مصر مرشحة لاستضافة قمة المناخ 2022.. فما مؤهلاتها؟

يبدو أن مصر، من بين البلدان الأفريقية والعربية التي قطعت مشوارا جيدا في العمل البيئي ومكافحة التغيرات المناخية وهو ما يرشحها بقوة للظفر باحتضان القمة المقبلة

محمية رأس محمد المصرية ضمن القائمة الخضراء لأفضل المحميات في العالم (الصحافة الأجنبية)

كشفت مصادر من داخل أمانة اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية للجزيرة نت أن مصر سوف تحظى بشرف تنظيم الدورة الـ27 من القمة العالمية للتغيرات المناخية والتي تعقد في الفترة من 7 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل 2022.

وسيتم الإعلان عن اسم البلد الفائز بتنظيم هذه الدورة خلال القمة الـ26 (COP26) التي تحتضنها مدينة غلاسكو الأسكتلندية من 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وسوف يكون الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" حاضرا خلال هذه الدورة لاستلام شرف تنظيم القمة الـ27.

وتعقد أمانة اتفاقية الأمم المتحدة للتغيرات المناخية، منذ عام 1995، مؤتمرها السنوي لمتابعة وتقييم أداء الدول في مكافحة التغيرات المناخية واتخاذ الإجراءات اللازمة والتدابير الضرورية التي تساعد على تفعيل وتنشيط العمل البيئي للحد من انبعاث الغازات الدفيئة.

مصر لن تكون أول بلد عربي يستضيف قمة المناخ، فقد سبق للمغرب أن احتضن الدورة السابعة التي أقيمت عام 2001، والدورة الـ22 التي عقدت عام 2016، كما استضافت قطر أيضا الدورة الـ18 التي تم تنظيمها عام 2012.

وتتعزز حظوظ البلدان التي تترشح لاحتضان القمة العالمية للمناخ بمدى تقدم سياساتها في مكافحة التغيرات المناخية من خلال برامج التأقلم مع هذه الظاهرة أو من خلال التخفيف من انبعاث الغازات الدفيئة.

ويبدو أن مصر، من بين البلدان الأفريقية والعربية التي قطعت مشوارا جيدا في العمل البيئي ومكافحة التغيرات المناخية، وهو ما يرشحها بقوة للظفر باحتضان القمة المقبلة.

فحسبما جاء في تقرير على موقع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، فإن مصر التي صادقت على اتفاقية باريس للتغييرات المناخية، التزمت بتخفيض انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكريون بنسبة 20% بحلول عام 2030، ولتحقيق ذلك ستنجز برامج رائدة في قطاعات الطاقة المتجددة، والزراعة والمياه.

محطة بنبان للطاقة الشمسية من أهم وأكبر المشاريع التي أنجزتها مصر في مجال الطاقة الشمسية (وكالة الأنباء الأوروبية)

نحو الطاقات المتجددة والنظيفة

تخطو الحكومة المصرية بطموحات كبيرة للتحول نحو الطاقات المتجددة والنظيفة، حيث تتطلع حسبما جاء في التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة عام 2018 تحت عنوان "آفاق الطاقة المتجددة بمصر" إلى بلوغ نسبة متقدمة جدا في المنطقة من حيث إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة.

فبفضل مخططها في مجال الطاقة ستتمكن مصر من رفع نسبة مساهمة الطاقات المتجددة في الإنتاج العام من الكهرباء إلى 42% بحلول عام 2035، وهو ما سيجعلها تحتل المرتبة الثانية عربيا في استغلال الطاقات المتجددة بعد المغرب التي تتطلع إلى بلوغ نسبة 52% بحلول عام 2030.

وبحسب التقرير فإن مصر ستستفيد أيضا بداية من عام 2025 من الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء حيث من المنتظر أن تسهم هذه الطاقة بنسبة 4% من إجمالي القدرات بحلول عام 2030.

مصر أطلقت مطلع هذا العام برنامجا لتحويل سيارات الأجرة من البنزين إلى الغاز الطبيعي (وكالة الأنباء الأوروبية)

وتعتبر محطة بنبان للطاقة الشمسية من أهم وأكبر المشاريع التي أنجزتها مصر في مجال الطاقة الشمسية وقد بلغت تكلفتها ملياري دولار وحصلت على جائزة البنك الدولي كأكثر مشاريع الطاقة تميزا في العالم.

ومحطة بنبان هي مجموعة من المحطات الشمسية تضم 32 محطة شمسية بقدرة تصل إلى 1465 ميغاواتا وتقع شمال أسوان وقد تم الانطلاق في إنجازها عام 2014، وهي اليوم تقوم بتشغيل حوالي 17 محطة، وفي انتظار تشغيل باقي المحطات عن قريب.

كما أطلقت الحكومة المصرية مطلع هذا العام برنامجا لتحويل سيارات الأجرة من البنزين إلى الغاز الطبيعي المسال، وذلك في إطار الحفاظ على نظافة الهواء وتقليص تكلفة السير.

وحسب ما جاء في وسائل الإعلام المصرية فإن مصر تمكنت هذا العام من تحويل ما يقارب 176 ألف سيارة للعمل بالغاز الطبيعي المسال، والعدد مرشح للارتفاع تدريجيا.

معالجة الصرف وتحلية المياه

وخلال افتتاح الدورة الرابعة لأسبوع القاهرة للمياه كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مصر وضعت إستراتيجية لإدارة الموارد المائية حتى عام 2037 بتكلفة تقديرية تبلغ 50 مليار دولار.

وترتكز هذه الإستراتيجية على عدة محاور رئيسية، منها إنشاء محطات المعالجة الثنائية والثلاثية لاستغلال مياه الصرف الصحي المعالجة في الزراعة، وزيادة عدد محطات تحلية مياه البحر التي أصبحت خيارا ضروريا خاصة أن أزمة سد النهضة لا يعرف لها نهاية بعد.

وقال رئيس فريق بحث في ملوثات الماء بالوكالة الأميركية لحماية البيئة، الدكتور محمد عطية، للجزيرة نت، عبر البريد الإلكتروني، "على مدار العقود السابقة كان ملف جودة المياه من الملفات غير النشطة خاصة في القرى والمناطق المنعزلة، اليوم نحن نتحدث عن شبكة وطنية، وهذا يعتبر طفرة من الضروري دعمها بالاستدامة".

وبخصوص استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة قال عطية "معالجة مياه الصرف لاستخدامها هي من أهم المصادر البديلة لتعويض ندرة المياه في دول العالم، ويتم حاليا ضخ مليارات الدولارات في البحوث العلمية لزيادة كفاءة عمليات تدوير المياه".

وتابع أن "في سنغافورة مثلا يتم توفير 40% من احتياجاتها من الماء من مياه الصرف الصحي المعالجة مباشرة، ولذلك فإن ما تقوم به مصر حاليا متناسق مع التوجهات العالمية، لكن سيتحتم توجيه الجهود من أجل زيادة الوعي لدى الأفراد، وتوفير بيانات عن جودة المياه لكسب ثقة المواطنين".

وبخصوص زيادة محطات تحلية مياه البحر قال عطية "هذا الحل مهم جدا لكن تكلفته باهظة، ومن الأفضل الاعتماد على مياه الصرف الصحي المعالجة لاستغلالها في الزراعة بعد تعديلات بسيطة".

وكانت مصر قد دشنت يوم 27 سبتمبر/أيلول الماضي محطة معالجة مياه الصرف الصحي والصناعي "بحر البقر" التي تعتبر أكبر محطة في العالم بقدرة معالجة ثلاثية تصل إلى 5.6 ملايين متر مكعب في اليوم ستستخدم في سقي حوالي 400 ألف فدان من الأراضي الزراعية.

مصر دشنت مشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان (وكالة الأنباء الأوروبية)

ريادة مرتقبة في الزراعة العضوية

تشير إحصائيات برنامج الأمم المتحدة للتنمية إلى أن التغيرات المناخية في مصر ستتسبب في تراجع محصول القمح بنسبة 15%، والذرة بنسبة 19% بحلول عام 2050.

ولاستباق ذلك، أعلنت الحكومة المصرية عن مشروع استصلاح مليون ونصف المليون فدان، وذلك بالموازاة مع إصدار قانون الزراعة الحيوية الذي يعتبر من أهم القوانين التي صدرت في مصر في مجال الزراعة ومواجهة التغيرات المناخية.

وتشرف على مشروع المليون ونصف المليون فدان، شركة تنمية الريف المصري الجديد التي تخطط لاستصلاح ما يقارب 4 ملايين فدان حسبما جاء على موقع الشركة في شبكة الإنترنت.

وتتطلع مصر من خلال إرساء زراعة عضوية إلى رفع نسبة الأمن الغذائي وتحقيق عائدات مالية معتبرة وأيضا التقليل من نسبة انبعاث الغازات الدفيئة.

وقال رئيس مركز الزراعة الحيوية بجامعة السادات، محمد فتحي سالم، في تصريحات لأحد البرامج الفضائية المصرية "لو زرعنا مليون فدان فقط زراعة عضوية فالعائد سيكون 36 مليار دولار، فدان واحد يعود على صاحبه بمليون جنيه أي 60 ألف دولار".

