لماذا تموت الدببة مبكرا في حدائق الحيوان؟

"يجدر بحدائق الحيوانات أن تسأل الحيوانات التي لديها ما الذي تفضلون تناوله؟ ما الأطعمة التي ‏تجعلكم في أحسن صحة عافية؟" سيطرت هذه الفكرة على عقل تشارلز روبنز، أستاذ علم أحياء الحيوانات البرية في جامعة ولاية واشنطن ومؤسس المعهد البحثي الوحيد في الولايات المتحدة لدراسة الدببة، عندما اكتشف بمعاونة باحثين من طلاب الدراسات العليا خطأ تصوره عن الدب البني بأنه يأكل أسماك السلمون فقط.

حدث ذلك في دراسة سابقة أجراها مع طلابه في ألاسكا لمراقبة السلوك الغذائي للدببة البنية وهي ‏تأكل السلمون، وكان التصور الشائع حينها أن الدببة الرمادية المخيفة ‏تأكل السلمون وتنام ثم ‏تنهض وتأكل المزيد منه.‏ لكنهم بدلا من ذلك، وجدوها تأكل السلمون، وتتجول وتقضي ساعات في تناول التوت الصغير. ‏‏واكتشف روبنز ومعاونوه أن الدببة البنية تصل لأقصى وزن ممكن عندما تتناول خليطا من البروتين ‏‏والدهون والكربوهيدرات من خلال السلمون والتوت.‏

أغذية غير متوازنة

وعكف روبنز ‏على دراسة العادات الغذائية للدببة لعقود، وبدأ مع مجموعة من طلاب الدراسات العليا لديه في فحص الأغذية ‏غير المتوازنة للدببة في حدائق الحيوانات.

وفي دراسة علمية نشرت في دورية "ساينتفيك رييورتس" (Scientific Reports) عن النظام الغذائي للباندا العملاقة والدببة بمختلف أنواعها، توصل تشارلز إلى أن الدببة مثل البشر تفضل الأغذية التي تمزج بين اللحوم والنباتات، وأنها تحتاج إلى بروتين أقل مما يتم إطعامها به في حدائق الحيوانات.

وأكد روبنز في البيان الصحفي الصادر عن جامعة ولاية واشنطن في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن الدببة ليست آكلة للحوم مثل القطط والكلاب التي تحتاج إلى كمية كبيرة من البروتين، وأشار إلى أن حدائق الحيوانات تطعم جميع أنواع الدببة بكميات كبيرة من البروتين كما لو كانت آكلة لحوم، وأن ذلك يقتلها ببطء ويؤدي إلى نفوقها مبكرا مقارنة بنظيراتها البرية.

وفي تجربتين منفصلتين، قدم الباحثون للدببة العملاقة والدببة الكسلانة في حدائق حيوان مختلفة كميات غير محدودة من أنواع مختلفة من الطعام لرؤية تفضيلاتها، وتم تسجيل عاداتها وتفضيلاتها الغذائية.

التفضيلات الغذائية للدببة

وبالتعاون مع الباحثين من جامعة "تكساس إيه آند إم" (Texas A&M) وحديقة حيوانات ممفيس، أجريت تجارب غذائية على زوج من حيوانات الباندا العملاقة لفحص اختياراتها الغذائية، ووجدت التجارب أن حيوانات الباندا العملاقة فضلت قصب البامبو الغني بالكربوهيدرات على الأوراق الغنية بالبروتين.

وفي بعض الأحيان، كانت الباندا لا تأكل سوى قصب الخيزران فقط بنسبة 98% طوال مارس/آذار. وحلل الباحثون البيانات من 5 حدائق حيوانات صينية لديها باندا عملاقة معمرة ووجدوا أنها تفضل الغذاء الغني بالكربوهيدرات المنخفض البروتين.

وفي تجارب أخرى في حدائق حيوانات كليفلاند وليتل روك وسان دييغو، قُدمت للدببة الكسلانة كميات لا محدودة من الأفوكادو والبطاطا الحلوة المخبوزة، وشرش الحليب (مصل اللبن) والتفاح. واختارت الدببة الكسلانة الأفوكادو الغني بالدهون بنسبة 88% والبطاطا الحلوة بنسبة 12%، وتجاهلت تماما التفاح.

ويثبت ذلك أن الدببة الكسلانة في حدائق الحيوانات تفضل الغذاء الغني بالدهون الذي يحتوي على كميات منخفضة من النشويات، وهو ما يتشابه مع تكوين غذاء مثيلاتها البرية التي تتغذى على حشرات الأرضة والنمل ويرقاتها وبيضها.

ويختلف ذلك كثيرا عن الأغذية العالية الكربوهيدرات التي تتناولها في حديقة الحيوانات، والدببة الكسلانة التي يوجد موطنها في الهند تعيش نحو 17 عاما في حدائق الحيوانات الأميركية، وهو أقل من عمرها في البيئات البرية بنحو 20 عاما، والسبب الأساسي في نفوقها هو سرطان الكبد.

وقد وجد الباحثون نمطا مشابها في الدراسات السابقة للدب القطبي، التي أظهرت أن الدببة القطبية في حدائق الحيوان تتناول عادة أغذية ذات كميات كبيرة من البروتين لكنها تفضل الغذاء الغني بالدهون الذي تتناوله الدببة القطبية البرية إذا أتيحت لها الإمكانية.

والدببة القطبية تموت في حدائق الحيوانات 10 سنوات قبل عمرها في المتوسط وذلك نتيجة أمراض الكلى والكبد، بسبب التهاب هذه الأعضاء الناتج عن سنوات عديدة من الأغذية المتوازنة.

الدببة أدرى بغذائها

وتبين الدراسة الحالية، بجانب الدراسات السابقة، أن الدببة في حدائق الحيوان إذا أتيحت لها القدرة على الاختيار فسوف تفضل الأطعمة التي تماثل أو تشابه غذاء مثيلاتها البرية. ‏

ويفسر الباحثون ذلك بأن الدببة ربما اكتسبت هذه العادات الغذائية لاحقا، الأمر الذي يتيح لها ‏‏الانتشار في عدد كبير من المناطق دون أن تتنافس مع آكلات اللحوم فيها، كما يتيح لها موارد غذائية ‏‏أكثر وأوفر بدلا من الاقتصار على تناول اللحوم عالية البروتين.‏