الصندوق الأسود

تجارب دوائية خلف أبواب موصدة

تجاوزات وانتهاكات تجري داخل مراكز الدراسات الدوائية في دول عربية، حيث يرهن متطوعون أجسامهم لتلك المراكز من أجل المال. موضوع سلطت عليه الضوء حلقة (31/3/2016) من برنامج “الصندوق الأسود “.

فتحت حلقة (31/3/2016) من برنامج "الصندوق الأسود" ملف مراكز الدراسات الدوائية في الدول العربية، وما يجري خلف جدرانها من تجاوزات قانونية وعلمية توصف بتجارب الفئران البشرية، وأيضا عملية الغش والاحتيال التي يقوم بها بعض تجار الأدوية من أجل تحقيق الربح المادي، ولو كان على حساب صحة المواطن.

بروفيسور أردني في الكيمياء حصلت حلقة "الصندوق الأسود" على وثائق خاصة به تعود إلى يوليو/تموز 2013، زعم انه اكتشف أدوية لأمراض مستعصية لم يسبق استخدامها في العالم، خاصة في حالات خطيرة مثل نزيف الرحم، لكن تركيبة هذه الأدوية غير فعالة، وذلك بحسب ما أوضحه رئيس قسم الرقابة والتفتيش لدى المؤسسة العامة للدواء والغذاء الأردنية الدكتور تحسين العبادي.

واكتشفت المؤسسة أن الأماكن التي صنعت فيها الأدوية المصادرة في مدينة إربد شمالي الأردن ليست سوى شقق سكنية ومخازن تجارية تفتقر إلى مقومات البيئة العلمية لإجراء وتحضير التجارب الدوائية.

أستاذ كلية الطب في جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية كريستوفر روس، والدكتور عدنان مجلي -وهو عالم وباحث ومؤسس لمراكز أبحاث في أميركا- تحدثا عن المعايير المعمول بها في الدول المتقدمة لتحضير الأدوية وإجراء التجارب، وكيف تدرس العلاجات بطرق مختلفة قبل استخدامها في التجارب السريرية البشرية.

فبعد الانتهاء من اختراع المركب الكيميائي الخاص بالعقار وقياس تأثيره وأعراضه الجانبية على الحيوانات، والتأكد من عدم وجود آثار جانبية خطيرة على الإنسان، تقدم النتائج للسلطات الرسمية لتسمح بتجريبه على الإنسان، ويكون ذلك ضمن إجراءات وقوانين صارمة في ما يعرف بالدراسات السريرية.

غير أن مثل هذه المعايير لا يجري تطبيقها في الدول العربية، وخير مثال على ذلك ما وقع للمواطن المصري شريف الشريف الذي يخضع لتجربة دوائية دون علمه. يعالج الشريف في أحد المستشفيات الحكومية بسبب معاناته من فشل كلوي مزمن منذ العام 2009. والغريب في الأمر أن حوالي نصف الذين يتعالجون معه من مرض الفشل الكلوي وعددهم 59 أصيبوا بمرض الالتهاب الكبدي الوبائي (فيروس سي).

استشاري الأمراض الباطنية والكلى الدكتور منير شلبي أكد أن المرضى من خلال المستندات خضعوا لتجربة سريرية غير شرعية.

تدخين ومخدرات
ومن التجاوزات الأخرى التي رصدتها حلقة "الصندوق الأسود" وتؤثر على نتائج الدراسات، ما يحدث للمتطوعين داخل مراكز الدراسات الدوائية، حيث وقفت على البيئة التي يعيشها هؤلاء من خلال عينة من الأردن ومصر.

ومعلوم أن الشركة المنتجة للدواء تحتفظ بحقوق ملكيته عالميا لمدة تصل إلى عشرين عاما، وبعدها يحق لأي شركة أن تصنع أي دواء شبيه بالدواء الأصلي، ويسمى الدواء الجنيس الذي يجب إخضاعه لتجارب على متطوعين لإثبات سلامته ضمن دراسات تسمى التكافؤ الحيوي.

المتطوعون الذين طلبوا عدم كشف هوياتهم ووجوههم كشفوا عن تجاوزات مقلقة تجري داخل مراكز الدراسات الدوائية، منها عدم إجراء التحاليل على المتطوع، وعدم الشرح له بشأن تبعات عملية إجراء الدراسة على صحته، وبعضهم قال إن همه هو أن يحصل على الأموال فقط.

تدخين ومخدرات فيمراكز الدراسات الدوائية (الجزيرة)
تدخين ومخدرات فيمراكز الدراسات الدوائية (الجزيرة)

ورغم أن التدخين وتعاطي المخدرات من الأمور المحظورة على المتطوع لتأثيرهما عل نتيجة الدراسات الدوائية، فإن متطوعين أقروا بوجود هذه المحظورات داخل المراكز.

ومن التجاوزات الخطيرة التي تطرقت لها الحلقة قصة الدواء المصري الذي أثار جدلا كبيرا حول عدم فاعليته ويعطى لمرضى التهاب الكبد الوبائي، وكانت من ضحاياه الحاجة خيرية شلبي التي تسبب لها في أعراض خطيرة مثل سقوط الشعر واضطراب في الرؤية. 

ففي عام 2006 اعتمدت السلطات المصرية عقار "الإنترفيرون" كدواء جنيس لدواء أجنبي أثبت نجاعته، وبعد ثلاث سنوات من طرحه في الأسواق أجريت عليه أول دراسة سريرية وجاءت النتائج مطابقة للمعايير المطلوبة، أي بمعدل شفاء قاربت 60% وهو معدل قريب من العقار الأصلي، لكن بعض الشكوك حامت حول نتائج هذه الدراسة. 

وأجريت دراسة ثانية شارك فيها أطباء بينهم أستاذ الكبد بجامعة المنصورة رئيس جمعية مرضى الكبد الدكتور جمال شيحة الذي كشف أن دراستهم توصلت إلى نتائج مخيبة ومخالفة تماما لنتائج الدراسة الأولى، حيث لم تتعد نسبة نجاح العقار المصري 26%.

وبعد أن عجزت حلقة "الصندوق الأسود" من الحصول على رد وتفسير من الشركة المصنعة لعقار "الإنترفيرون" المصري، أرسلت عينة من العقار المصري وأخرى من العقار السويسري الأصلي إلى الولايات المتحدة من أجل تحليله، وذلك بعدما رفضت مختبرات عربية القيام بذلك.

ويكشف المدير التنفيذي لأحد المختبرات الكيميائية وهو شيري ثيندر أن التحليل المخبري أثبت أن نسبة تركيز المادة الفاعلة في العقار السويسري بلغت 89%، بينما في العقار المصري لم تتجاوز نسبة 0.7%، وهو فرق شاسع جدا يفسر سبب شكوى المصريين من عدم نجاعة عقارهم المحلي.