هيموغلوبين أكثر وكرات دم أكبر.. اكتشاف الكيفية التي مكنت الأسماك العمياء من البقاء

سمكة الكهف العمياء تمتاز بلونها الوردي الشاحب وبمظهرها شبه الشفاف تقريبا (يوريك ألرت)

تتمتع سمكة الكهف العمياء (Blind cavefish) بخصائص تطورية فريدة مثل فقدانها للعيون، كما تمتاز بألوانها الباهتة والتي تعكس الكيفية التي تطورت بها على مدى آلاف السنين في العالم المظلم تحت سطح البحر.

تأقلم مع ندرة الأكسجين

وحديثا، أشارت دراسة بحثية قام بها علماء من جامعة "سينسيناتي" (University of Cincinnati) بالولايات المتحدة -ونشرت في دورية "ساينتيفيك ريبورتس" (Scientific Reports) في 8 مارس/آذار الجاري- أن لهذه الأسماك المذهلة تكوينا فيسيولوجيا مميزا يساعدها على التأقلم في البيئات منخفضة الأكسجين، وهي ظروف كفيلة بأن تفتك بغيرها من أنواع الأسماك الأخرى.

وطبقا للبيان الصحفي الذي نشرته الجامعة تعقيبا على الدراسة، فإن كرات الدم الحمراء الخاصة بسمكة الكهف العمياء تكون أكبر في الحجم مقارنة بالأسماك التي تعيش بالقرب من السطح. كما تنتج المزيد من الهيموغلوبين الذي يساعد الجسم على نقل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بين خلايا وأعضاء السمكة وخياشيمها.

سمكة الكهف العمياء تعيش في الكهوف المظلمة (شترستوك)

وقد أثارت هذه الأسماك الفريدة اهتمام العلماء طيلة 200 عام. وهو ما يشير إليه جوشوا جروس، الأستاذ المساعد في جامعة "سينسيناتي" وقائد الدراسة قائلا "لقد كنت مفتونا بهذه الأسماك لفترة طويلة".

وتعيش هذه الأسماك في كهوف مظلمة. وقد تَبَاعَدَ النوع الذي قام العلماء بفحصه -والذي يعرف باسم سمكة الكهف المكسيكية العمياء من نوع "أستياناكس مكسيكانوس" (Astyanax mexicanus)- تطوريا عن أسماك السطح منذ 20 ألف سنة مضت.

جوانب وسمات مميزة

وتمتاز سمكة الكهف العمياء بلونها الوردي الشاحب وبمظهرها شبه الشفاف تقريبا، مقارنة بنظيراتها فضية اللون التي توجد بالقرب من السطح. كما أن لدى هذه الأسماك شكلا باهتا لتجويف عينٍ ضامرة، وهو ما يختلف عن أقربائها من الأسماك السطحية التي تمتلك عيونا مستديرة وواسعة.

وكما أشار التقرير المنشور على موقع يوريك ألرت (Eurek Alert)، فإنه على الرغم من الاختلافات الشكلية الجلية بين هاتين السمكتين، فإنهما تنتميان إلى نفس النوع. وهو ما يشير إليه جروس قائلا إن "أسماك الكهف والأسماك السطحية تنتميان لنفس النوع، ومن ثم يُمكِنهما التكاثر".

سمكة الكهف العمياء تمتاز بفقدانها للعيون وبألوانها الباهتة (شبكة الأنباء الإنسانية إيرين)

وقد كشف العلماء الكثير عن هذه الأسماك المحيرة على مر السنين، إذ وجدوا أن جمجمة السمكة غير متناظرة، وهو ما قد يعد نوعا من التكيف يساعد السمكة على التجول في عالم خالٍ من أي إشارات بصرية.

كما حددوا الجين المسؤول عن لون السمكة الشاحب، وهو نفس الجين المسؤول عن لون الشعر الأحمر لدى البشر. وقد لاحظ العلماء أن أسماك الكهف تقترب من فرائسها -أو من أي إشارات غير معتادة- مستخدمة الجانب الأيمن من جسمها، بينما تقترب من نظيراتها من الأسماك المألوفة أثناء تواصلهم الاجتماعي مستخدمة الجانب الأيسر. كما أشار العلماء إلى أن هذه الأسماك تنام أقل من الأسماك السطحية.

تباين حجم الخلية

وتعتبر تيارات المياه السطحية مشبعة بالأكسجين، لكن المياه العميقة وخاصة تلك الراكدة في الكهوف -حيث تعيش أسماك الكهف العمياء- تحتوي على نسبة منخفضة من الأكسجين.

وقد قام العلماء في هذه الدراسة بفحص نسبة الهيموغلوبين الموجودة في دم سمكة الكهف وذلك للتعرف على السبب الذي يفسر بقاءها على قيد الحياة رغم انخفاض نسبة الأكسجين في الكهوف العميقة. وقد فحصت الدراسة 3 مجموعات من أسماك الكهف المجموعة من كهوف مكسيكية مختلفة.

ومن المعروف أن هذه الأسماك تتحرك باستمرار، غير أن لديها القليل من الغذاء. فمن أين لها هذه الطاقة التي تبذلها أثناء تنقلها؟

أسماك الكهف تحتوي على نسبة أكبر من الهيموغلوبين مقارنة بالأسماك السطحية (غيتي)

وكشفت الدراسة أن أسماك الكهف تحتوي على نسبة أكبر من الهيموغلوبين مقارنة بالأسماك السطحية، علما بأن كليهما يحتوي على نفس نسبة كرات الدم الحمراء. غير أن كرات الدم الحمراء في سمكة الكهف كانت أكبر حجما.

يقول جروس "إننا لا نعلم الكثير عن الدور الذي يلعبه حجم الخلية في التطور. ولذا، فإن هذا الاكتشاف سيمكننا من فهم الكيفية التي طورت بها الحيوانات قابلية على استيعاب نسبة أكبر من الهيموغلوبين".

ويختتم جروس أن هذه النسبة المرتفعة من الهيموغلوبين "تسمح لسمكة الكهف بالعيش فترة أطول في بيئة منخفضة الأكسجين. غير أنه يتعين عليها بذل مزيد من الجهد للحصول على قدر محدود من الطعام الذي قد يتوافر في هذه الكهوف".

المصدر : مواقع إلكترونية + يوريك ألرت