نجيب صعب الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية: بعض الحكومات العربية تتخذ من تغير المناخ حجة لتغطية تقصيرها

يرى نجيب صعب أن هناك توافقا عالميا على أن المناخ يتغير ويشكل خطرا وجوديا على البشر، وأن السبب الرئيسي نشاط الإنسان؛ ولذلك فإن قمة شرم الشيخ هذه السنة وبعدها قمة أبو ظبي ستكون فيهما عدة محاور مهمة.

نجيب صعب درس الهندسة المعمارية والصحافة معا ومارسهما على أعلى مستوى (الجزيرة)

نجيب صعب أحد رواد الإعلام البيئي العربي، درس الهندسة المعمارية والصحافة معا ومارسهما على أعلى مستوى، لكن شغفه بالبيئة في الوطن العربي كان كبيرا؛ فكرّس حياته لها ولا زال من خلال رئاسته تحرير مجلة "البيئة والتنمية"، وعبر دوره بوصفه أمينا عاما للمنتدى العربي للبيئة والتنمية.

قصة مجلة "البيئة والتنمية" التي قاومت أسباب زوال كثير من المجلات، ولا زالت تصدر للعام 26، إذ إنها أحد أهم أيقونات الإعلام البيئي العربي، وبدأت منذ عام 1996 حين ترك صاحبها نجيب صعب هولندا التي كان يعيش فيها حياة هادئة ليعود إلى موطنه لبنان لإصدار تلك المجلة التي أصبحت اليوم مرجعا في مجال البيئة العربية.

عن هذه المجلة والمنتدى العربي للبيئة والتنمية وغيرها من القضايا البيئية العربية يحدثنا نجيب صعب في هذا الحوار:

  • حدثنا عن تحوّلك إلى الكتابة الصحفية وأنت خرّيج هندسة معمارية، هل الكتابة الصحفية تسري في عروقك أم أن ذلك حبّ في بيئة عربية نظيفة؟

لم أتحوَّل إطلاقا من مهنة إلى أخرى، فقد مارست دوما الهندسة المعمارية والصحافة معا في حياتي العملية، ولكن يمكنني القول إن ما حصل كان تحولا معاكسا عند دخولي الجامعة، من الكتابة الصحفية إلى الهندسة المعمارية؛ فوالدي كان كاتبا وشاعرا وناشرا لمجلة أدبية اسمها "البيدر"، صدرت باستمرار بين عامي 1933 و1975، وتوقفت بسبب الحرب اللبنانية.

وفي طفولتي، كنت أقضي معظم أيام العطلة المدرسية برفقة والدي في مكتب مجلة "البيدر" ومطبعتها، وهذا منحني فرصة للوقوف على العمل الصحفي ومتابعة مختلف مراحله، بدءا من اختيار المواضيع، إلى الكتابة والتصحيح والإخراج والطباعة، وصولا إلى مرحلة التوزيع. واكتشف والدي حبي للمهنة ففتح أمامي كل المجالات لتعلّم أسرارها.

وفي عمر 14 سنة بدأت كتابة باب شهري في المجلة يختص بالجيل الجديد، وفي سنّ 15، خلال السنة الأولى من الدراسة الثانوية، تم اختياري محررا لمجلة المدرسة، وعقب تخرجي من الثانوية تم قبولي عضوا في نقابة محرري الصحافة.

وبالموازاة مع دراسة الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية في بيروت كنت أتابع مقررات البكالوريوس في الإعلام، وذلك بإذن خاص من العميد، لأن هذا كان يفوق عدد المواضيع المسموحة خلال الفصل.

وأصدرتُ بين 1973 و1977 مجلة فكرية باسم "وجهة نظر"، استقطبت كتابا كبارا مثل قسطنطين زريق، وهشام شرابي، والشاعر خليل حاوي. كما عملت أثناء الدراسة الجامعية في جريدة "النهار" مراسلا ومحررا، وتابعت بعدها برنامج الماجستير في العلوم السياسية في الجامعة نفسها. حين أتذكر الماضي، أجد أن ما كان يحرّكني دائما هو شغف إحداث تغيير نحو الأفضل في المجتمع، أكان ذلك عن طريق الكتابة أو الهندسة.

رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في احتفال الذكرى الخامسة لتأسيس مجلة البيئة والتنمية عام 2001 (الجزيرة)
  • وكيف كانت بداية حياتك العملية وعلاقتك مع البيئة والعمارة البيئية؟

أول منصب شغلته بعد تخرجي لم يكن في مجال الهندسة المعمارية، بل كنت مسؤولا إعلاميا إقليميا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، حيث عملت متنقلا بين المكتب الإقليمي في بيروت والمقر الرئيسي في نيروبي بين عامي 1977 و1979.

بعدها اخترت تأسيس شركة استشارية في بيروت في تخصص العمارة البيئية سميتها "المهندسون الاستشاريون للشرق الأوسط"، إلى جانب "شركة الشرق الأوسط للإعلام الإنمائي"، التي أصدرت مئات التقارير البيئية والإنمائية لمنظمات دولية.

واستخدمتُ الأرباح الأولية من هاتين الشركتين في إطلاق "مركز الشرق الأوسط للتكنولوجيا الملائمة" المختص في الأبحاث والتدريب في تطبيقات عملية لتقنيات ملائمة للبيئة، خاصة في الأرياف العربية كالزراعة العضوية، وذلك عام 1982.

وبسبب استمرار الحرب الأهلية في لبنان في ثمانينيات القرن الماضي، انتقلت إلى السعودية ثم إلى هولندا مع استمراري في إدارة النشاط الإقليمي لأعمالي في بيروت، كما تابعت خلال كل هذه السنوات أعمالا استشارية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنظمات أخرى.

  • وكيف جاءت فكرة إطلاق مجلة "البيئة والتنمية"؟ وما تقييمكم لمسيرتها بعد مرور نحو 26 عاما؟

عندما كنت مسؤولا إعلاميا في برنامج الأمم المتحدة للبيئة حلمت بإطلاق مبادرة إعلامية تكون حرّة ومؤثرة في الوقت نفسه، وفي التسعينيات كذلك عندما كنت مقيما في هولندا مع زوجتي وأمارس عملي في التصاميم المعمارية لشركات دولية مع استمراري في المهمات الاستشارية في مجال البيئة لصالح الأمم المتحدة مع كتابة مقالات بيئية في صفحة "قضايا" بجريدة "النهار" اللبنانية.

وفي أحد أيام الخريف عام 1994 رسمت تصميما لمجلة باسم "البيئة والتنمية"، ووضعت لها أبوابها، وكتبت تحت اسمها على الغلاف "مجلة التنمية المستدامة في العالم العربي".

في العام التالي حزمنا حقائبنا وعدنا إلى بيروت، حيث تابعت عملي الهندسي خاصة لشركة "جنرال موتورز" الأميركية، ووسعت عمل مكتبي الاستشاري البيئي الذي لم يتوقف. وفي الوقت نفسه، أكملت الاستعدادات لإصدار مجلة البيئة والتنمية مع فريق صغير، وصدر العدد الأول منها في يونيو/حزيران 1996. ولم تتوقف المجلة عن التطوُّر خلال هذه السنوات، مستلهمة أحدث تقنيات الصحافة والإخراج والطباعة، بما فيها أشكال خاصة من الحروف العربية للنصوص والعناوين صممها الخطاط المعروف بهيج العنداري.

المجلة كانت تصدر مطبوعة باستمرار حتى نهاية 2016، وبعدها تحولت إلى مجلة رقمية مع بداية عام 2017. وهدف المجلة كان نشر الوعي البيئي على مستوى الجمهور والحكومات لتعميم سلوك جديد يحترم البيئة ويحفّز متخذي القرار على إقرار سياسات بيئية ملائمة. وعملنا منذ البداية للمحافظة على التوازن في التوجه إلى الجمهور العام والحكومات، مع التركيز على الطلاب، حيث أصدرنا ملحقا شهريا باسم "البيئي الصغير"، وأنتجنا برنامجا أسبوعيا لتلفزيون لبنان باسم "نادي البيئة" استمر عدة مواسم.

وكان في المجلة ملحق شهري مختص بعنوان "كتاب الطبيعة"، اشتمل في كل عدد على تحقيقين مصوَّرين: واحد عالمي والآخر عربي. وجاءتنا تعليقات كثيرة من القراء أنهم تعرَّفوا للمرة الأولى على مواقع طبيعية في بلدانهم نفسها عن طريق تحقيقات المجلة.

"البيئة والتنمية" وزعت في 21 بلدا عربيا إضافة إلى عواصم أوروبية (مواقع إلكترونية)

ومن البرامج التي أطلقتها المجلة "بيئة على الخط"، الذي خصص فريقا لتلقي شكاوى الناس البيئية، وعمل على إيجاد حلول لها مع المسؤولين.

كما أصدرنا جريدة حائط فصلية باسم "الجريدة الخضراء"، وأنشأنا أكثر من 500 ناد بيئي مدرسي، ودربنا آلاف المدرّسين على قواعد التربية البيئية، بناء على دليل عملي أصدرناه بعنوان "البيئة في المدرسة". ونشرنا صفحات بيئية شهرية في أكبر 12 جريدة يومية عربية، ونظمنا محاضرات ومؤتمرات بيئية في كثير من الدول العربية.

المجلّة كانت توزع في 21 بلدا عربيا إضافة إلى لندن وباريس وأثينا، وكان لديها مشتركون من قراء العربية في نحو 100 بلد، وتجاوز توزيعها 36 ألف نسخة شهريا. ورواجها كان سببا في استقطاب كبار المعلنين الذين وجدوا في المجلة الفضاء الملائم لترويج منتجات بيئية أو إيصال حلول صديقة للبيئة إلى الجمهور.

هذا النجاح كان وراء منحي جائزة "العالميون الخمسمئة" من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة عام 2003، وقال مديره التنفيذي آنذاك "من خلال مجلة البيئة والتنمية أطلق نجيب صعب حملة توعية بيئية غير مسبوقة في البلدان العربية، ووضع البيئة بقوة على جدول الأعمال الرسمي والشعبي، وفي هذا حقق أكثر مما قامت به الحكومات".

لكننا اضطررنا إلى التوقف عن طبع المجلة عام 2017 لظروف الصحافة المطبوعة في العالم عامة وأحوال العالم العربي خاصة؛ فالإعلانات تحولت إلى النشر الإلكتروني وهذا واضح في الصحف العالمية الكبرى. حتى في مجلات عريقة مثل "ناشيونال جيوغرافيك" و"إيكونوميست" و"التايمز" بالكاد تجد صفحة واحدة لإشهار تجاري، وهي تعيش من خدمات أخرى. ولم تكن مجلة البيئة والتنمية مختلفة، إذ بدأت مداخيل الإعلانات تتراجع منذ 2012 من 12 صفحة إلى أقل من صفحتين عام 2016.

والسبب الثاني في تراجع المداخيل هو الحروب والنزاعات التي وقعت في كثير من البلدان العربية، مما تسبب في تعطيل عمليات التوزيع في العراق واليمن وليبيا، وهي الدول التي كانت بها مقروئية عالية.

وتبع ذلك انهيار العملة في مصر، أحد أكبر أسواقنا، حيث أصبح سعر المجلة بالجنيه أقل من أن يغطي تكاليف شحنها، ناهيك عن سعر الورق والطباعة فاضطررنا إلى اختيار النشر الإلكتروني بداية من عام 2017 مع المحافظة على كامل أرشيف المجلة منذ صدورها، وهو متاح للجمهور على موقع المجلة. وفضلا عن مواضيع العدد، يجد القارئ على الموقع الإلكتروني للمجلة مقالات رأي وتحقيقات ومختارات يومية لأخبار البيئة العربية والعالمية.

