بعد أن دمر البشر الموائل وأنواع الحياة الطبيعية.. حركة عالمية لاستعادة عافية الحياة البرية

تساعد الذئاب الرمادية في إعادة نمو النباتات المحلية في المناطق المتدهورة سابقا (بيكسابي)

أدى تغير المناخ وتدخل الإنسان إلى إفساد النظم البيئية، ومن ثم اجتذبت حركة إعادة الحياة البرية اهتمام الكثيرين في العالم، فماذا تعني استعادة الحياة البرية؟ ومتى بدأت؟ وما أبرز مشاريعها؟

في وقت سابق من الشهر الحالي، نشر باحثون بقيادة ويليام جيه ريبل من جامعة ولاية أوريغون (Oregon State University) ورقة بحثية في دورية "بيو ساينس" (BioScience) لمتابعة خطة الرئيس الأميركي جو بايدن باقتراح "شبكة استعادة الحياة البرية في الغرب الأميركي" التي تضم 11 منطقة مملوكة بالفعل للحكومة الفدرالية.

ودعا المؤلفون إلى وقف رعي الماشية في بعض الأراضي الفدرالية، إلى جانب استعادة نوعين أساسيين في الحياة البرية بالمنطقة لدورهما في توازن الأنواع في الطبيعة، هما الذئب الرمادي (gray wolf)، وقندس أميركا الشمالية (North American beaver).

وذكر المؤلفون أن الذئاب والقنادس تتميز بقدرتها على إحداث تأثيرات بيئية واسعة النطاق، فعلى سبيل المثال "من خلال قطع الأشجار والشجيرات وبناء السدود، تثري القنادس موائل الأسماك وتزيد من احتباس الماء والرواسب وتحافظ على تدفق المياه أثناء الجفاف، وتحسن جودة المياه، وتعزز امتصاص الكربون، كما أنها تحسن الموائل بشكل عام للعديد من الأنواع النباتية والحيوانية على ضفاف النهر".

تثري القنادس موائل الأسماك وتزيد من احتباس الماء والرواسب وتحافظ على تدفق المياه أثناء الجفاف (بيكسابي)

وبشكل مشابه "يمكن أن تساعد الذئاب الرمادية في السيطرة الطبيعية على ذوات الحوافر" مما يسمح بإعادة نمو النباتات المحلية في المناطق المتدهورة سابقا.

ووفق تقرير نشر في موقع "يوريك ألرت" (Eurek Alert) فقد كتب الباحثون أن خطة إعادة التوطين ستنتج آثارا متتالية عميقة ويمكن أن تفيد في النهاية "92 نوعا معرضا للانقراض عبر 9 مجموعات تصنيفية: 5 برمائيات، و5 طيور، واثنان من القشريات، و22 من أنواع الأسماك، و 39 نباتا مزهرا، و5 أنواع من الحشرات و11 من الثدييات والزواحف ونوعين من الحلزون".

ماذا تعني استعادة الحياة البرية؟

يعرف نظام استعادة الحياة البرية (Rewilding) بأنه نهج تدريجي لاستعادة عافية الحياة البرية والحفاظ عليها. وقد يشمل ذلك توفير الاتصال بين مناطق الموائل الطبيعية، وحماية أو إعادة إدخال الأنواع النباتية والحيوانية التي كانت تعيش في تلك الموائل بشكل طبيعي.

ومن ثم فإن "استعادة الحياة البرية" هي محاولة لاسترجاع عافية وحيوية الحياة البيئية مع التركيز على تراجع دور البشر، الذين أدى تدخلهم سابقا على مدار عقود إما إلى تدمير الموائل الطبيعية، أو إلى تعرض أنواع نباتية وحيوانية لخطر الانقراض، وبالجملة إلى اختلال التوازن الطبيعي الذي خلقه الله في الطبيعة.

"استعادة الحياة البرية" هي محاولة لاسترجاع عافية وحيوية الحياة البيئية مع التركيز على تراجع دور البشر (بيكسلز)

وتعمل "استعادة الحياة البرية على إعادة دوران عجلة الحياة البرية بما يتوافق مع التوازن الطبيعي المفتقد، وترك الدور لنمط العلاقات السائد سابقا في الطبيعة بين الأنواع، وعدم تدخل الإنسان، وذلك من أجل خلق نظام بيئي مستقر ومستدام ومتوازن وذاتي التنظيم، يعود بالنفع والفائدة على جميع ساكنة كوكبنا من نبات وحيوان وإنسان".

