فريق جامعة بيرزيت الفلسطينية الفائز بمسابقة إعمار مرفأ بيروت يتحدث للجزيرة نت

المعماري في فلسطين يختلف عن أبناء مهنته في أي مكان آخر، فالاحتلال يعطيهم شعورا بالوجود في تحدٍّ لإثبات جدارة الشاب الفلسطيني بالوصول إلى العالمية، والمعاناة اليومية تجعلهم يشعرون بالآخر وتعطيهم شغفا أكبر لتقديم شيء أفضل للناس.

الفائزون (من اليمين) ديالا أندونيا، آلاء أبو عوض، ميس أبو عودة، مجد المالكي في نقابة المهندسين الفلسطينيين (الجزيرة)

لندن – احتفل الفلسطينيون والعرب على وسائل التواصل الاجتماعي بفوز فريق من الشباب المعماريين الفلسطينيين من جامعة بيرزيت بالجائزة الأولى لمسابقة فونيكس الدولية لعام 2021 لإعادة إعمار مرفأ بيروت إثر حادث الانفجار الذي دهمه في أغسطس/آب 2020، وخلف آلاف القتلى والجرحى، ومساحات واسعة من الركام.

المسابقة والتحدي

مسابقة فونيكس (Phoenix) للأفكار الحضرية والعمرانية هي مسابقة دولية تنظمها مؤسسة "آي دار جيروزاليم" (iDar Jerusalem)، وهي منظمة فلسطينية غير هادفة للربح مقرها القدس، أُسّست عام 2012 بمبادرة من أكاديميين ومعماريين فلسطينيين، وترمي إلى معالجة الأفكار العمرانية والحضرية بطرائق مبتكرة بخاصة في ما يتعلق بإعادة إعمار المناطق المنكوبة.

تناولت مسابقة فونيكس للعمارة الدولية إعادة إعمار مرفأ بيروت بعد الانفجار (الجزيرة)

الدورة الحالية من المسابقة طلب فيها من المعماريين التقدم بتصوراتهم لإعادة إعمار مرفأ بيروت، وفاز فيها فريق من جامعة بيرزيت الفلسطينية ليتفوق بذلك على الفريقين الروسي والإيطالي في المراحل الأخيرة، ويستعد الفريق الفلسطيني لتسلم الجائزة في نهاية شهر يوليو/تموز الجاري.

وفي المسابقة تقدم المنافسون بتصورات عمرانية مميزة من متاحف ومبان استثنائية، ولكن ما ميز فريق "ماد آركيتيكتس" (M.A.D Architects) من جامعة بيرزيت لم يكن التصميم الاستثنائي فحسب، بل انطلاق التصميم من صميم معاناة الشعب اللبناني.

ولم يستهدف التصميم حل أزمة الركام وحدها، بل قدم المشروع حلولا لأزمات البطالة والتشرد ونقص الغذاء وإعادة تدوير مخلفات الانفجار، وعرض حلولا مستدامة لمشاكل عميقة من خلال تصميم عمراني.

الجزيرة نت حاورت الفريق الفائز عبر تقنية "زوم" (Zoom)، ويضم المهندسين آلاء أبوعوض، وديالا أندونيا، وميس بني عودة ومجد المالكي لتقديم رؤية متكاملة عن مشروعهم.

التشبيك مع المبادرات اللبنانية

تقول ديالا أندونيا العضوة في الفريق الفائز "أفرز الركام الناجم عن الانفجار مشكلة بيئية حقيقية لمدينة بيروت، والتخلص من هذا الكم الهائل من الركام ليس بالأمر السهل، لذلك كان من الأفضل توظيف إعادة التدوير في إعادة الإعمار".

أما ميس بني عودة فتقول "قرر الفريق البحث عن مبادرات إعادة التدوير الموجودة في الواقع اللبناني للتشبيك معها والاستفادة القصوى من جهودها منذ الانفجار، لذلك تواصلنا مع مبادرة (وي وود بيروت) (We Wood Beirut) -وهي جزء من مبادرة الشبكة الحضرية (Urban Network)- كما قمنا بتقسيم المواد التي يمكن إعادة تدويرها مثل الألمنيوم والزجاج والخشب، وقد جمعت بعض المبادرات الشعبية بلبنان تلك المخلفات بالفعل حتى لا تصير عبئا على الميناء".

وأضافت "يشمل ذلك المواد الخام المحطمة والمتروكة، التي سيعود استغلالها بالنفع على جانب البناء، مع الوضع بالاعتبار أن الانفجار حدث بمواد كيميائية ومن المتوقع أن تكون هناك مواد تلوثت، لذلك في مراحل التنفيذ من المهم انضمام استشاريين للكشف والتدقيق عما إذا كانت هذه المواد صالحة لإعادة التدوير".

ويضيف مجد المالكي "ربطنا بين إعادة التدوير والورش والمدارس المهنية لأن من أهم المشاكل التي يعانيها المجتمع اللبناني البطالة، وعند وضع ذلك في الحسبان في أثناء التصميم كانت هناك رؤية لتصميم مدارس مهنية تساعد على توفير خريجين معنيين بإعادة تدوير تلك المواد وإعادة تصنيعها بشكل فني مختلف".

وقال إن "فكرة إعادة التدوير تأتي بأبعاد اقتصادية واجتماعية مختلفة عن مجرد إعادة بناء على ركام انفجار، ولكن الفكرة هي إعادة بناء النسيج المجتمعي من جديد مع طرح حلول للمشاكل القديمة".

اعتمد التصميم الذي قدمه الفريق على إعادة التدوير باستخدام ما تخلف عن الانفجار (الجزيرة)

تصميم نابع من معاناة اللبنانيين ويشبههم

وصرحت أندونيا "استغرقنا الوقت الأطول في فهم المجتمع اللبناني وفهم التراكمات المعقدة في لبنان، فضلا عن الأبحاث والخرائط والبيانات، واستمعنا إلى قصص أهالي الضحايا حتى يؤهلنا كل ذلك لإبداء رأينا في منظومة معقدة وموقف حساس، وهكذا بدأنا بداية إنسانية جديدة تتطرق إلى مشاكل اللبنانيين وحقهم في الوصول إلى الميناء والاستمتاع به".

وأضافت "نحن الفلسطينيين نتشارك مع اللبنانيين كثيرا من المعاناة ولدينا القدرة على فهم حياتهم وتعقيداتها والكثير من الأشياء التي يمر بها المواطن اللبناني".

وأشار المالكي إلى أن المشروع يأخذ في الاعتبار الاحتياجات الاجتماعية للمدينة، وكلفته الاقتصادية لا تقارن ببقية المشروعات، فهذا المشروع يطرح إعادة تدوير مخلفات الركام التي تتطلب ميزانية بذاتها للتخلص منها، ويوفر آلافا من فرص العمل.

وأوضح أن الوحدات السكنية التي صممت ستوفر الحماية لـ300 ألف مشرد في بيروت وتستخدم في مراحل لاحقة من المشروع كورش محلية لتصنيع مواد إعادة الإعمار وتخطيط الشوارع.

راعى التصميم الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع اللبناني (الجزيرة)

وقال المالكي "عندما طرحنا المشروع طرحنا قيمة ثقافية وزاوية اقتصادية تساعد على الحدّ من البطالة. إذ أضفنا جانبا تعليميا ببناء مدارس تعليم مهني في فراغات المرفأ، كل تلك الإضافات والتطويرات تنشئ فكرا جديدا وتوجها جديدا للمدينة وهذا البعد أهم من الاقتصار على الكلفة الاقتصادية وميزانية الإعمار".

وتضيف أندونيا "يمكن أن تأتي شركة عالمية ضخمة تبني مشروعا عملاقا بالميناء وبسرعة وبأيام معدودة، ولكنّ جزءا من مشروعنا هو بناء خطة يكون اللبنانيون فيها أولوية في التفكير، وهكذا كان هدفنا أن نصمم شيئا للبنانيين ويشبه اللبنانيين".

وأردفت أبو عوض "مشروعنا هو منظومة متكاملة لتأسيس عمالة فنية ماهرة. فعند دراستنا للموضوع وجدنا العديد من اللبنانيين يواجهون صعوبات في الحصول على تعليم جامعي عال، لذا فإذا وفر مشروعنا سكنا لهم، وفرصة تعليم ومن ثم وظيفة وحياة مهنية، فإن كل ذلك يعدّ حلقة متكاملة. هذا العامل هو من يسكن، هو من يتعلم.. حلقة من الاستدامة، وبعد انتهاء مرحلة السكن يمكن للأشخاص أنفسهم أن يعملوا في الإنتاج في ورش مهنية، ونأمل أن يتطور الأمر من اقتصاد محلي محدود إلى اقتصاد عالمي لبيروت".

لم يتلق الفريق أي وعود من بلدية بيروت بتنفيذ تصميمهم أو الاستفادة منه (الجزيرة)

ما بعد التصميم

وشارك الفريق في المسابقة غير أنهم لم يتلقوا أي وعود واضحة من بلدية بيروت بتنفيذ هذا التصميم، ولكن مع الضجة الإعلامية التي صاحبت الفوز بالجائزة، يرى الفريق أن الطرح الذي قدموه طرح عملي، ويحدوهم الأمل أن تتاح الفرصة لتبنّي أفكارهم وضمهم إلى عملية الإشراف على تنفيذ المشروع.

وعبر المالكي عن رغبته في تقديم مزيد من الدعم المماثل لقطاع غزة، قائلا إن هذا النموذج يمكن تطبيقه كمنهجية في الأماكن المدمرة، ونأمل أن نصمم مشروعا مماثلا في غزة، ونتطلع إلى دراسة غزة وأن تكون هناك جهة داعمة لتمويل إعادة إعمارها.

في حين أضافت ميس "لا يمكننا تطبيق مشروعنا ذاته في كل مكان بخاصة في غزة لأن هناك عوامل مختلفة في غزة عنها في بيروت، فهناك خصوصيات لغزة وظروفها يجب وضعها في الاعتبار".

وأضافت "دورنا نحن المعماريين هو الإسهام في التطوير وإعادة الإعمار، طرحت علينا المسابقة مرفأ بيروت ولكننا في الفريق نشعر أن دورنا هو مساعدة الناس في مثل تلك الظروف في غزة، أو في اليمن، أو في المخيمات، هذه الظروف تحفزنا لتوفير فرص جديدة لتغيير سياسات الفراغات في المجتمع نفسه، ويمكننا تطبيق منهجية في التصميم تساعد في المستقبل على إعادة إعمار الأماكن المنكوبة. المعماري في فلسطين يختلف عن أبناء مهنته في أي مكان آخر، فالاحتلال يعطينا شعورا بأننا في تحدٍّ أن نثبت جدارة الشاب الفلسطيني بالوصول إلى العالمية، كما أن المعاناة تجعلنا نشعر بالآخر وتعطينا شغفا أكبر أن نقدم شيئا أفضل للناس".

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي