أكسوم المنسية.. العثور على مدينة تاريخية مفقودة لمملكة النجاشي

أطلال مملكة أكسوم التي استمرت من القرن الأول إلى التاسع بعد الميلاد (ويكيميديا)
أطلال مملكة أكسوم التي استمرت من القرن الأول إلى التاسع بعد الميلاد (ويكيميديا)

طارق قابيل

اكتشف علماء الآثار مدينة قديمة مفقودة من إحدى الحضارات الكبرى في شمالي إثيوبيا، وكانت المدينة المكتشفة جزءا من حضارة مملكة أكسوم الأسطورية التي سيطرت على شرقي أفريقيا لقرون.

كانت أكسوم تعرف سابقا باسم الحبشة، وكان مقرها على سفح جبال عدوة شرق إقليم تيغراي الإثيوبي، ويقع هذا المجتمع المزدهر على طول الحافة الجنوبية للبحر الأحمر، وكان له دور رئيسي في التجارة بين الإمبراطورية الرومانية والهند القديمة.

كانت أكسوم أول دولة أفريقية جنوب الصحراء تسبك عملاتها المعدنية وأول دولة تتبنى المسيحية في القرن الرابع بعد الميلاد، وكانت تسيطر على أراضي إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي والصومال وجزء من شبه الجزيرة العربية، لكننا ما زلنا لا نعرف عنها إلا القليل.

مملكة أكسوم
بحسب دراسة جديدة منشورة بدورية "أنتيكوتي" يوم 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري فإن إمبراطورية أكسوم كانت قائمة في الفترة بين القرنين الأول والتاسع بعد الميلاد، إلى جانب الإمبراطورية الرومانية والفارسية والصينية.

تأسست مملكة أكسوم عام 325 قبل الميلاد بقيادة السلالة السليمانية التي ترجع -حسب بعض الأساطير- إلى الملك سليمان وملكة سبأ.

‪موقع أكسوم شرقي أفريقيا وجنوب غرب البحر الأحمر‬  (دورية
‪موقع أكسوم شرقي أفريقيا وجنوب غرب البحر الأحمر‬ (دورية "أنتيكوتي")

وكانت أكسوم مقر الكنيسة الحبشية، كما كانت مقر النجاشي، الذي أكرم وفادة المسلمين وقت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وفي عام 1980 اعتبرت اليونسكو بقايا المدينة القديمة أحد مواقع التراث الإنساني.

بيتا ساماتي
اكتشف علماء الآثار أحد أهم المواقع في أكسوم حتى الآن، وهو مركز تجاري وديني مزدحم، مدفون بين العاصمة والبحر الأحمر، في منطقة تسمى يها، ويمكن أن تساعد بقايا هذه المستوطنة المسماة بيتا ساماتي، التي تعني "بيت الجمهور" باللغة التيغرينية المحلية، على الكشف عن بعض الألغاز المحيطة بصعود وسقوط هذه الإمبراطورية الأفريقية القديمة.

وفي تصريحه لصحيفة "نيو ساينتست" قال عالم الآثار مايكل هارور من جامعة جونز هوبكنز "هذه واحدة من أهم الحضارات القديمة، لكن الناس في العالم الغربي لا يعرفون ذلك". وأضاف "خارج مصر والسودان، هذا أول مجتمع معقد أو حضارة كبرى في أفريقيا".

في السبعينيات من القرن الماضي، تم مسح العديد من المواقع المهمة من حضارة أكسوم قرب يها، وتركت المناطق المحيطة بها بالكامل دون استكشاف حتى عام 2011، عندما أبلغ السكان المحليون علماء الآثار باكتشاف آثار قديمة، ووجدوا في النهاية مستوطنة بيتا ساماتي القديمة مختبئة على عمق أكثر من ثلاثة أمتار تحت سطح الأرض.

ووفقا للعلماء كانت بيتا ساماتي مدينة تجارية ومركزا دينيا مكتظا بالسكان، وأسفرت أربعة مواسم للتنقيب بين عامي 2011 و2016 عن نتائج تشير إلى أن هذه المدينة القديمة كانت مسكونة منذ حوالي 1400 عام ولعبت دورا مهما في الهيكل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي للمنطقة.

بحوث مستقبلية
في حين أن هناك حاجة لمزيد من البحوث في الموقع الجديد، فإن النتائج الأولية تتحدى الفكرة الشائعة حول الإمبراطورية القديمة، حيث كان يعتقد أن المجتمعات في هذه المنطقة قد انهارت، ولم تترك سوى "مستوطنات ريفية صغيرة" وراءها.

‪خاتم من سبائك النحاس مغطى بورق الذهب يتوسطه حجر من العقيق مرسوم عليه رأس ثور‬ (دورية
‪خاتم من سبائك النحاس مغطى بورق الذهب يتوسطه حجر من العقيق مرسوم عليه رأس ثور‬ (دورية "أنتيكوتي")

لكن علماء الآثار يعتقدون الآن أن هناك استمرارية أكبر بكثير، وكتب الباحثون "يوضح عملنا أن بيتا ساماتي كانت مستوطنة كبيرة ذات كثافة سكانية عالية تقع على بعد 6.5 كيلومترات (90 دقيقة سيرا على الأقدام) شمال شرق مدينة يها، مركز السلطة السياسية لأقرب منطقة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (ما قبل أكسوميت)".

وجد الخبراء العديد من المباني الحجرية، والنقود المعدنية، والنقوش، وخاتم ذهب منقوشا من قاعة العرش يظهر التأثيرات الرومانية، وكاتدرائية بنيت خلال القرن الرابع الميلادي، وفقا لتاريخ الكربون المشع.

وكتب الباحثون "الأبحاث المستقبلية في الموقع لديها القدرة على توضيح مجموعة من المواضيع، بما في ذلك صعود واحدة من أولى السياسات المعقدة في أفريقيا، وتطوير الروابط التجارية في أكسوم، والتحول من الشرك إلى المسيحية، والانحدار النهائي لإمبراطورية أكسوم".

المصدر : الجزيرة