خلايا حيوانية ذاتية التغذية.. رفاهية علمية أم فتح علمي جديد؟

إكساب الخلايا الحيوانية القدرة على إنتاج الغذاء ذاتيا قد يمثل فتحا علميا جديدا، وخاصة مع التطبيق الذي قدمه الفريق البحثي الذي أنجز العمل.

الكثير من الاختراقات العلمية بنيت على أبحاث بدت في بدايتها غير مهمة مثل إنتاج الأنسولين البشري في الخلايا الميكروبية (شترستوك)

يصنف العلماء النباتات دائما في قاعدة السلسلة الغذائية، حيث إنها الكائنات الوحيدة القادرة على إنتاج غذائها ذاتيا. وتنتج هذه الكائنات الغذاء عن طريق عملية معقدة جدا يدخل فيها ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون من الجو والماء والأملاح من التربة، ومركب من خلايا أوراق النبات يسمى اليخضور أو الكلوروفيل.

وينتج كل هذا الغذاء اللازم للنبات من خلال عملية البناء الضوئي. وبسبب هذه العملية يستطيع النبات أن يستقل عن أي مصدر آخر للغذاء.

وتعد النباتات مسؤولة بالكامل تقريبا عن الحياة على كوكب الأرض، حيث تنتج الغذاء ثم تتغذى عليها الحيوانات العاشبة (آكلة العشب)، ثم تتغذى الحيوانات اللاحمة (آكلة اللحم) على الحيوانات آكلة العشب ثم تموت الحيوانات فتتغذى عليها كائنات أبسط محولة أجسامها إلى مواد وعناصر أولية بسيطة تعود للتربة لتسميدها فتنمو عليها نباتات جديدة لتعيد دورة الغذاء من جديد.

تنتج النباتات الغذاء عن طريق عملية معقدة تسمى عملية البناء الضوئي (شترستوك)

كائنات أخرى ذاتية التغذية

تقوم النباتات الراقية بعملية البناء الضوئي بكفاءة عالية تمكنها من إنتاج غذائها وغذاء باقي المخلوقات بشكل مباشر أو غير مباشر. فالأشجار والنخيل والشجيرات والأعشاب والسراخس تحتوي أجسامها على اليخضور، وبالتالي فهي ذاتية التغذية.

لكن لا تتوقف القدرة على إنتاج الغذاء ذاتيا على النباتات الخضراء بل تستطيع بعض الكائنات الحية الأخرى إنتاج غذائها بعملية البناء الضوئي أو بعمليات مشابهة.

على سبيل المثال، تقوم الطحالب الخضراء بإنتاج غذائها ذاتيا مثل النباتات الراقية حيث تحتوي هي الأخرى على اليخضور.

والطحالب الخضراء كائنات مائية وحيدة الخلية أو عديدة الخلايا غير متميزة عضويا وتنتمي لمملكة النبات ويوجد منها 8 آلاف نوع تقريبا أشهرها طحلب سبيروجيرا الذي يكوّن الطبقة الخضراء على أسطح المياه الراكدة.

خلايا حيوانية ذاتية التغذية

تقع الحيوانات بأنواعها المختلفة في مواقع متأخرة في السلسلة الغذائية حيث لا تستطيع تغذية نفسها ذاتيا وتحتاج إلى كائنات أدنى منها في السلسلة لتتغذى عليها. فالغزال يأكل العشب بينما النمر أو الأسد يأكل الغزال. وبالتالي، ففي غياب النباتات تستحيل الحياة.

لكن ماذا لو استطعنا إنتاج خلايا حيوانية ذاتية التغذية تنتج غذاءها ذاتيا عن طريق عملية تشبه البناء الضوئي في النبات أو إضافة هذه الخاصية الفريدة إلى خلايا حيوانية حية؟

الواقع أن هذا ما نجح فيه فريق علمي من مستشفى كلية الطب بجامعة زيانغ الصينية ونشرت نتائج بحثه مؤخرا في دورية "نيتشر" (Nature) المرموقة.

وفي هذه البحث، استطاع العلماء تطوير نظام تمثيل ضوئي نانوي (دقيق الحجم جدا) وإدخاله إلى خلايا مريضة تعاني من خلل يسبب نقص الطاقة المنتجة في الخلايا.

واستطاع النظام الجديد مساعدة الخلايا على تعويض نقص الطاقة عن طريق البناء الضوئي ومد الخلايا بجزء من احتياجاتها مما ساهم في تحسين حالة هذه الخلايا.

لا تتوقف القدرة على إنتاج الغذاء ذاتيا على النباتات الخضراء حيث تستطيع الطحالب الخضراء القيام بذلك (شترستوك)

كيف يعمل نظام التمثيل الضوئي الدقيق؟

استخدم علماء الفريق الصيني جزيئات نانوية متناهية الصغر تسمى "وحدات النانوثيلاكويد" (nanothylakoid units) لإنشاء نظام تمثيل ضوئي يشبه النظام النباتي لكنه مستقل ويمكن التحكم فيه. واستخدم الفريق غشاء من أغشية إحدى الخلايا الحيوانية ليغطي به النظام الجديد للتمويه على الخلية الحية.

وكان الغشاء المستخدم من خلايا "الغضاريف" (chondrocyte) حيث قرر علماء الفريق أن أول تطبيق لاستخدام هذا النظام الجديد هو في علاج خشونة المفاصل التي تنتج عن تآكل الغضاريف مسببة ألما شديدا وصعوبة في تحريك الأطراف.

ويرجع السبب في اختيار العلماء لخلايا الغضاريف إلى أن سبب تآكل الغضاريف والمسبب للخشونة هو أن الخلايا المذكورة تعاني من عجز في كمية الطاقة المنتجة داخل الخلايا مما يحد من قدرتها على أداء عملها وخاصة عملية "البناء" (anabolism). لكن بعد دخول النظام الجديد إلى داخل الخلايا المريضة استطاع تكوين قدر مكمل من الغذاء مد الخلايا بطاقة كافية لأداء عملها مما نتج عنه تحسن في حالة هذه الخلايا وبالتالي حالة الغضروف.

فتح جديد أم رفاهية علمية؟

لا شك أن أول ما يتبادر إلى الذهن حول نقل خاصية من كائن حي إلى آخر أن هذا نوع من قصص الخيال العلمي في المعمل وربما يعد أيضا رفاهية علمية حيث لا يؤدي مباشرة إلى حل مشكلة جسيمة من المشكلات التي تواجه البشر في حياتهم اليومية.

ورغم وجاهة هذا الرأي، فالكثير من الاختراقات العلمية الحديثة بنيت على أبحاث بدت في بدايتها غير مهمة لهذه الدرجة. فالأبحاث في العلوم الأساسية عادة تبدو أقرب للرفاهية أو الخيال العلمي حتى يجد لها العلماء تطبيقات في الصحة أو الغذاء أو الطاقة لم تكن ظاهرة عند القيام بالبحث الأصلي وكذلك كانت مستحيلة بدونه.

تقع الحيوانات بأنواعها المختلفة في مواقع متأخرة في السلسلة الغذائية حيث لا تستطيع إنتاج الغذاء بنفسها (شترستوك)

وهناك مثال شهير على ذلك، حيث عانى مرضى السكري من عدم وجود دواء، ثم عانوا مع الأنسولين المستخلص من بنكرياس الحيوانات الذي كانت كفاءته محدودة حتى ظهر الأنسولين البشري المنتج في خلايا بكتيرية باستخدام التكنولوجيا الحيوية.

وبنيت هذه الآلية الجديدة لإنتاج الأنسولين على أبحاث في العلوم الأساسية بدت للوهلة الأولى كرفاهية علمية أو خيال علمي، حيث عملت مجموعات من العلماء على محاولة نقل جينات صفة معينة من كائن عديد الخلايا إلى كائن وحيد الخلية كالبكتيريا.

ولم يكن الأمر في بدايته مثيرا، ولا يبدو أن له تطبيقا عمليا ضخما، لكن مع الوقت اتضح أنه فتح علمي جديد نتج عنه العديد من الأدوية وآلاف المواد التي تستخدم في المعامل يوميا على مستوى العالم.

إن إكساب الخلايا الحيوانية القدرة على إنتاج الغذاء ذاتيا قد يمثل فتحا علميا جديدا، وخاصة مع التطبيق الذي قدمه الفريق البحثي الذي أنجز العمل، وكذلك قد لا يكون سوى رفاهية علمية وتجربة شيقة قدمها الفريق للمجتمع العلمي.

والوقت فقط سيثبت ذلك حين يجد فريق آخر تطبيقا عمليا للنظام الجديد يحل مشكلة كبيرة بشكل اقتصادي، وإلا سيبقى النظام الجديد مجرد مغامرة فقط لإثبات أن صنع الغذاء في الخلايا الحيوانية ممكن.

المصدر : مواقع إلكترونية