  • نجاح مجلة البيئة والتنمية تكلّل عام 2006 بإطلاق المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، ما أهمية هذا المنبر؟ وكيف أسهم في إسماع صوتها لصناع القرار؟

تمّ إطلاق المنتدى العربي للبيئة والتنمية "أفد" (AFED) في الذكرى العاشرة لتأسيس المجلة عام 2006 خلال مؤتمر إقليمي نظمته في بيروت تحت عنوان "الرأي العام العربي والبيئة". وتوافق المشاركون من جميع الدول العربية على إنشاء المنتدى كمنظمة إقليمية غير حكومية مهمتها دعم السياسات والبرامج البيئية لتنمية العالم العربي.

وبعد فترة، تم تحويل المجلة رسميا إلى المنتدى، وأصبحت تصدر عنه مع احتفاظي بمهام الناشر ورئاسة التحرير. وفي الواقع فإن المجلة أوصلت صوت المنتدى إلى أصحاب القرار، كما أن تقارير المنتدى رفدت المجلة بمزيد من المحتوى العلمي الموثَّق.

ويضمّ المنتدى في عضويته منظمات المجتمع المدني وشركات من القطاع الخاص والجامعات ومراكز الأبحاث، إلى جانب هيئات حكومية بصفة أعضاء مراقبين، وهو تركيب خاص يحصل لأول مرة؛ إذ جرت العادة أن تكون عضوية الهيئات الحكومية كاملة، ويكون الباقون مراقبين.

هذه التركيبة كانت ناجحة، إذ استطاع المنتدى إصدار تقارير مستقلة لا تخضع لضغوط، وإطلاق حوارات مفتوحة في اجتماعاته ومؤتمراته يتحدث فيها الجميع بكل حرية، بمن فيهم الوزراء والمسؤولون الحكوميون.

صعب (يسار) مع مصطفى كمال طلبة خلال الإعلان عن تأسيس المنتدى العربي للبيئة والتنمية (الجزيرة)
  • يصدر أيضا عن المنتدى تقرير سنوي عن وضع البيئة العربية، وهو الوحيد الذي يتطرق لحالة وواقع البيئة في العالم العربي، كيف تقيّمون هذه التجربة وأثرها على السياسات العربية للبيئة؟

المنتج الرئيسي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية الذي يصدره منذ 2008 هو التقرير السنوي عن وضع البيئة العربية، الذي يتولى فريق المجلة تحريره ونشره في كتاب.

هذه التقارير العلمية المستقلة أسهم في إعدادها مئات الباحثين العرب، وأصبحت المرجع الأساسي حول البيئة العربية، مع مساهمتها الواضحة في خطط وبرامج التنمية المستدامة التي وضعتها الحكومات خلال السنوات الأخيرة. ويندر أن تخلو خطة إنمائية عربية حديثة من أجزاء أو أفكار مأخوذة من تقارير المنتدى التي أدخلت مفاهيم لم تكن مطروحة سابقا في المنطقة.

لقد غطت التقارير منذ إطلاقها مواضيع مستقبل البيئة العربية والتغيرات المناخية وإدارة المياه والاقتصاد الأخضر والبصمة البيئية والطاقة المستديمة والأمن الغذائي والاستهلاك المستدام والتنمية المستديمة وتمويلها والتربية البيئية والصحة البيئية، ونعمل حاليا على إعداد تقرير حول أثر فيروس كورونا والحروب على المنطقة العربية.

أهمية تقارير "أفد" أنها علمية ومستقلة، ولا تُصنع لتبقى مركونة على الرفوف بل لتصبح مرجعا لإعداد السياسات البيئية في المنطقة العربية.

المنتج الرئيسي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية منذ 2008 هو التقرير السنوي عن وضع البيئة العربية (مواقع إلكترونية)
  • أنتم حاليا تعدّون من رواد الصحافة البيئية والمدافعين عن البيئة في الوطن العربي، كيف تقيمون أداء الإعلام البيئي وواقع البيئة العربية؟

أسهمت مجلة البيئة والتنمية في تدريب العشرات من الصحفيين في الكتابة البيئية، وذلك من خلال دورات تعليمية أو من خلال الكتابة مع المجلة أو مع الصفحات البيئية المشتركة مع كبريات الصحف العربية.

