حصر الاحترار العالمي بحدود 1.5 درجة أصبح مستحيلا.. كيف تواجه الدول أزمة المناخ؟

لم يعد هناك شك في أن متوسط ارتفاع درجة الحرارة على الأرض سيتجاوز 1.5 درجة في المستقبل، فيما يطلق عليه اسم "سيناريو التجاوز".

الصورة الرئيسية: ناسا/ حصر الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة لم يعد ممكنا في الواقع/ استخدام متاح مع ذكر المصدر
حصر الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة لم يعد ممكنا في الواقع (ناسا)

عمليا لم يعد هدف اتفاقية باريس لعام 2015 بحصر الاحترار العالمي في حدود 1.5 درجة ممكنا في الواقع، وعلى الدول العمل على صياغة تعهدات أكثر طموحا وإزالة الكربون من الجو لاختصار مدة التجاوز في المستقبل والعودة إلى هذا السقف.

هذا ما توصلت إليه دراسة جديدة نشرت في دورية "نيتشر غلوبل تشانج" (Nature Climate Change) العلمية بالتزامن مع المؤتمر العالمي للمناخ "كوب 27" (COP27)، الذي يجري حاليا في مدينة شرم الشيخ بمصر.

الصورة1: غيتي/ مع تجاوز الاحترار 1.5 درجة، ستشهد الأرض المزيد من الأحداث المناخية المتطرفة كالجفاف/ استخدام بمقابل
مع تجاوز الاحترار 1.5 درجة، ستشهد الأرض المزيد من الأحداث المناخية المتطرفة (غيتي)

الهدف المهدر

لطالما كان يُنظر إلى ارتفاع متوسط الحرارة بمقدار 1.5 درجة على أنه علامة حاسمة في مكافحة تغير المناخ. فمنذ توقيع اتفاقية باريس في القمة العالمية للمناخ "كوب 21" قبل 7 سنوات، درس العلماء بدقة كيفية تأثير هذا المستوى من الاحترار فوق درجات حرارة ما قبل الصناعة على الأرض.

وأظهرت النماذج والمحاكاة التي قام العلماء ببنائها أنه إذا تجاوزت درجات الحرارة زيادة قدرها 1.5 درجة، فمن المرجح أن تشهد الأرض المزيد من الأحداث المناخية غير المعهودة كموجات الحر الشديد والفيضانات. هذا إلى جانب ذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر، والذي يهدد العديد من المناطق الساحلية المنخفضة، وفقدان كبير للتنوع البيولوجي.

ورغم التعهدات التي قدمتها الدول في قمة المناخ بغلاسغو العام الماضي، فإن خبراء المناخ يؤكدون أنه لم يعد هناك شك في أن متوسط ارتفاع درجة الحرارة على الأرض سيتجاوز 1.5 درجة في المستقبل، فيما يطلق عليه اسم "سيناريو التجاوز". وسيبلغ الارتفاع 1.7 درجة مئوية، وربما أعلى من ذلك، قبل أن يتراجع بحلول نهاية القرن. وأصبح السؤال الآن هو هل يمكننا الحد من هذا التجاوز؟ وكيف يمكننا فعل ذلك؟

الصورة2: غيتي/ إذا لم تخفض انبعاثات الغاز الكربوني، ستستمر فترة التجاوز حتى نهاية القرن/ استخدام بمقابل
إذا لم تخفض انبعاثات الغاز الكربوني ستستمر فترة التجاوز حتى نهاية القرن (غيتي)

مضاعفة التعهدات لتقليص فترة التجاوز

بحسب بيان صحافي نشره موقع "مختبر شمال غرب المحيط الهادي الوطني" "بي إن إن إل" (PNNL) التابع لوزارة الطاقة الأميركية والذي قاد الدراسة الجديدة، فقد قدّم الباحثون إجابة على هذه الأسئلة من خلال نمذجة 27 مسارا مختلفا لخفض الانبعاثات. وتوصل الباحثون إلى أن الدول بحاجة إلى مزيد من العمل من خلال زيادة طموح تعهداتها المناخية، وأنه يتعين البدء في ذلك على الفور وقبل عام 2030.

ووفق الباحثين، فإنه من دون زيادة الالتزامات الدولية لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المدى القريب، يمكن أن تستمر فترة التجاوز حتى نهاية القرن الحالي، لكن اتباع المسار الأكثر طموحا المتمثل في مضاعفة الدول تعهداتها المعلن عنها في قمة غلاسكو، يمكن أن يؤدي إلى تقليص فترة التجاوز إلى نصف قرن فقط. ويمكن أن يكون لذلك تأثير كبير على صحة الإنسان والبيئة.

ويؤكد مؤلفو الدراسة، وفق البيان، أن هذا المسار يتطلب تحولات سريعة في نظام الطاقة العالمي، وتوسيع نطاق التقنيات منخفضة الكربون مثل مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية، فضلا عن احتجاز الكربون وتخزينه.

الصورة3: غيتي/ دعا القادة في مؤتمر بشرم الشيخ، إلى استخدام الغاز باعتباره وقودا انتقاليا ويساعد على تقليص فترة التجاوز/ استخدام بمقابل
دعا القادة في مؤتمر شرم الشيخ إلى استخدام الغاز باعتباره وقودا انتقاليا ويساعد على تقليص فترة التجاوز (غيتي)

الغاز.. يقلص فترة التجاوز أم يزيدها؟

في الأثناء أكدت دراسة علمية أخرى صدرت مؤخرا أن انبعاثات الكربون ما زالت مرتفعة بما يعجّل ببلوغ نقطة اللاعودة قبل نهاية العقد الحالي. وبحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post) الأميركية، فإن مشاريع الغاز الجديدة، التي تم إطلاقها نتيجة أزمة الطاقة العالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ستستنزف 10% من قدرة العالم على تحمل الانبعاثات للبقاء ضمن أهداف الاحترار التي حددتها قمة باريس.

لكن حتى في الوقت الذي يحذر فيه العلماء من المسار الخطير للعالم، دعا القادة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في شرم الشيخ "طوب 27" إلى استخدام الغاز الطبيعي باعتباره "وقودا انتقاليا" من شأنه أن يسهل تحوّل العالم من الطاقة الأحفورية إلى مصادر الطاقة المتجددة، ويسهم بالتالي في تقليص مدة التجاوز.

ويأمل الباحثون أن تساعد الدراسة الجديدة في تسليط الضوء على "الفجوة" بين التعهدات الحالية والهدف الرئيسي المتمثل في بقاء الاحترار دون 1.5 درجة مئوية، رغم أنه لم يعد واقعيا.

فالآن أصبح هناك سبب لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أكثر من أي وقت مضى، من خلال تحديد أهداف أكثر طموحا عبر العمل على الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة وتقنيات احتجاز الكربون وإنجاز تحول سريع في أنظمة الطاقة والبنى التحتية.

المصدر : مواقع إلكترونية