت شغفي لمكانه، وأصبحت جزءاً من فريق بورتسموث، شاركت وعلى مدار سنوات دراستي في العديد من المباريات، وحاولت وأنا في بريطانيا أن أصنع فريقاً عراقياً، لمعرفتي بشعور أن تترك كرة القدم مجبراً، لكن لم تحن الفرصة إلا عند عودتي إلى بغداد".

الفريق الوطني لكرة قدم فاقدي الأطراف الجزيرة نت
الفريق العراقي يأمل بتحقيق نتائج جيدة في مونديال تركيا (الجزيرة)

تشكيل الفريق الوطني

يبين النجار أن الأمر لم يكن سهلاً، بادئ الأمر، لأنه لم يتمكن من إيجاد الأشخاص المطلوبين، حتى قرر أن يكلف زميلا له، يعمل على صناعة الأطراف الصناعية، لنشر الخبر والبحث عن لاعبين، يومها بدأت تتوالى عليه الطلبات من مختلف الأعمار، والمحافظات، وواصل طموحه.

يضيف النجار "استطعت وبعد اختبارات عديدة للمتقدمين اختيار بعض الأشخاص، وكانوا تقريبا 50 لاعباً سبق وأن مارسوا هذه الهواية، لكن الإرهاب حرمهم من أبسط حقوقهم في هذه البلاد".

ولأكثر من سنة، حاول الفريق، الذي تتراوح أعمار لاعبيه بين 14 و40 عاما، الانخراط في مباريات ودية دولية عديدة، رغم عدم اعتراف وزارة الشباب والرياضة بالفريق بادئ الأمر، لكن حصوله على اعتراف الاتحاد الدولي لكرة قدم مبتوري الأطراف سهل المهمة.

ولم ينضمّ الاتحاد الدولي لكرة قدم مبتوري الأطراف حتى الآن إلى اللجنة البارالمبية الدولية، وليس الأمر في العراق وحده، بل أغلب دول العالم، لكن من المفارقات المثيرة للإعجاب والإشادة أن فريق كرة القدم العراقي تأهل لكأس العالم لمبتوري الأطراف الذي سيقام في تركيا في وقت لاحق هذا العام، بعد سنة من تأسيسه فقط، بعد تأهله في تصفيات جرت في إيران.

يقول النجار "كنت اعتمد على تأجير الملاعب، وشراء الزي الرسمي، بشكل خاص على حسابي، لكن بمرور الوقت وجدت رعاة يحبون مساعدة الفريق في خطواته، وها نحن اليوم نستعد لخوض مباريات كأس العالم في تركيا".

يُذكر أن الفريق الواحد مكون من 7 لاعبين، يلعبون 25 دقيقة، لكل شوط، مع استراحة 5 دقائق. وللعراق اليوم 5 فرق محلية، وهي الرصافة، الكرخ (في بغداد)، الوسط، نينوى، البصرة، حيث أقيمت بطولة خاصة بهم، وانتهت بفوز الكرخ.

رغم فقدان صادق لساقه بسبب انفجار إلا ان شغفه بكرة القدم لم يمنعه من الاستمرار بممارستها الجزيرة نت
رغم فقدان صادق لساقه بسبب انفجار فإن شغفه بكرة القدم لم يمنعه من الاستمرار بممارستها (الجزيرة)

اللعب بقدم واحدة

أما صادق علي (25 عاماً) فقد فقد ساقه، حينما كان يبلغ من العمر 9 سنوات فقط، وكان جالساً أمام منزله حينما انفجرت سيارة مفخخة في حيّهم. ويقول للجزيرة نت إن ساقه قطعت أمامه، ولم يكن لها أي حل سوى البتر الفوري.

يضيف "كنت صغيرا على استيعاب أن ما حدث لي، وأصبحت غير قادر على دخول فريق الناشئين أو الشباب، فاكتفيت باللعب في الزقاق مع جيراني، كنت أعرف كيف ألعب معهم بواسطة عكازي، أقفز بقدم واحدة فقط من أجل اللعب".

بعد أن انضم صادق لفريق كرة القدم الذي تأهل لكأس العالم، يقول للجزيرة نت إن الحياة عادت إليه، وإنه أصبح أكثر تفاؤلاً، وهذا ما أكده رئيس الفريق (النجار) مشيرا إلى أن كثيرا من الاتصالات تلقاها من ذوي اللاعبين يؤكدون له أن أبناءهم أصبحوا أكثر حيوية وحباً للحياة، حيث استطاعوا -وبواسطة كرة القدم- الانتقال إلى رحلة الأمل والنجاح. ويطمح الفريق اليوم لحصد نتائج جيدة في كأس العالم، مع شعور هائل بالحماس حول مشاركتهم الأولى بهذا الحدث العالمي.

المصدر : الجزيرة