هل تنقرض الزراعة؟ الشيخوخة تهدد مزارعي العالم

Chinese woman on rice terraces at Longji, Guilin, China
عوائد الأنشطة الزراعية وصلت إلى 4.3 تريليونات دولار في عام 2021 (غيتي)

تطورت الزراعة عبر التاريخ حتى أصبحت من أهم القطاعات الاقتصادية في العالم، فبالإضافة إلى تلبية احتياجات الإنسان من الغذاء والملابس والمواد الإنشائية، يوفر هذا القطاع فرص عمل تسهم في تحسين مستوى المعيشة للمزارعين وعائلاتهم، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات المحلية والعالمية.

وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن عوائد الأنشطة الزراعية قد وصلت إلى 4.3 تريليونات دولار في عام 2021. وتشمل هذه الأنشطة الزراعة والإنتاج الحيواني والصيد وغيرها من الأنشطة المرتبطة بهذا المجال.

ومع تزايد عدد السكان العالمي، وتغير الظروف المناخية، تزداد أهمية الزراعة في ضمان استدامة الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة، وهو ما يتطلب توفير بيئة مواتية للعمل في الزراعة، ومن ذلك الاهتمام بصحة المزارعين ورفاهيتهم وتشجيع الشباب على الانخراط في هذا القطاع الحيوي.

وعلى الرغم من الاعتماد الشديد على الزراعة، فإن العالم يشهد اليوم تقدما في أعمار المزارعين يثير القلق، إذ تعاني معظم دول العالم من نقص في العمالة الشابة في هذا القطاع الحيوي.

Devon, England Father, son and Grandfather with cows
الزراعة تعتمد اعتمادا كبيرا على الخبرات المتراكمة المتوارثة عبر الأجيال (غيتي)

مجال عمل للشباب والشيوخ

ظلت الزراعة طويلا مجالا يعمل به سكان الريف منذ نعومة أظفارهم وحتى نهاية العمر، ويمتاز العمل الزراعي بأنه متغير من منطقة إلى أخرى ومن محصول إلى آخر ومن موسم إلى موسم.

ويعتمد القطاع اعتمادا كبيرا على الخبرات المتراكمة عبر الأجيال، التي يتعلمها الجيل الجديد من الجيل السابق عن طريق العمل معا قبل أن يتسلم الجيل الجديد مسؤولية الأرض أو المزرعة بالكامل، ومن ثم ينشأ جيل متسلح بخبرات كبيرة موروثة من أجيال عديدة سابقة، بالإضافة إلى الخبرات التي يكونها الجيل الجديد بنفسه والتي سيسلمها أيضا للجيل التالي.

وبعد تقدم آليات الزراعة والحصاد، أصبح من السهل على عدد قليل من الأفراد زراعة مساحات شاسعة من الأراضي. على سبيل المثال، يشير التعداد الكندي لعام 2021 إلى أن متوسط مساحة المزرعة الكندية يتجاوز 800 فدان بقليل، بينما يشير تقرير المزارع والأراضي الزراعية الصادر عن وزارة الزراعة الأميركية إلى أن متوسط مساحة المزرعة في الولايات المتحدة يصل إلى نحو 445 فدانا.

ويقوم على زراعة هذه الأراضي الشاسعة أفراد العائلة المالكة لها في الغالب بالاستعانة بآليات عملاقة والقليل من العمالة الدائمة وبعض العمالة الموسمية.

Portrait of Caucasian senior handsome man shepherd in hat standing outdoor, leaning on stick, looking at side and turning to camera. Old male farmer at his land. Dolly shot. Close up.; Shutterstock ID 1795932946; purchase_order: aljazeera ; job: ; client: ; other:
الإحصاءات والدراسات الحديثة تشير إلى ارتفاع متوسط سن المزارعين إلى قرابة 60 عاما (شترستوك)

شيخوخة الزراعة

وعلى الرغم من الأهمية القصوى للزراعة التي تعد مصدرا للغذاء ورافدا أساسيا من روافد الاقتصاد، تشير الإحصاءات والدراسات الحديثة إلى ارتفاع متوسط سن المزارعين إلى قرابة 60 عاما مع عزوف واضح للشباب عن العمل في هذا المجال الحيوي الذي يمثل المصدر الأساسي للأمن الغذائي عالميا والذي يحتاج إلى زيادة في الأيدي العاملة.

