اكتشاف أقدم دليل على تقويم حضارة المايا في أحد أهرامات غواتيمالا

قدمت حضارة المايا أمثلة عديدة على منجزاتها في الفلك والزراعة والعمارة والتدوين، فهل كانت تستخدم هذه الحضارة أي تقويم لتتبع الدورات الزمنية؟

الجدارية المكتشفة تُظهر أقدم تقويم استخدمته حضارة المايا القديمة (مواقع التواصل الاجتماعي)

تعدّ حضارة المايا من أقدم الحضارات في تاريخ أميركا الوسطى وثقافتها، وقد استمرت هذه الحضارة مدة تجاوزت 2500 عام، ولذا فإن البعثات الاستكشافية تهتم دوما باستكشاف المناطق التي تحتوي على آثار هذه الحضارة.

جداريات أثرية مهمة

ويعدّ موقع "سان بارتولو" في غواتيمالا أحد هذه المواقع الأثرية المهمة التي اكتُشفت عام 2001؛ فقد كشفت الحفريات الأثرية في هذا الموقع عن عدد من اللوحات الجدارية المهمة التي يعود تاريخها إلى ما بين 400 إلى 200 سنة قبل الميلاد.

وقد جُمِعَت هذه الحفريات الأثرية من بنية أثرية واحدة تتألف من هرم -يعرف باسم "لاس بينتوراس" (Las Pinturas)- له 7 مصاطب والعديد من الهياكل المساعدة، وشملت هذه اللوحات الجدارية المتعددة الألوان أمثلة على كتابات هيروغليفية استخدمتها شعوب المايا القديمة.

غير أن دراسة حديثة نشرت في دورية "ساينس أدفانسز" (Science Advances) في 13 أبريل/نيسان الجاري أشارت إلى أن إحدى هذه الجداريات -المتكونة من قطعتين- تحمل تاريخا هيروغليفيا، وهو ما يعدّ أقدم دليل على التقويم الذي استخدمته حضارة المايا.

ويذكر أن حضارة المايا هدمت هرم "لاس بينتوراس" وبنته 7 مرات في الفترة من عام 400 قبل الميلاد حتى عام 100 بعد الميلاد، الأمر الذي نتج عنه عدد من اللوحات الجدارية التي تعود إلى أزمنة مختلفة. ولذا فقد استخدم العلماء التأريخ بالكربون المشع لتعيين مدى زمني محدد للجدارية المكتشفة، وأظهرت النتائج أن عمر هذه الجدارية يراوح بين 300 إلى 200 سنة قبل الميلاد.

حضارة المايا هدمت هرم "لاس بينتوراس" وبنته 7 مرات (رويترز)

تقويم قديم ومستمر

إن تقويم المايا المُؤَلف من 260 يوما شاع استخدامه في أميركا الوسطى القديمة، إذ حدّد هذا التقويم لكل يوم اسما من بين 20 اسما، وقد استخدمت فيه الرموز التي من بينها "الغزلان" (Deer) والأرقام من 1 إلى 13 لتوصيف هذه الأيام.

وتظهر الجدارية المكتشفة صورة لرأس غزال ورمزا خاصا بحضارة المايا يشير إلى الرقم "7". ويعتقد العلماء أن هذه الصورة الرمزية تشير إلى التقويم الخاص بأحد أيام "روزنامة" (سجل أيام العام) المايا، ومن ثم فقد منحت هذه الجدارية اسم "7 دير" (7 Deer).

ولكن هذا التقويم لم يصمد طوال 1800 عام فقط أثناء عصور المايا التي سبقت احتلال الإسبان لهذه المناطق، بل إنه استمر حتى يومنا هذا؛ فالسكان الأصليون في غواتيمالا وفي جنوب المكسيك ما زالوا يستخدمون هذا التقويم.

ووفقا للتقرير الذي نشره موقع "ساينس نيوز" (Science News)، فإن "استخدام هذا التقويم طوال هذه المدة الزمنية يشهد على استمرارية ثقافة المايا الفكرية"، وذلك طبقا لما أوضحه ديفيد ستيوارت قائد الدراسة من جامعة "تكساس في أوستن" (University of Texas at Austin).

الجدارية تظهر صورة لرأس غزال ورمزا خاصا بحضارة المايا يشير إلى الرقم 7 (رويترز)

حضارة مهتمة بالوقت

غير أن هذا التقويم لا يعدّ الأوحد من نوعه، بل إن حضارة المايا استخدمت 4 تقاويم، وذلك يشير إلى أن هذه الحضارة كانت مهتمة جدا بضبط الوقت، ومن ثم أوجدوا طرائق متقنة لتتبع التوقيت.

ويعرف التقويم المكون من 260 يوما باسم تقويم "تسولكين" (Tzolkʼin)، وقد استخدمته حضارة المايا في التنبؤ وكذلك في الاحتفاظ بالتواريخ الاحتفالية.

ويضيف ستيوارت، في ما صرح به لموقع "لايف ساينس" (Live Science)، أن هذا "التقويم يعدّ الوحيد الذي نجا من الحروب الأهلية التي شهدتها غواتيمالا في الفترة من 1960 إلى 1996".

وفضلا عن ذلك، فقد كانت هناك تقاويم أخرى للمايا من بينها التقويم الشمسي الذي يستمر 365 يوما، والتقويم القمري، وتقويم العَدّ الطويل.
ويذكر مؤلفو الدراسة أن جدارية "7 دير" قد تمثل أقدم دليل معروف حتى الآن على استخدام شعوب المايا لهذا التقويم الديني.

ويشير ستيفن هيوستن، عالم الآثار في "جامعة براون" (Brown University) وغير المشارك في الدراسة، إلى أن "مستوى التعقيد المُصَوَّر في هذه الجداريات يؤكد أن نظام التقويم كان موجودا بالفعل منذ قرون سبقت الوقت الذي رسمت فيه هذه الجداريات".

المصدر : لايف ساينس + مواقع إلكترونية