دخلت البيئة في المحتوى الثابت للإعلام العربي، وتتحول اليوم إلى جزء في أي من صفحات الجريدة وأبوابها، أكان في السياسة أو الاقتصاد أو العلوم أو غيرها من الأبواب. لكن كنت أتمنى لو تسنى الاستمرار في طباعة مجلة عربية مختصة بالبيئة، شبيهة بمجلة "الإيكونوميست" الإنجليزية، التي تعالج السياسة والاجتماع من وجهة اقتصادية.

صحيح أن المواضيع البيئية حاضرة في الصحف العربية، لكن المطلوب اليوم هو تخصيص مساحات للمقالات البيئية العميقة كالتحقيقات والتحليلات ولو مرة واحدة في الشهر. والصفحة التي ما زلنا ننشرها مرتين في الشهر في جريدة "الشرق الأوسط" تقتصر على التحليلات المعمقة.

أما الإعلام التلفزيوني العربي فهو يخصص دائما مقاطع للبيئة مرتبطة بأحداث آنية ومؤتمرات تستضيف فيها معلّقين، وهذا في حد ذاته تطور إيجابي، حيث أصبح للبيئة حيّزها الخاص في الإعلام العربي. لكن معظم وسائل الإعلام تفتقر إلى محررين بيئيين مختصين، مثلما هو في هيئة الإذاعة البريطانية أو صحيفة "غارديان".

المنتدى يضمّ في عضويته منظمات المجتمع المدني وشركات من القطاع الخاص والجامعات ومراكز الأبحاث (الجزيرة)

العمود الوحيد حول البيئة في الصحافة العربية هو الذي بدأت في كتابته منذ عام 1996 في جريدة "الحياة"، وانتقل بعدها إلى "الشرق الأوسط"، وهو مستمر بلا انقطاع من ذلك الوقت، ويظهر من التعليقات التي تصل إلى الجريدة وإلي مباشرة من كبار المسؤولين أن هذا العمود يسهم في وضع البيئة على جدول الأعمال السياسي العربي.

باختصار، إن وضع الإعلام البيئي العربي هو انعكاس لوضع البيئة العربية والإعلام العربي عامة؛ فهناك نجاحات وتقدم في مواقع وتقابل ذلك إخفاقات وتراجع في مواقع أخرى. ومن أبرز إخفاقات الإعلام البيئي العربي افتقاره إلى التحقيقات الاستقصائية التي لا تكتفي بنقل الأخبار، بل تتابع الخطط المعلنة للكشف عن نتائجها وماذا حققت من الوعود وأين فشلت. لكن هذا بشكل عام هو واقع الإعلام العربي ككلّ، فهو يفتقر إلى مفهوم الصحافة الاستقصائية المختصة والحرة.

  • مشاكل البيئة العربية متعددة ومعقّدة، هل تعتقدون أن ندرة المياه هي التحدي الكبير الذي ستواجهه الدول العربية مستقبلا؟

نعم، إذا أردنا اختيار موضوع واحد كأبرز التحديات التي تواجه البيئة العربية فهو ندرة المياه، وهي مشكلة تفاقمت بسبب التغيرات المناخية. والحل قد يكون في اعتماد إدارة رشيدة للموارد المائية وتنميتها، وهذا ممكن جدا إذا توافرت الإرادة وتم تسليم القيادة إلى خبراء عرب مختصين لهم تاريخ من النجاحات، أكان في المنطقة العربية أو خارجها. فهذا الموضوع لا يجوز أن يكون حقل تجارب للهواة، كما يحصل في بعض البلدان.