وعلى سبيل المثال، يشير التعداد الأخير لكندا، وهي من أكبر المنتجين الزراعيين في العالم وخاصة في مجالي الحبوب والزيوت، إلى أن متوسط عمر المزارعين الرئيسين (المسؤولين عن إدارة المزارع) وصل إلى 56 عاما، بينما تجاوز متوسط عمر العاملين في المجال الزراعي 41 عاما، وأكثر من ثلث العاملين في المجال عمرهم تجاوز 55 عاما.

أما تعداد الولايات المتحدة لعام 2022 وتقرير المزارع والأراضي الزراعية المشار إليه سابقا فيشير إلى أن متوسط عمر المزارع الأميركي قد ارتفع بمقدار أكثر من عام ليصل إلى 57 عاما و6 أشهر في عام 2017 بالمقارنة بعام 2012 الذي كان المتوسط فيه 56 عاما و4 أشهر.

ويبدو أن ما تشهده قارة أميركا الشمالية، والتي تتركز فيها نسبة كبيرة من الإنتاج الزراعي العالمي، لا يختلف عما تشهده بقية أنحاء العالم، فالتقارير تشير إلى أن متوسط عمر المزارعين عالميا يقترب من 60 عاما.

Market seller showing the vegetables to customer
عزوف الأجيال الحديثة عن العمل بالزراعة يعود إلى أساب عديدة (غيتي)

أسباب وحلول مقترحة

يعود عزوف الأجيال الحديثة عن العمل بالزراعة إلى أسباب عديدة أهمها أن كثيرا من الشباب ينظر إلى الزراعة على أنها مهنة صعبة وقليلة الأجر مع ساعات عمل طويلة وفرص محدودة للنمو والتطور.

ويعد التعليم أيضا من الأسباب، حيث تزايد عدد الشباب الذين يتخرجون في التعليم العالي، ومن ثم يشعرون بأن العمل في الزراعة لا يتماشى مع مؤهلاتهم وطموحاتهم المهنية، كما أدى استمرار نمو المدن وتوفير فرص عمل جديدة إلى جعل الشباب يفضلون الانتقال من المناطق الريفية والبحث عن عمل في المناطق الحضرية.

وعلى الجانب الآخر، تقف العوامل الاقتصادية عائقا أمام دخول الأجيال الجديدة إلى المجال في حال لم يكن مجال العائلة. فعوامل مثل انخفاض أسعار المحاصيل وارتفاع أسعار الأراضي تؤدي إلى صعوبة دخول الشباب مجال الزراعة، خاصة إذا لم يكن لديهم رأس مال كاف وخبرة في الإدارة والتسويق.

ولمجابهة هذا الخطر المهدد للأمن الغذائي العالمي، يجب تبنّي بعض الحلول التي تشجع الأجيال الجديدة على تسلّم المسؤولية من الجيل الحالي، وكذلك تشجيع الشباب من خارج العائلات العاملة بالزراعة على الدخول إلى المجال. وتشمل هذه الحلول تقديم الحكومات برامج توعية بأهمية العمل في الزراعة وتصحيح الآراء السائدة عن عدم جدواه الاقتصادية.

ومن المقترحات أيضا تقديم برامج دعم مادي لرفع مستوى استخدام الآلات والتقنيات في المزارع لجذب نوعيات مختلفة من الوظائف في مجالات التكنولوجيا الحديثة إلى العمل الزراعي، وكذلك برامج تمويل لتمكين الشباب من الحصول على أراض وآليات لإنشاء مزارعهم الخاصة.

وتمثل شيخوخة المزارعين خطرا داهما على الأمن الغذائي العالمي وعلى أحد المصادر الرئيسة للمواد الخام الداخلة في العديد من الصناعات العملاقة، ومن ثم فإن التحرك للحد من هذه المشكلة يجب أن تكون له أولوية قصوى.

المصدر : مواقع إلكترونية