وفي حين أن مبادرات استعادة الحياة البرية يمكن أن تكون مثيرة للجدل لتعارضها ربما مع مصالح البعض باستمرار التدخل في الطبيعة واستغلال مواردها بما يخل بتوازنها، فإن الأمم المتحدة قد أدرجت "استعادة الحياة البرية" كإحدى الطرق اللازمة لتحقيق استعادة واسعة النطاق للنظم البيئية الطبيعية، التي يجب إنجازها بحلول عام 2030، وفقا لما ورد في موقع "ترو نيتشر فاونديشن" (True Nature Foundation).

متى بدأت حركة استعادة الحياة البرية؟

بدأ الاهتمام باستعادة الحياة البرية في العقدين الأولين في القرن الـ21، وإن كان قد سبق هذا الاهتمام العملي نقاشات عامة أثارتها بعض الكتابات في كل من الولايات المتحدة وأوروبا.

وكانت المبادرة المبكرة والرائدة التي قادها نيل أ. هيل Neil A. Hill، عالم البيئة البريطاني، وهو من أوائل المؤيدين للإدارة غير التدخلية للأراضي، ويعزو مؤرخو "إعادة الحياة البرية" الفضل لعمل نيل هيل المنشور بعنوان "مبادرة تحسين المناظر الطبيعية" (Landscape Enhancement Initiative)، وقيامه لاحقا بتولي العمل على حيوان الوشق الأيبيري (Iberian Lynx) وهو ما أدى لتحريك المياه الراكدة وتأسيس العديد من المشاريع الأوروبية.

عمل العالم البريطاني نيل أ. هيل وهو أحد رواد استعادة الحياة البرية على الوشق الأيبيري (بيكسابي)

العالم الأوروبي الآخر الذي كان لعمله أثر في ظهور حركة "استعادة الحياة البرية" هو الهولندي فرانس فيرا Frans Vera، الذي وضع فرضية المراعي الخشبية، والتي تفترض وجود دور أساسي للحيوانات البرية العاشبة في تشكيل المناظر الطبيعية الأوروبية وفي صحة وعافية النظم البيئية الأوروبية في عصور ما قبل التاريخ.

وكان لكتابات وأفكار هؤلاء العلماء وأمثالهم أثرها، حيث تأسس بتاريخ 28 يونيو/ حزيران 2011 برنامج استعادة الحياة البرية في أوروبا  رسميا كمؤسسة مستقلة غير هادفة للربح مسجلة في نيميغن في هولندا، وقد تأسس البرنامج كمنظمة مستقلة تعمل مع العديد من الشركاء على المستوى الأوروبي والوطني والمحلي، وبعد أكثر من 10 سنوات من العمل الملتزم قدمت المنظمة نهجا جديدا ورائدا لاستعادة الطبيعة في 15 موئلا طبيعيا في جميع أنحاء أوروبا.

ومن أبرز النماذج في أوروبا نموذج بريطانيا، حيث تعمل مؤسسة استعادة الحياة البرية في بريطانيا التي تأسست في يوليو/تموز من عام 2015، وهي المنظمة الأولى والوحيدة على مستوى بريطانيا التي تركز على إعادة البناء والفوائد المذهلة التي يمكن أن تجلبها للناس والطبيعة والمناخ، وتقوم المؤسسة بالعمل مع العديد من الشركاء بنشر البحوث والدراسات لإثبات الأثر الإيجابي لاستعادة الحياة البرية، كما تعمل على تغيير العقول وبث الوعي، ووضع إستراتيجيات التغيير، واحتضان مشاريع استعادة الحياة البرية ودعمها.

برنامج استعادة الحياة البرية في أوروبا قدم نهجا جديدا ورائدا لاستعادة الطبيعة في 15 موئلا طبيعيا في أنحاء أوروبا (بيكسلز)

استعادة الحياة البرية حول العالم

وتشمل مشاريع إعادة بناء الحياة البرية حول العالم مبادرة الحفاظ على المنطقة الممتدة من يلوستون إلى يوكون في أميركا الشمالية (المعروفة أيضا باسم Y2Y) والحزام الأخضر الأوروبي، والمشاريع العابرة للحدود، بما في ذلك الموجودة في جنوب أفريقيا التي تمولها مؤسسة حدائق السلام.

كما تشمل مشاريع الحفاظ على المجتمع الطبيعي مثل محميات الحياة البرية في ناميبيا وكينيا، والمشاريع المنظمة حول الاستعادة البيئية بما في ذلك "غوندوانا لينك" (Gondwana Link)، وإعادة نمو الأدغال الأصلية في جنوب غرب أستراليا واستعادة الغابات الاستوائية الجافة والغابات المطيرة في كوستاريكا.

المصدر : مواقع إلكترونية + يوريك ألرت