يوم تسبب المناخ في قتل ثلثي أنواع الحياة في أفريقيا وجزيرة العرب

لم يكن المناخ فقط هو سبب الانقراض الذي حدث في تلك الحقبة، إذ تعرضت منطقة شرق أفريقيا لسلسلة من الأحداث الجيولوجية الكبرى.

بعض الحفريات التي استخدمت في الدراسة (هشام سلام)

كشف فريق بحثي دولي أن الكائنات الحية التي عاشت في منطقتنا العربية وبقية قارة أفريقيا قد واجهت ظروفا شديدة القسوة قبل نحو 30 مليون سنة، أدّت إلى انقراض ثلثيها تقريبا، لكن الأمر كما يبدو لم يتوقف على قارتنا فقط.

فحسب الدراسة، التي نشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز بيولوجي" (Nature communications biology) يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تميزت تلك الحقبة بانخفاض شديد في متوسط درجات الحرارة، إذ توسّعت الصفائح الجليدية وانخفضت مستويات سطح البحر وتحوّلت الغابات إلى أراض عشبية، فأدى ذلك إلى انقراض ما يقرب من ثلثي الكائنات الحية في أوروبا وآسيا في ذلك الوقت.

الباحثون استخدموا تضاريس الأسنان لفحص التغير في الحمية الغذائية لتلك الكائنات (هشام سلام)

على حافة الأوليجوسين

في حديثه مع الجزيرة نت عبر الإيميل يقول هشام سلام، أستاذ الحفريات بجامعة المنصورة والجامعة الأميركية في مدينة القاهرة بمصر وهو الباحث المشارك من الجانب المصري في هذه الدراسة "هذا البحث هو خلاصة أكثر من عقدين من الزمن قمنا فيها بفحص التغير الحادث في البيئة خلال الحقبة الواقعة بين نهاية العصر الأيوسيني وبداية العصر الأوليجوسيني".

عصر الإيوسين (Eocene) يشير إلى حقبة جيولوجية استمرت من 56 إلى 34 مليون سنة مضت، تلاه عصر الأوليجوسين (Oligocene) وهو حقبة جيولوجية امتدت بين 34 مليون سنة و23 مليون سنة مضت.

وكان الباحثون في هذا النطاق قد افترضوا في وقت سابق أنه على الرغم من التغير المناخي القاسي الحادث في ذلك الوقت، فإن قارة أفريقيا تحديدا ربما تكون قد نجت بحكم مرور خط الاستواء بها، إذ يجعلها أكثر القارات حرارة، وبذلك فإنها قد لا تتأثر كثيرا بانخفاض درجات الحرارة العالمي.

كان هذا الافتراض هو السبب من الأساس في التشكيك بوجود انقراض كبير حدث قبل نحو 30 مليون سنة، لأنه مع انخفاض درجات الحرارة كانت الحيوانات المعرضة للخطر ستهاجر جنوبا ناحية خط الاستواء، لكن حسب الدراسة الجديدة، فإن الكائنات في أفريقيا نفسها قد تضررت.

5 أنواع من الحفريات تمت دراستها على مدار عقدين من الزمان (هشام سلام)

شجرة الأنساب

يقول سلام في تصريحة للجزيرة نت "للتوصل إلى تلك النتائج، قمنا بدراسة مجموعات من 5 أنواع من الحفريات لكائنات عاشت في تلك الحقبة، وهي نوعان من القرود (الليمور واللورس)، ونوعان من القوارض (الشذيليات وشيهميات الفك)، وآكلات اللحوم".

وحسب الدراسة، فقد جُمعت البيانات عن مئات الأحافير من مواقع متعددة في قارة أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، ثم عمل الفريق على بناء شجرة الأنساب الخاصة بكل من هذه المجموعات، وتحديد وقت تشعب السلالات الجديدة ووضع نقاط زمنية محددة للظهور الأول والأخير المعروف لكل نوع منها.

شجرة الأنساب هي ببساطة تتبع لنسب كائن حي ما وارتباطه بكائن آخر، وللتقريب يمكن أن نتتبع نسب شخص يدعى أحمد وآخر يدعى علي، إلى عاشر جد على سبيل المثال، ثم نجد أن هذا الجد كان مشتركًا بين أحمد وعلي، هنا نقول إن هناك تفرعا قد حدث عند هذا الجد فأنشأ عائلتين؛ عائلة أحمد وعائلة علي.

ويضيف هشام سلام في تصريحه للجزيرة نت "بعد بناء أشجار الأنساب لكل من هذه المجموعات توصلنا إلى وجود انخفاض كبير في فروع شجرة الأنساب حدث في الفترة الفاصلة بين العصر الأيوسيني وبداية العصر الأوليجوسيني، وهو ما يشير إلى حدوث الانقراض".

من جانب آخر، فإن الدراسة فحصت طبوغرافيا الأسنان الخاصة بهذه الحفريات، أي تضاريسها التي عادة ما تعطي انطباعا عن الحمية الغذائية التي يتبعها الحيوان، وقد وجدت الدراسة تغيرا في أسنان الكائنات التي عاشت في تلك الفترة يبيّن أن حميتها الغذائية أصبحت أقل تعقيدا، وهذا متوقع حينما يكون المناخ بهذه الدرجة من القسوة.

الأنواع الأحفورية اختلفت قبل الانقراض وبعده (هشام سلام)

الحياة تجد طريقًا

ولكن التغير المناخي لم يستمر إلى الأبد، ففي عصر الأوليجوسين ومع قدوم عصر الميوسين (Miocene) -وهو الفترة الجيولوجية التي تليه وتمتد من 23.03 مليون سنة إلى 5.332 ملايين سنة مضت- ازدهرت الحياة وتنوعت مرة أخرى.

وحسب الدراسة، فإن الأنواع الأحفورية التي عادت إلى الظهور لاحقا، بعد حدوث الانقراض الكبير، ليست هي نفسها تلك التي عُثر عليها قبله.

وعادت القوارض والقرود إلى الظهور بعد بضعة ملايين من السنين، لكن أسنانها كانت مختلفة، وذلك يعني أنها كانت أنواعا جديدة لها حمية غذائية مختلفة.

ويشير الفريق إلى أن المناخ لم يكن فقط هو سبب الانقراض الذي حدث في تلك المرحلة، إذ تعرضت منطقة شرق أفريقيا لسلسلة من الأحداث الجيولوجية الكبرى، مثل الانفجارات البركانية الفائقة والفيضانات البازلتية التي غطت مساحات شاسعة، وفي ذلك الوقت أيضا انفصلت شبه الجزيرة العربية عن شرق أفريقيا وفتحت البحر الأحمر وخليج عدن.

ويشبه سلّام في تصريحه للجزيرة نت ما حدث في الفترة الواقعة بين نهاية عصر الأيوسين وبداية الأوليجوسين بأنه "عنق الزجاجة التطوري"، إذ انقرضت معظم السلالات ولكنّ قليلا منها نجا واستطاع التكيف، ثم على مدى ملايين من السنين التالية تنوعت هذه السلالات الباقية؛ إنها طبيعة الحياة.

ويشير أستاذ علم الحفريات إلى أن التغيرات المناخية تضطلع بدور أساسي في تهذيب شجرة الحياة، مضيفًا أن الجنس البشري ليس بمنأى عن هذه الآثار، بخاصة أن كوكبنا حاليًا يمر بفترة احترار، وإذا لم نتدخل للتصرف سريعًا فقد تتكرر الكارثة نفسها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية