كيف تخيل مبدعو الخيال العلمي العالم في عام 2049؟

هل نفهم من كل ما رسمه خيال مبدعي الخيال العلمي أن حضارتنا التي تفكر في استعمار كواكب أخرى هي في ذاتها على وشك الانقراض؟

Blade Runner 2049 - source: Warner Bros
الخيال العلمي استقطب كثيرا من الأعمال الإبداعية (وارنر بروس)

يثبت الخيال العلمي أنه ضروري لتخيل المستقبل، ولذلك استقطب كثيرا من الأعمال الإبداعية، من روايات وأفلام ومسلسلات وألعاب الفيديو، وعمل المبدعون على تصور العالم في عام 2049، فكيف يبدو هذا العالم؟

تحت عنوان "مرحبا بكم في عام 2049″، خصصت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية عددا خاصا لاستعراض أحسن الأعمال الفنية التي تخيلت العالم في 30 سنة القادمة، وذلك في مقال مشترك بين أماندين شميت وريمي نويون وبوريس مانينتي وتيري نويزيت.

وينطلق المقال من المقارنة بين فيلم "بليد رانر" (Blade Runner) الذي صدر عام 1982 للمنتج ريدلي سكوت، و"بليد رانر 2049″ (2049 Blade Runner) لمنتحه دنيس فيلنوف، حيث تظهر الروبوتات في الأول آلات حديدية خالية من المشاعر وتخدم صانعها، في حين بدت في الفيلم الثاني جميلة وموهوبة وطيعة إلى حد ما، وتطرح إشكاليات أخلاقية.

blade runner
الروبوتات في فيلم "بليد رانر 2049" جميلة وموهوبة وطيعة وتطرح إشكاليات أخلاقية (مواقع التواصل)

آلات غير عادية

ولعل تطور مشاعر الروبوتات تتجلى في فيلم "إيفا" (Eva)، الذي صدر عام 2011، من إخراج كايك مايو، وتدور أحداثه في عام 2041، عندما عاد البطل المتخصص في برمجة المشاعر إلى وطنه لتصميم روبوت على شكل طفل، وأسبغ عليه مشاعر ابنة أخته المتألقة، لتبدو الآلة متطورة للغاية، حيث يمكنها الاندماج في وحدة الأسرة.

غير أن فيلم "لها" (Her) الذي صدر للمخرج سبايك جونز عام 2013، تجاوز كل هذه التصورات، عندما أصبح البطل مفتونا بسامانثا، وهي فتاة روبوتية ذات صوت مثير، تدعمه في عمله وترافقه افتراضيا إلى الشاطئ، بل وتتكيف مع رغباته كلها.

أما في الرسوم المتحركة "بريفيرانس" (Preference System)، فإن الروبوت المنزلي ميكي رغم احتفاظه بشكل الروبوت التقليدي، فإنه يعمل وحدة تخزين للبيانات وبوصفه عاملا منزليا، إلا أن ذكاءه يجعله يفكر في الثورة على صانعه، لأنه يجد من غير العدل أن يقوم بالعمل بدل البشر.

وفي عام 2016، شكل المسلسل التلفزيوني "ويستورلد" (Westworld) -الذي تدور أحداثه في عام 2053- تطورا لهذا النمط من التفكير، إذ أصبح هذا الروبوت الذي اكتشف قدرته على القتل يسعى للهروب من وضعه ويفاوض مدير البرمجة لإطلاق سراحه.

Carbone & amp Silicium
الروبوتات في فيلم الرسوم المتحركة "كاربون وسيليسيوم" تتمتع بقدرة أكبر على التحمل (مواقع التواصل)

ولعلنا لا ننسى أن الروبوتات تتمتع بقدرة أكبر على التحمل من البشر، كما يظهر في الرسوم المتحركة "كاربون وسيليسيوم" (Carbone & Silicium) الصادر العام الماضي لكاتبه ماتيو بابليت. وتدور أحداثه في عام 2046، إذ يراقب الروبوتان الكوارث البيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي خلقتها البشرية لنفسها.

وبالإضافة إلى الروبوتات، فإن أحد الأحلام المتكررة للخيال العلمي هو تحور السيارات، وغالبا يتم تخيلها على أنها مركبات طائرة تجمع بين سهولة السيارة والحرية التي توفرها الطائرة.

وقدم مقال لوبس عرضا مطولا عن السيارات كما يجسدها الخيال العلمي بعد 30 سنة، سواء من حيث القيادة الذاتية أو قيادة روبوت مجسم، أو من حيث الطيران والتدحرج، أو من حيث الوقود كالكهرباء، أو خلية وقود مستدامة إلى غير ذلك.

RoboCop 2014
فيلم "روبوكوب" صور شرطيا عبارة عن إنسان لديه أجزاء ميكانيكية (مواقع التواصل)

بشر يتحسنون

قبل "الخيال العلمي"، كان الإنسان يحلم دائما بدفع حدود الجسد والإنسانية، كما صور ذلك فيلم "فرانكشتاين" (Frankenstein) لماري شيلي، في وقت مبكر من عام 1923، ومنذ ذلك الوقت بدأ الخيال العلمي يدعو للاستعانة بالجينات والتكنولوجيا لتصور جسم خارق.

وفي عام 1987 صور فيلم "روبوكوب" (RoboCop)  للمخرج بول هرهوفن -الذي تدور أحداثه في عام 2046- شرطيا عبارة عن إنسان لديه أجزاء ميكانيكية، تسمح ذاكرته شبه الإلكترونية بتسجيل كل ما يسمعه ويراه. كما صور فيلم "مورغان" (Morgan) شخصية "مصنوعة" من حمض نووي اصطناعي ممزوج بتقنية النانو، ولديه قدرات فائقة.

وفي لعبة الفيديو "دوس أكس" (Deus Ex) الصادرة عام 2000، وتدور في عام 2052، يتقمص اللاعب شخصية بجسم محسّن بملايين الروبوتات النانوية، غير أن المجلة تعلق على هذه الشخصيات الهجينة بالسؤال: هل يمكن اعتبارها بشرا بعد التدخل في تكوينها وبنيتها؟

وتساءلت المجلة: هل استطاع الخيال العلمي التنبؤ بجائحة كوفيد-19؟ لترد بأن 10 روايات تحدثت عن أشياء تشبه الحالة التي عاشها البشر أثناء الجائحة؛ ففي فيلم "كلونز" (Clones) الصادر عام 2009 للمخرج جوناثان موستو، وتدور أحداثه في عام 2054، يبقى معظم الناس في المنزل على الكراسي، ويعيشون ويخرجون فقط من خلال نسخهم الروبوتية.

وفي فيلم "فيرتوال ريفولوشن" (Virtual Revolution) للمخرج غي روجر دوفيرت، والصادر عام 2016، يتنقل الناس في عام 2047 غالبا في عوالم رقمية تشبه ألعاب الفيديو، ويصبح العالم المادي شبه مهجور.

Sunshine
في فيلم "سن شاين" تجبر البشرية على إعادة إضاءة شمس متقادمة ببضع شحنات ذرية (مواقع التواصل)

تصور النهاية

كيف سيبدو الكوكب في عام 2049؟ رأت لوبس أن الخيال العلمي مليء بقصص "ما بعد نهاية العالم"، التي تتخيل ألف طريقة، ومن أشهر القصص رواية "رافاج" (Ravage) للكاتب رينيه بارجافيل التي تقع في عام 1943، وتتحدث عن مجتمع فائق التقنية يواجه انقطاع التيار الكهربائي.

وقد تناول هذا الموضوع أيضًا فيلم "سن شاين" (Sunshine) للمخرج داني بويل، حيث تُجبر البشرية في عام 2057، على إعادة إضاءة شمس متقادمة ببضع شحنات ذرية، كما تردد أعمال أخرى المخاوف البيئية، عندما تتجمد الأرض تماما بعد تجربة الهندسة الجيولوجية الفاشلة التي ينفذها الإرهابيون الخضر.

وتختم لوبس بالتساؤل: هل نفهم من كل هذا أن حضارتنا التي تفكر في استعمار كواكب أخرى هي ذاتها على وشك الانقراض؟ لتؤكد بسخرية أن عزاءنا سيكون في قراءة ما وصفه بعض كتاب الخيال العلمي من أطلال المعمورة بعد فناء البشرية.

المصدر : لوبس