في العمق

الفن والسياسة.. أيهما يحتاج الآخر؟

تناول برنامج “في العمق” العلاقة بين الفن والسياسة في العالم العربي، ومدى حاجة الأنظمة السياسية للفن في استقطاب الجماهير والسيطرة عليها.

قال أستاذ العلوم الاجتماعية بمعهد الدوحة للدراسات إسماعيل ناشف إن "العلاقة بين القصة التي يقدمها الفن للمجتمع والسياسة تتغير بناء على النظام الاجتماعي؛ ففي فترات كان الفن تابعا للسياسة، وفي فترات أخرى كان له هامش أكبر من حرية الحركة، ولكن يمكن القول إن الفن يتبع السياسة، كما أن السياسة تتبع الفن بصورة أو بأخرى".

وأضاف خلال مشاركته في حلقة (25/7/2016) من برنامج "في العمق" التي تناولت العلاقة بين الفن والسياسة، أن الفن في العادة يناقش بعض القضايا الوجودية في المجتمع مثل الموت والجمال والخير والشر بصورة غير مباشرة، بينما يحاول السياسي وضع حلول مباشرة لها.

وأوضح أن الفن يتميز عن غيره من الحرف بأنه يعمل على إنتاج قيمة إضافية، كما يطرح التناقضات الأساسية التي لا يستطيع المجتمع حلها بشكل مباشر، ويطرح حلولا ممكنة لها، بينما يسعى السياسي للسيطرة والتحكم في القيمة الإضافية للعمل الفني لتعزيز نظام الحكم.

وأردف قائلا "إذا نظرنا إلى الفن الفلسطيني -على سبيل المثال- فهو عبارة عن سجل حقيقي للتاريخ الفلسطيني الحديث، ومنذ بداية التسعينيات انفصل الفن عن السياسة، كما أسهم انسداد الأفق السياسي في تناول الفن حلولا مبتكرة وجديدة للقضية الفلسطينية".

وأشار إلى أن الربيع العربي أسهم في ظهور محاولات فنية جديدة مستفيدة من الوسائل التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكنه رفض الربط بين تأثير المسرح السياسي على المواطنين وبين تخلي رموزه عن الربيع العربي قائلا "المسرح السياسي أثر على الناس في حينه بغض النظر عن سلوك الممثلين لاحقا من قضايا الربيع العربي".

علاقة أزلية
من جانبه، أكد الباحث والأكاديمي السوداني النور حمد أن العمل السياسي كان موجودا في المجتمعات البشرية منذ بداية التاريخ، وتشكلت بذرة العلاقة بين الفن والسياسة منذ زمن طويل، فقد كانت تلك العلاقة موجودة منذ أيام أفلاطون، ومع مرور الزمن أصبح الفن تابعا للكنيسة التي سيطرت على أوروبا، واستخدمته في إيصال رسالتها الدينية.

وأضاف أنه حتى عند القبائل في غابات أفريقيا كان زعماء تلك القبائل يطلبون ود الفنانين، ليسهموا في تعزيز نفوذهم ونشر أمجادهم بين أفراد القبيلة، لكن الانقلاب في العلاقة بين الفن والسياسة بدأ مع اندلاع الثورة الفرنسية، حيث أصبح الفن يجسد روح الثورة الجديدة بدلا من أن يكون مدافعا عن سلطة الملك.

وأوضح أن وظيفة الفن هي التعبير عن ملكة الحياة في الإنسان، لكنه أبرز ما يميزه هو امتلاك القدرة على الاستحواذ على قلوب الناس، مشيرا إلى أن الحكومات تسعى لخطب ود الفنانين، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن توجههم نحو إرسال رسائل سياسية مباشرة، ولكن مجرد اقترابها من الفنان يسهم في اقتراب جمهوره منها.

وحول علاقة الأنظمة العربية الحديثة بالفن، أشار حمد إلى أن معظم الأنظمة العربية شمولية تقوم على نظرية الحزب الواحد في تكرار للنظام السوفياتي، ولكن بنزعة قومية عربية، لذلك استخدم النظام العربي الفن في تعزيز الاستبداد بالطريقة ذاتها التي استخدمتها الأنظمة الشيوعية في الكتلة الشرقية، حتى أن الفنانين الذين ابتعدوا عن السلطة تعرضوا للنبذ، ولم يجدوا فرصة للعمل واضطر بعضهم للهجرة.

ورأى أن الربيع العربي جاء في مرحلة مهمة في تاريخ الكوكب يعاد فيها تعريف الأشياء ومن ضمنها الفن ورسالته، ومع ذلك لم تصدر الأغاني أو الأفلام أو الأعمال الكبرى التي تمجد الربيع العربي كما كان يحدث في عصر جمال عبد الناصر، لكنه أرجع ذلك إلى أن الربيع العربي بحاجة لفترة طويلة من الزمن لتحقيق أهدافه وإعادة بناء شكل الفن في عالمنا العربي.