مخيمات علمية صيفية لأطفال الجزائر.. تبسيط العلوم ميدانيا لإثارة شغف الناشئة

النشاطات العلمية في الصيف تسمح للأطفال باكتشاف رغباتهم وميولهم، ومن ثم لن تواجههم مشكلة لدى اختيار توجهاتهم في المستقبل.

مبادرة "تكمولوجي" تقدم ورشات في الروبوت وفي غيره من مجالات العلوم والتكنولوجيا للأطفال (مواقع التواصل الاجتماعي)

تدوم عطلة الصيف للأطفال الجزائريين المتمدرسين أكثر من 3 أشهر، وهي مدة طويلة عادة ما تدفع الأولياء إلى البحث عن أنشطة وبرامج علمية تسمح لأبنائهم باستغلال وقتهم في تلقي معارف جديدة واكتساب مهارات تخدم مسيرتهم العلمية في المستقبل.

إحياء النشاطات العلمية الميدانية

ومن خلال مجموعة من المبادرات، يتلقى آلاف الأطفال الجزائريين خلال الفترة من شهر يونيو/حزيران حتى شهر سبتمبر/أيلول تدريبا علميا موسعا في إطار مخيمات صيفية، موزعة على تخصصات متعددة، تشمل علوم الفلك والفضاء، وعلوم الروبوت، والذكاء الاصطناعي والبرمجة، وعلوم الأحياء، والكيمياء والتغذية.

وتعدّ هذه الأنشطة العلمية الميدانية الأولى من نوعها منذ انتشار وباء كورونا، فقد أطلقت جمعية سهيل لعلم الفلك وعلوم الفضاء قافلة الطفل العلمية في 20 مايو/أيار الماضي لتصل إلى محطتها السابعة في 24 يونيو/حزيران الماضي في رحلتها التي تجوب فيها بلدات ولاية (محافظة) الأغواط في جنوب الجزائر.

جمعية سهيل أطلقت قافلة الطفل العلمية في الشهر الماضي (مواقع التواصل الاجتماعي)

يقول رئيس الجمعية ريان هشام، في حديث مع الجزيرة نت، عن هذه المبادرة "فكرة إطلاق قافلة الطفل العلمية كانت مشروعا بين جمعيتنا المتخصصة في النشاط العلمي والفلكي وجمعية تورآرت المتخصصة في السمعي البصري، أردنا أن نقدم نشاطا علميا مميزا طويل المدى، أي يستمر طوال العطلة الصيفية التي يكون فيها الطفل متفرغا للنشاط".

ويضيف المتحدث أن القافلة تعمل على إدماج الأطفال في علم الفلك باستخدام الألعاب والألغاز التي تجعل المصطلحات العلمية سهلة الحفظ، وتعزز ثقة الأطفال بأنفسهم وتمرنهم على المنافسة والتحديات، مع تنظيم ورشات ورحلات استكشافية في علم الفلك.

وعن الاهتمام الذي تحظى به هذه الأنشطة العلمية لدى الآباء الجزائريين، يتحدث ريان هشام للجزيرة نت قائلا "القافلة حققت تفاعلا واسعا وأثارت اهتمام شريحة واسعة من الأولياء الذين دمجوا أبناءهم في أنشطتها، وذلك لإمكانية إبراز مواهب الأطفال في مختلف المجالات، حيث يتعدى عدد الأطفال المشاركين في كل قافلة 600 طفل".

طرائق مبتكرة لتقريب الطفل من العلوم

وتحظى كل المبادرات الموجهة لتبسيط العلوم للأطفال في العطلة الصيفية باهتمام الآباء الجزائريين، لا سيما تلك التي تقدمها أكاديمية "تكمولوجي" (Techmology)، التي تعمل في هذا المجال، على غرار المخيم الصيفي للأطفال، الذي يضم مجموعة من الأنشطة العلمية في مجال الروبوتيك، والذكاء الاصطناعي، وعلم الأحياء، والكيمياء، والفيزياء، وأنشطة أخرى في الإنجليزية التقنية، من خلال تعليم الأطفال مختلف المفردات التقنية والعلمية باللغة الإنجليزية لأهميتها في مجال العلوم.

وعن هذه الأنشطة تقول ياسمين حاشي، المسؤولة في الأكاديمية، للجزيرة نت، إن "المخيمات الصيفية مهمة جدا للطفل، ونحن نحاول استغلال الصيف في توسيع معارف الطفل وتطوير مهاراته في المجالات العلمية مثل الروبوت وتطبيقات الهاتف النقال، وتذكيره بالمفاهيم التي درسها في الرياضيات، كالعمليات الحسابية والقوانين المجردة، وتوضيح كيفية استخدامها وتوظيفها في أرض الواقع". وهذه الطريقة، حسب ياسمين، تسمح بإيصال معلومات تقنية تدرس في الجامعات للأطفال بطريقة بسيطة وسلسة.

وتقول هاجر محمد الصغير، المسؤولة في أكاديمية "تكمولوجي"، عن طريقة تقديم علوم الكيمياء وعلم الأحياء للأطفال، في حديثها للجزيرة نت "نقدم أنشطة تطبيقية تمهيدية في 10 دقائق من أجل دفع الأطفال إلى التحمس للاستكشاف أكثر، ثم نجعلهم يقومون بالتجارب واستخلاص النتائج بأنفسهم، والتعرف على المبادئ الأساسية لكل علم، مع الحرص على تقريب الأطفال لما درسوه في المدرسة، أي البرنامج الرسمي، مع إبراز الجانب التطبيقي له، وهكذا يكتسبون الخبرة العلمية".

الأطفال خلال ورشة روبوتيك مع أكاديمية تكمولوجي (مواقع التواصل الاجتماعي)

خيارات علمية غير محدودة

وفي ظل تنوع الأنشطة العلمية الموجهة للأطفال، يرى ريان هشام أن على الآباء منح الحرية لأطفالهم في اختيار نوع النشاط العلمي الذي يرغبون في ممارسته، لكن من المهم جدا أن يلتحق الطفل في الصيف بالأنشطة ليستغل وقته في شيء إيجابي وينخرط في الحياة الجماعية التي تعطي الطفل مكتسبات إيجابية وهادفة تجعل منه مواطنا حيويا في المستقبل وتسهم في إنشاء جيل علمي متمكن.

وتعمل الجمعية على مواصلة السير بالقافلة العلمية لإيصالها إلى عدد أكبر من الأطفال، بخاصة إلى المحرومين منهم والذين يقطنون خارج المدينة، بالإضافة إلى أنشطة أخرى على غرار المخيم الفلكي الصغير الذي يتعلم فيه الأطفال تقنيات الرصد الفلكي، والتصوير الفلكي وكيفية مزج حب الطبيعة والتخييم مع علم الفلك، مع دورات قصيرة في الروبوتيك، والتصوير الفوتوغرافي وهذا من أجل التحضير للمشاركة في مسابقات عدة.

وتقول ياسمين حاشي "قمت بتصميم أطقم علمية لتبسيط العلوم خاصة بالأطفال من 6 إلى 7 سنوات، في مجال الروبوتيك، وهي عبارة عن علب تحتوي عناصر إلكترونية من محركات، وبطاقات إلكترونية والهيكل الميكانيكي للروبوت. الميزة الأساسية لهذه الأطقم هي تدريب الطفل على اكتساب مبادئ الميكانيك والإلكترونيك والبرمجة وليس مجرد التركيب، مع توفير سلسلة فيديوهات توضيحية على اليوتيوب بالعربية، والفرنسية، والإنجليزية لمساعدته في استيعاب الأمور المعقدة".

الصيف فرصة لتبسيط العلوم للأطفال

ويبدو أن الآباء الجزائريين تغيرت نظرتهم كثيرا إلى النشاطات الموجهة للأطفال اليوم، فقد أصبح النشاط العلمي يحظى باهتمام الأولياء، نظرا للشغف الكبير الذي يوليه الأطفال للتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وعلم الفلك والروبوتيك، وهذا ما جعل الآباء مجبرين على مسايرة طموح أطفالهم.

وفي هذا السياق، تقول مريم بن صالح (أم لطفلين) إن "المخيمات الصيفية فرصة لا تعوض، بخاصة بعد فترة الغلق بسبب كورونا، إنها تجعل أطفالنا أكثر انفتاحا على العلوم وأكثر شغفا بها؛ طفلي الذي عمره 7 سنوات يعرف أشياء أكثر مني في العلوم التقنية".

ومن أجل نشر هذا الوعي، تقوم أكاديمية تكمولوجي بتنظيم المعارض في مختلف المناطق، للتقرب من الأولياء لتوعيتهم بأهمية المخيمات الصيفية العلمية وتنظيم أوقات أطفالهم، وذلك ما يسمح للطفل بالبقاء متصلا بما درسه في المدرسة. وعن هذا الأمر، يقول علاء الدين بلمومن للجزيرة نت "سجلت ابني في مخيم علم الفلك لأنه مهووس بهذا العلم، وأنا فخور به وأتمنى أن يحقق طموحه فيه".

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي