الميناء الأميركي بغزة.. حين يرسم الجوع خرائط الحرب والسياسة

عملية بناء ميناء عائم بغزة قد تستغرق 60 يوما بحسب تقديرات أميركية (رويترز)

تطرح فكرة الرئيس الأميركي جو بايدن إنشاء ميناء بحري في قطاع غزة تساؤلات كبيرة بشأن آليات تنفيذها والأهداف الحقيقية الكامنة وراءها، خصوصا أنها تأتي وسط تفاقم معاناة السكان بسبب المجاعة، الناجمة عن الحصار المطبق على القطاع والعدوان الإسرائيلي المتواصل منذ 155 يوما.

وخلال خطاب حالة الاتحاد فجر الجمعة، قال بايدن إنه كلف الجيش الأميركي بمهمة طارئة لإنشاء رصيف على ساحل غزة بحجة إيصال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية.

ومباشرة، أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أن بلاده ستتعاون مع الولايات المتحدة لفتح ممر بحري لتوصيل المساعدات مباشرة إلى غزة.

غموض وتناقضات

وحتى اللحظة لم يصدر عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أي موقف بهذا الصدد، سوى تصريحات للقيادي محمد نزال لقناة الجزيرة مباشر قال خلالها إن المقترح "لا يزال غامضا ويثير الكثير من التساؤلات".

وتابع قائلا إن طرح الإدارة الأميركية لبناء الميناء البحري في هذا الوقت بالذات يحتاج إلى الكثير من التفاصيل حول مهمات الميناء وإدارته وموقف الاحتلال منه، وقال إن المقترح "يحمل تناقضات غير مفهومة ولا مبررة ولا مفسرة".

لكنه أضاف في الوقت ذاته أن "حماس تقدمت بطلب تشييد ميناء بحري من وإلى قطاع غزة حتى نتلافى المشكلات التي واجهتنا على المعابر، وكان هذا الطلب يرفض دائما".

وأمس الجمعة، ندد المقرر الأممي الخاص المعني بالحق في الغذاء مايكل فخري بالاقتراح الأميركي، وقال خلال مؤتمر صحفي في جنيف إنها "المرة الأولى التي أسمع أحدا يقول إننا بحاجة إلى استخدام رصيف بحري. لم يطلب أحد رصيفا بحريا، لا الشعب الفلسطيني ولا المجتمع الإنساني".

ووصف فخري الاقتراح الأميركي بأنه "خبيث" جاء استجابة لمصالح انتخابية، لافتا إلى أن الولايات المتحدة تقدم في الوقت نفسه قنابل وذخائر ودعما ماليا لإسرائيل.

أما الخبير الأردني في الشؤون العسكرية والإستراتيجية هشام خريسات فقال في تصريحات للجزيرة إنه رغم "الجانب الإنساني" لما أعلنه بايدن، فإن هناك جانبا آخر للميناء العائم يرتبط بتشجيع هجرة الفلسطينيين طوعا إلى أوروبا، وإلغاء أي دور لمعبر رفح البري على الحدود مع مصر.

برنامج متكامل

في المقابل، يرى مراقبون أن الدخول إلى وضع غزة عن طريق المساعدات الإنسانية والتخفيف عن السكان، هو برنامج متكامل ينتمي لرؤية أميركية إسرائيلية وتشترك بها أطراف عربية، وهي المرحلة الثانية بعد التجويع الشديد بفرض آلية برعاية أميركية لمعالجة أزمة الجوع لتحييد دور حركة حماس في القطاع.

وبهذا الصدد يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقرباوي إنه إذا كان إدخال الغذاء على وجه الخصوص بشكل مكثف ومنظم "فسيكون هذا مدخل ليس سهلا لتنفيذ مخططهم لإخراج حركة حماس تدريجيا من المعادلة".

ويضيف في حديثه للجزيرة نت "في قضية الجوع أنت لا تستطيع منع الناس من الطعام ولا تستطيع الوقوف في وجه إغاثتهم"، لكن الحقيقة أن هذا الميناء أو الممر البحري "ليس هو ما كان تطالب به حركة حماس لكسر الحصار عن قطاع غزة، وقد يشكل الميناء الأميركي أداة لتشديد الحصار على الفلسطينيين".

ويتابع أن الولايات المتحدة لن تسمح بأي "حضور للحركة ومؤسساتها في آلية الميناء، كونها أداة مباشرة لإحكام السيطرة على الناس عبر التجويع ثم الإطعام".

وحذر العقرباوي من هذا "الميناء الاحتلالي"، قائلا إذ سمح بولوج الجيش الأميركي لتخوم غزة فهذه خطوة خطرة جداً. ولا ينبغي الترحيب بها مطلقا".

ليس حلا للأزمة الإنسانية

ووفق التصريحات الأميركية فإن الجسر البحري يحتاج إلى أسابيع حتى يعمل، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن عملية بناء الميناء العائم ستستغرق 60 يوما، وسيشارك فيها على الأرجح أكثر من ألف جندي، ووفق تقديرات أوروبية فإنه يمكن أن ينقل ما يعادل 200 شاحنة فقط يوميا".

ويرى الكاتب والباحث السياسي محمد غازي الجمل أن الميناء بهذا الشكل لا يوفر نصف الحاجة اليومية للقطاع، ولا يشكل حلا جذريا للأزمة الإنسانية، "في حين يكمن الحل في ممارسة الضغط الكافي على دولة الاحتلال لإدخال المساعدات برا بالقدر المناسب".

وقال في تصريحات للجزيرة نت إن الولايات المتحدة تخشى من تداعيات تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع، لما لذلك من تأثير محتمل على مصالحها وقواتها في المنطقة وحول العالم.

ويضيف أنه على المستوى الإستراتيجي فقد كان ملف حقوق الإنسان أداة أساسية لعمل السياسة الخارجية الأميركية ومبررا للتدخلات العسكرية والعقوبات الاقتصادية ضد العديد من دول العالم، وتخشى من أثر صمتها وتواطئها مع جرائم الاحتلال في غزة على فعالية هذه الأداة الإستراتيجية في سياستها مستقبلا، وخصوصًا في الصراع مع الصين.

في المقابل- يضيف الكاتب- أن الحكومة الإسرائيلية لا تبدي التفهم الكافي لهذه الحاجة الأميركية، وتركز بدلا من ذلك على مساعي تهجير سكان شمال القطاع، والضغط التفاوضي على المقاومة باستخدام سلاح التجويع، ووضع العراقيل في وجه وصول المساعدات برا، بهدف تقويض وجود أي سلطة مدنية وبالتالي تقويض مقومات التماسك والصمود في القطاع.

وقال أمام هذه الحالة، "لا تجد الإدارة الأميركية بدا من التدخل المباشر حماية لمصالحها الآنية والإستراتيجية، وهي ترى أيضا أن في ذلك مصلحة حقيقية لدولة الاحتلال، وإن كانت حكومة نتنياهو لا تقدرها حق قدرها".

التأثير على رفح

ولم تكن إسرائيل بعيدة عن هذه الترتيبات، فقد نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي كبير لم تكشف عن اسمه قوله إن تل أبيب تؤيد إقامة رصيف عائم مؤقت لإدخال المساعدات الإنسانية الإغاثية إلى سكان قطاع غزة كالذي تحدث عنه بايدن.

وبحسب هذا المسؤول، فقد تم بحث هذه المبادرة بين إسرائيل والولايات المتحدة في الماضي والاتفاق على التنسيق بينهما لتنفيذها.

ويشير الضوء الأخضر الإسرائيلي لتنفيذ هذا المقترح إلى تحقق مصلحة إسرائيلية منه، وخصوصا أنه سيشكل بديلا لمعبر رفح وسيخرجه من الخدمة، خصوصا أن إسرائيل "لا تثق بالمعبر وتعتبره المدخل الرئيسي لأسلحة حماس".

كما أشار إلى أن بايدن قلق جدا مما سينتج من اجتياح الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح جنوبي القطاع، ومن عدم إنهاء الكارثة الإنسانية بغزة، الأمر الذي سينعكس على نتيجة الانتخابات في الولايات المتحدة، لذا سيسارع في بناء الميناء.

وستبدو خطوة الميناء الأميركي كضغط على مصر عبر التقليل من أهمية معبر رفح، فرغم كل العقبات التي تواجهها غزة في قضية معبر رفح فإنه في نهاية المطاف يبقى ممراً عربيا فلسطينيا وليس أميركيا، إضافة إلى وجود جملة من المصالح والتقاطعات تسمح لحركة حماس بإدارة العلاقة مع مصر في ظروف مختلفة.

المصدر : الجزيرة