إذا أردنا اختيار موضوع واحد كأبرز التحديات التي تواجه البيئة العربية فهو ندرة المياه (مواقع إلكترونية)
  • الحديث عن البيئة ومشاكلها يحيلنا دائما لملف التغيرات المناخية الذي أصبح فزاعة. في رأيك، كيف تتعامل الدول العربية مع هذا الملف؟ وما الآثار التي أصبح المواطن العربي يعيشها؟

التعامل مع التغيرات المناخية في الدول العربية يتميز بموقفين متناقضين؛ فبعض الحكومات تتخذ من تغير المناخ حجة لتغطية تقصيرها في إدارة الموارد على نحو رشيد والاستعداد للآثار المحتومة؛ فمشكلة ندرة المياه التي تعاني منها العديد من الدول العربية حاليا تعود إلى التبذير والهدر والقصور في الإدارة قبل أن تكون نتيجة تغير المناخ.

ومن جهة أخرى، ترى بعض الحكومات -حين يناسبها ذلك- أن الحديث عن تغير المناخ مجرد خدعة، وذلك لتبرير سياساتها الإنمائية التي لا تحترم مبدأ الحفاظ على الموارد واستدامتها والحد من التلوث. والحل يكمن أولا في الإقرار بأن التغيرات المناخية تحدث نتيجة التصرفات الإنسانية، وأن من مصلحة الدول العربية الانخراط بجدية في العمل المناخي الدولي، وهكذا فقط تحافظ على حقوقها في توزيع الدعم المادي لمواجهة الآثار.

المناخ يتغير بالفعل وهو ليس فزاعة، وأصبح جزءا من حياتنا اليومية، وإذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية فإن الآتي سيكون أسوأ.

  • تحتضن مصر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل والإمارات في السنة التالية مؤتمري الأمم المتحدة للتغيرات المناخية. ما أهم المحاور التي سيتم التطرق إليها، خاصة في قمة مصر، وما النتائج المرجوة منها؟

هناك توافق عالمي على أن المناخ يتغير ويشكل خطرا وجوديا على البشر، وأن السبب الرئيسي هو نشاط الإنسان؛ ولذلك فإن قمتي شرم الشيخ هذه السنة وبعدها قمة أبو ظبي ستكون فيهما عدة محاور، لكن بعضها سيكون لتمضية الوقت والرفاهية، وذلك بهدف تجنب الالتزامات المطلوبة في الموضوع الأساسي المتعلق بمصادر التمويل وتوزيع الأعباء على المتسببين الكبار في انبعاث الغازات الدفيئة المسببة في ارتفاع الحرارة.

نجيب صعب: على العالم أن يجد حلولا في شرم الشيخ وأبو ظبي تحول الكارثة إلى فرص (الجزيرة)

تخفيض هذا الانبعاث والتحول إلى الطاقات النظيفة عملية مكلفة، فمن يدفع الثمن؟ وكيف يتم توزيع الأعباء؟ وما آلية مساعدة الدول الفقيرة ماديا وتكنولوجيا على التحول في هذا الاتجاه؟ وكيف يمكن تمويل تدابير التأقلم مع التغيرات المناخية؟ هذه الأسئلة مطروحة منذ سنوات وهي بالفعل تقود إلى سؤال واحد: من يدفع الثمن؟

الجديد اليوم هو كيف سيستطيع العالم تخصيص التمويل الكافي في ظل الانهيارات الاقتصادية التي ولدتها جائحة كورونا، وعززتها آثار الحرب الروسية-الأوكرانية، التي أثرت على إمدادات الطاقة والأمن الغذائي.

على العالم أن يجد حلولا في شرم الشيخ وأبو ظبي تحوّل الكارثة إلى فرص، والدول العربية المنتجة للنفط والغاز مؤهلة للعب دور قيادي في هذا المجال لفرض توازن في أسواق الطاقة من جهة واستخدام فائض الدخل من ارتفاع الأسعار في تنويع اقتصاداتها، والتحول إلى بدائل وأنماط تعطيها المناعة لمواجهة تحديات التغيرات المناخية.

المصدر : الجزيرة