وأضاف سالم أن قانون الزراعة العضوية، قانون شامل وضخم حيث يتناول عدة جوانب ليس فقط المحاصيل الزراعية بل أيضا فيما يخص تربية المواشي والدواجن والأسماك.

كما تناول القانون ولائحته التنفيذية كيف يتم إنتاج الأسمدة العضوية من المخلفات الحيوانية والنباتية بالطرق العلمية المعمول بها عالميا وأيضا تسهيل الإجراءات لإنتاج المنتوجات العضوية وتسويقها.

في حماية التنوع البيولوجي

تعتبر مصر من الدول العربية الرائدة في مجال حماية التنوع البيولوجي البري والبحري بفضل محمياتها الطبيعية التي تغطي مساحات معتبرة، وهو ما مكّنها من احتضان المؤتمر الدولي الـ14 للتنوع البيولوجي في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018 بشرم الشيخ.

وقال الخبير الدولي في التنوع البيولوجي، الأردني إيهاب عيد في تصريح للجزيرة نت، عبر البريد الإلكتروني، إن مصر قطعت مشوارا متقدما في مجال إدارة المحميات الطبيعية والحفاظ على تنوعها الحيوي الذي وصل عددها إلى 50 محمية برية وبحرية تغطي مساحة تقارب 15% من مساحة مصر، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بأهداف "أيشي" (Aichi) التي تدعو إلى حماية 17% من المساحة البرية.

وأضاف عيد أن مصر لديها العديد من برامج المراقبة والأبحاث لرصد التنوع الحيوي والأنظمة البيئية وإشراكها الفعال لمنظمات المجتمع المدني للمساهمة في جهود الحماية وبرامج السياحة البيئية.

وبفضل حسن تسييرها للمحميات الطبيعية البرية والبحرية، أدرج الاتحاد الدولي لصون الطبيعة عام 2018 موقعين مصريين ضمن القائمة الخضراء لأحسن المحميات في العالم، ويتعلق الأمر بمحمية رأس محمد البحرية قرب شرم الشيخ بجنوب سيناء، ووادي الحيتان وهو جزء من محمية وادي الريان التي تقع قرب محافظة الفيوم جنوب غرب العاصمة المصرية.

ويدرج الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، المحميات البحرية والبرية ضمن قائمته الخضراء التي تبلغ حاليا حوالي 50 موقعا على المستوى العالمي إذا استوفت الشروط المتعلقة بجودة التسيير والمراقبة والمتابعة الجيدة لتطور التنوع الحيوي بها.

وتعتبر محمية رأس محمد التي تقع في جنوب سيناء من أقدم المحميات في مصر حيث تم إعلانها محمية طبيعية عام 1938، وهي تعتبر من أروع المحميات في العالم لما تحتويه من أنواع حيوية نادرة يقصدها العديد من السياح حيث تدر الكثير من الأرباح.

وادي الحيتان من أهم مناطق الحفريات الجيولوجية التي يرجع تاريخها إلى 4 ملايين عام (رويترز)

ويعتبر وادي الحيتان من أهم مناطق الحفريات الجيولوجية التي يرجع تاريخها إلى 4 ملايين عام، حيث تحتوي على آثار أحياء مائية تعود لملايين السنين، وهي تدار بطريقة فعالة وجيدة وتستقطب إليها سنويا آلاف السياح.

وفي هذا الإنجاز قال الدكتور محمد سعيد عبد الوارث، نقطة الاتصال الوطنية لاتفاقية برشلونة في مصر "على ساحل المتوسط الذي يمتد لأكثر من 100 كيلومتر تم إعلان 5 محميات بحرية ممثلة في البردويل، وأشتوم الجميل، والبرلس، والعميد، ومحمية السلوم. ونظرا لوقوع ساحل المتوسط المصري على مسارات هجرة الطيور فقد تم تصنيف بحيرتي البردويل والبرلس كمناطق مسار ذات أهمية دولية للطيور المائية المهاجرة".

وأضاف أن مصر لديها العديد من برامج حماية الأنواع البيولوجية البحرية وبروتوكولات المحميات البحرية وخطط للأنواع المهددة بالانقراض، وخطة إدارة الأنواع كالسلاحف البحرية وخطة إدارة الأنواع غير الأصلية وغيرها من الخطط والبرامج التي ترمي إلى حماية البيئة البحرية.

كما أوضح أن التحديات التي تواجهها مصر في الحفاظ على سلامة بيئتها البحرية هي مكافحة التلوث بكل أشكاله والقضاء على الصيد الجائر والمفرط والتوسع العمراني في السواحل.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية