الأشرطة الفموية.. تقنية واعدة في عالم الأدوية

امرأة تتناول الشريط الفموي
الأشرطة الفموية تحظى باهتمام متزايد لأنها تقدم حلولا لعدد من المشاكل مع الأشكال الدوائية الأخرى (مواقع التواصل)

يعتبر تناول الأدوية عن طريق الفم هو الطريق الأكثر تفضيلاً للمرضى لتناول الأدوية مقارنة بكل أشكال توصيل الدواء الأخرى، وقد ساهمت الأبحاث المستمرة في هذا المجال في تطور أشكال الجرعات من الحبوب/الكبسولات التقليدية البسيطة، وصولا إلى الحبوب المتحللة، ومنها مؤخرا إلى تطوير الأشرطة الفموية الرقيقة سريعة الذوبان.

وتحظى الأشرطة الفموية باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة نظرا لما تقدمه من حلول للعديد من المشاكل المترافقة مع الأشكال الدوائية الأخرى على اختلافها، وخصوصاً لدى فئتي الأطفال وكبار السن؛ إذ ما زال الأطفال يرفضون في كثير من الأحيان تناول الأدوية السائلة بسبب طعمها وغيرها من الأسباب، وبالطبع فإن الحقن تمثل هاجس خوف لا يتغلب عليه أغلبهم.

وفي المقابل، فإن فئة كبار السن يواجهون مشكلة مع البلع نظراً لقلة إفراز اللعاب المرتبط بالتقدم بالعمر، وهو ما يجعل تناول حبوب/كبسولات متعددة وكبيرة الحجم في بعض الأحيان تحديا لا يمكن التغاضي عنه في الحياة اليومية.

ويتم تصنيع الشريط الفموي عادة ليكون بحجم طابع بريدي مع القدرة على تصنيعه بأحجام وأشكال مختلفة، وبمجرد وضعه داخل الفم فإنه ومع اختلاطه باللعاب يبدأ بالتحلل ليذوب بشكل كامل خلال مدة زمنية محددة مسبقا لتبدأ بعدها مباشرة عملية الامتصاص إلى الدم.

الأشرطة الفموية سهلة الاستخدام و ترفع من راحة للمريض بصورة لا تتوافر مع أي شكل دوائي آخر
الأبحاث تتواصل لتطوير أشكال الجرعات من الحبوب التقليدية وصولا إلى الأشرطة الفموية سريعة الذوبان (شترستوك)

الأشرطة الفموية.. دقة عالية

يشير الباحثون إلى أنّ هذه التقنية توفر دقة عالية في الجرعة إذا ما قورنت بالأدوية السائلة والتي قد تصل نسبة خطأ الجرعة فيها إلى أربعة أضعاف إذا ما قورنت بالأشكال الدوائية المحددة الجرعة مسبقا. وفي حالة الأشرطة الفموية فإن كل شريط يحتوى على جرعة محددة ويتم تغليفه بشكل منفصل تماما كما هو الحال مع الحبوب/الكبسولات، ولكنها تتفوق على هذين الشكلين الدوائيين بأنها تضمن تجنب أي مشاكل استنشاق أو اختناق من الممكن أن ترافق تناول الأدوية السائلة أو الحبوب.

كما وتضمن هذه التقنية نسبة امتصاص عالية نظراً لغنى البطانة الداخلية للفم ومنطقة تحت اللسان بالأوعية الدموية، وهو ما يساهم في وصول الدواء للدم مباشرة دون عبوره بالجهاز الهضمي، مما يجعل منها حلا ممتازا للمرضى الذين يعانون من الغثيان والقيء، أو مشاكل امتصاص في الأمعاء، ويساعد هذا كذلك في رفع التوافر البيولوجي (Bioavailability) للدواء، وهذا بدوره يخفض الحاجة إلى جرع دوائية أعلى، وبالتالي المساهمة في تقليل الآثار الجانبية للدواء.

ولا يمكن التغاضي عن أن الأشرطة الفموية سهلة الاستخدام وترفع من راحة المريض بصورة لا تتوافر مع أي شكل دوائي آخر؛ فاستهلاكها لا يحتاج لشرب الماء، ومن الممكن التغلب من خلالها على مشكلة الطعم غير المستساغ للأدوية، هذا إلى جانب سهولة نقلها وتخزينها.

ومن زاوية أخرى يشير الباحثون إلى أنه من الممكن لهذه التقنية أن تكون صديقة للبيئة مقارنة بباقي الأدوية التقليدية، وذلك نظرا إلى أنها لا تتطلب تصنيع أجهزة أو أدوات إضافية إلى جانب الدواء مثل الإبر والمحاقن، أو أدوات القياس المختلفة كالملاعق والأكواب المدرجة التي تُصرف مع الأدوية السائلة.

لا زالت متاحة لتحمل جرعاً قليلة من الأدوية ما يحد من استخدامها مع الأدوية التي تتطلب جرعات عالية.
الأشرطة الفموية تتفوق على الحبوب والكبسولات في أنها تضمن تجنب أي مشاكل استنشاق أو اختناق (شترستوك)

طرق تصنيع بسيطة وتحديات كبيرة

تعدّ البوليمرات حجر الأساس في تصنيع هذه الأشرطة، حيث تُذاب في الماء للحصول على محلول يضاف إليه باقي المكونات بالإضافة إلى الجرعة الدوائية المطلوبة، ومن ثمّ يُصبّ هذا المحلول في قوالب تُعرض للحرارة في أفران مخصصة بهدف تجفيفها للحصول على الأشرطة التي تُقص وتغلف حسب المطلوب. وتعد هذه التقنية أكثر طرق تصنيع الأشرطة الفموية شيوعا ويطلق عليها اسم "طريقة صب المذيبات" (Solvent Casting Method).

وتواجه هذه التقنية تحديا كبيرا وهو صعوبة إذابة الأدوية غير القابلة للذوبان في الماء في المحلول الناتج عن البوليمرات، ولذلك يحاول الباحثون إيجاد طرق تصنيع أخرى، وبدؤوا مؤخراً باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لتصنيع هذه الأشرطة.

ومن زاوية أخرى، فإن هذه الأشرطة تتطلب تغليفا خاصاً نظراً لإمكانية ذوبانها إذا تعرضت لمستويات بسيطة من الرطوبة. كما أنها لا تزال متاحة لتحمل جرعا قليلة من الأدوية مما يحد من استخدامها مع الأدوية التي تتطلب جرعات عالية.

والأهم مما سبق جميعاً، أن طرق تصنيع وقياس كفاءة هذه الأشرطة ما زالت غير منصوص عليها في دستور الأدوية الأميركي وغيره من دساتير الأدوية، وتعتبر هذا الدساتير المصدر الأساسي للتعرف على جميع الأدوية المتوافرة وخصائصها وطرق تحضيرها.

ولذلك فإن اعتماد الباحثين على إرشادات الاختبار لقياس ذوبان هذه الأشرطة وفعاليتها وغيرها من الاختبارات الأساسية، يعتمد على التقنيات المنصوص عليها في دساتير الأدوية الخاصة بالأدوية الفموية الأخرى (الحبوب والكبسولات).

حصلت شركة  IntelGenx مؤخراً على موافقة من الوكالة السويدية للمنتجات الطبية (MPA) لإجراء تجربة المرحلة الثانية لدواء المونتيلوكاست (Montelukast) على هيئة شريط فموي لعلاج المصابين بمرض باركنسون في مراحله الأولى والمتوسطة
شركة إنتل جينكس حصلت على موافقة لتجربة دواء مونتيلوكاست بشكل شريط فموي لعلاج مرضى باركنسون (شترستوك)

مستقبل واعد ودراسات مستمرة

يُتوقّع للأشرطة الفموية الدوائية أن تكون أكثر انتشارا في المستقبل القريب في أسواق أميركا الشمالية وأوروبا نظراً لشيوع استخدام تقنية الأشرطة الفموية ووجود اعتياد على استخدامها في مجالات غير دوائية سابقا مثل أشرطة تغيير رائحة الفم، والميلاتونين، والفيتامينات.

ويجدر بالذكر أنه يوجد بالفعل انتشار محدود لبعض الأدوية على هيئة أشرطة فموية في هذه الأسواق، مثل دواء الحساسية والزكام تحت الاسم التجاري "بينادريل" (Benadryl) التابع لشركة فايزر الأميركية، و"غاز إكس" (Gaz-x) لعلاج الغازات والانتفاخات ويتبع لشركة نوفارتس.

وقد قامت إحدى الشركات الكندية هذا العام بطرح أشرطة فموية تحتوى على مادة الـ"ليدوكائين" (Lidocain) التي هي عبارة عن مخدر موضعي، وهو ما يفتح الباب لإمكانية القيام بالإجراءات والعمليات السنِّية دون الحاجة للحقن.

ومن المتوقع أن يبدأ انتشار هذا الشكل الدوائي عموماً نحو الشرق أكثر ما بين عامي 2025 و2028. ووفقاً لتقرير "فورتن بزنس إنسايتس"، فإنه من المتوقع أن يصل حجم سوق الأشرطة الفموية العالمي إلى 16.27 مليار دولار أميركي في عام 2028، وذلك بمعدل نمو سنوي 10.5٪ خلال الفترة من 2021 إلى 2028.

وبهدف توسيع رقعة البحث والدراسات لتشمل خيارات دوائية متعددة، حصلت شركة "إنتل جينكس" مؤخراً على موافقة من الوكالة السويدية للمنتجات الطبية (MPA) لإجراء تجربة المرحلة الثانية لدواء المونتيلوكاست (Montelukast) على هيئة شريط فموي لعلاج المصابين بمرض باركنسون في مراحله الأولى والمتوسطة، ومن المتوقع أن تبدأ التجربة في استقطاب المرضى للمشاركة في الدراسة في الربع الأول من عام 2024.

وعلى صعيد آخر، يشير باحثون في إحدى الجامعات البرتغالية إلى ضرورة توسيع رقعة البحث والتطوير لتشمل أيضاً الأدوية الخاصة بالأمراض والاضطرابات النفسية.

المصدر : الجزيرة