حرب الصومال الشاملة على حركة الشباب.. الإنجازات والتحديات

جثث أعضاء من حركة الشباب قتلوا على يد قوات الأمن الصومالية بعد تفجيرات أعقبها إطلاق نار في العاصمة الصومالية (الأناضول)

كان يوم 15 مارس/آذار 2024 يوما عاديا من أيام العاصمة الصومالية مقديشو، لا يميزه سوى توافد بعض من نخبة المجتمع لأمسية رمضانية في فندق "إس واي إل" الشهير الواقع في مربع أمني محصّن يضم قصر الرئاسة ومكاتب رئاسة الوزراء وغيرها من المباني الحكومية.

لم يكن يدر بخلد الضيوف حينها أن هذا سيكون "العشاء الأخير" لبعضهم، وأن حركة الشباب ستهاجم الفندق في سياق زيادة نشاطها بشكل ملحوظ خلال الشهر الكريم، ملقية مع الرصاص بالاستفهامات حول مصير الحرب التي أعلنتها الحكومة الصومالية قبل قرابة سنتين لتصفية وجود الحركة التابعة للقاعدة في بلاد البونت.

وكان هجوم عنيف مماثل للحركة على فندق حياة في مقديشو في 20 أغسطس/آب 2022 أحد الأسباب التي دفعت الرئيس الصومالي المنتخب حديثا حينها حسن شيخ محمود إلى إعلان حرب شاملة على الحركة، متعهدا بالقضاء المبرم عليها في نهاية عام 2023، ومطلقا إستراتيجية شاملة تتجاوز البعد العسكري إلى حروب تدور رحاها في الجبهات الاقتصادية والإعلامية والفكرية.

أدى اندفاع القوات الصومالية وحلفائها إلى تراجع الحركة في العديد من معاقلها في أقاليم هيران وشبيلي الوسطى وغلمدغ، مع تزايد الضغط العسكري على الشباب بشكل غير مسبوق.

 

العشائر على خط الجبهة

ترجع دراسة نشرها "مركز مكافحة الإرهاب" في نيويورك التقدم الذي أحرزته مقديشو إلى تفاعل مجموعة من العوامل، يأتي على رأسها التحسن النسبي الذي أبداه أداء الجيش الصومالي الذي تم تهيئته خلال العقد الأخير لتولي المهام الأمنية أواخر هذا العام مع انسحاب القوات الأفريقية من البلاد.

في حين يتمثل العامل الثاني في تطوير الحكومة الصومالية لتحالفاتها مع المليشيات القبلية المعروفة محليا بـ"معاويسلي" التي تم استخدامها بشكل مكثف بالتنسيق مع الجيش الحكومي، في سيناريو شبيه بتجربة "الصحوات" في العراق منتصف العقد الماضي.

وبدأت الاشتباكات بين العشائر والتنظيم في يونيو/حزيران 2022 في المنطقة الوسطى من البلاد، وما لبثت الحكومة أن تبنت "الانتفاضة العشائرية" ودعمتها لتتحول إلى عملية "الأسد الأسود" في وقت لاحق.

هذا الصدام بين العشائر والحركة كان مدفوعا بإحباط محلي من مطالبات حركة الشباب المستمرة بالحصول على المال والمجندين، بجانب لجوئها لإجراءات العقاب الجماعي في حال عدم الامتثال، كما أسهم تكثيف الحركة للضرائب التي تفرضها على السكان الذين يعانون من التبعات الكارثية لتغير المناخ، في إذكاء الغضب العشائري ضدها.

المليشيات القبلية تتميز بأنها توفر أعدادا أكبر من المقاتلين قياسا بالقوات النظامية (الفرنسية)

ومع تصاعد الأحداث أدى اتخاذ الحركة لتدابير انتقامية لمنع المدنيين من التعاون مع الحكومة، بما يتضمن ردم الآبار في الريف وإحراق القرى وتهجير أهلها، في النهاية إلى تأثير معاكس لتوقعات مخططي الشباب.

وتتمتع المليشيات القبلية بجملة المزايا عند مقارنتها بالجيش، ومن أهمها أنها أقل تكلفة من حيث الكلفة التشغيلية، كما أنها توفر أعدادا أكبر من المقاتلين قياسا بالقوات النظامية، بالإضافة إلى ما سبق فهي تتمتع بدعم محلي كبير، وتمتلك معرفة واسعة بتضاريس مناطقها، كما أنها بطبيعة تكوينها أكثر تناغما وانسجاما مع أدوات السياسة المحلية من القوات الحكومية.

انخراط العشائر في هذه الحرب مثّل خطوة متقدمة في تفكيك تحالفات القوى المجتمعية مع الحركة في وسط البلاد، مما أفقد الشباب العديد من الملاذات الآمنة التي كانت تلجأ إليها، وزاد من فاعلية عمليات استهدافها في مواقع تمركزها السابقة.

الدعم الخارجي

في ورقة أصدرتها "مجموعة الأزمات الدولية" ترصد وجود دعم خارجي لهذه الحرب منذ بواكيرها الأولى، حيث قامت القوات الإثيوبية بتقديم مساعدات عسكرية للمجتمع المحلي في منطقة هيران لصد الشباب، كما استهدفتهم بطائراتها من الجو.

بجانب إثيوبيا، تلقى الصومال الدعم من أطراف إقليمية ودولية مختلفة، حيث كانت إريتريا أولى الوجهات الأفريقية لشيخ محمود، التي استضافت آلاف الجنود الصوماليين الذين تلقوا تدريبات عسكرية على أراضيها، ثم عادوا إلى بلادهم حيث تم نشرهم في قوات مكافحة الإرهاب.

كما تلقى الصومال دعما أميركيا لافتا، مع إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عودة مئات من جنود بلاده إلى الصومال، بجانب مساعدات عسكرية واستخباراتية متنوعة.

ووقع الطرفان مذكرة تفاهم عسكرية أمنية في فبراير/شباط 2024 سيبني البنتاغون بموجبها خمس قواعد عسكرية في وسط وجنوب البلاد لقوات داناب التي تتكفل بها الولايات المتحدة الأميركية.

الصومال تلقى دعما ومساعدات عسكرية واستخباراتية أميركية متنوعة (موقع قيادة أفريكوم)

المسيّرات في خدمة الحرب

في السياق نفسه، استفادت القوات الحكومية وحلفاؤها من الدعم الكبير الذي توفره الطائرات المسيرة الأميركية والتركية في المعارك مع الشباب، حيث أضعفت ضرباتها قدرة التنظيم على عقد اجتماعات الهياكل القيادية لبناء إستراتيجية مضادة، كما أوهنت قدرة منسوبي الحركة على التنقل ونقل العتاد.

لا تكتفي هذه الطائرات برصد تحركات المقاتلين قبل المعارك وفي أثنائها، بل تتعدى هذا إلى التدخل بالإسناد المباشر للعمليات العسكرية على الأرض، بما يوفر الغطاء الجوي الذي تفتقده الترسانة الصومالية.

الحرب الاقتصادية والإعلامية

مثل الاقتصاد جبهة أخرى في حرب الحكومة على الشباب، حيث هدفت حزمة من الإجراءات إلى تجفيف موارد التنظيم المالية، الذي وصفه الجنرال ستيفن تاونسند القائد السابق للقوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) بأنه "أقوى فروع القاعدة في العالم وأغناها".

حيث أعلنت الحكومة الصومالية عن فرض عقوبات صارمة على التجار والمؤسسات الاقتصادية التي يثبت دفعها المال لحركة الشباب، كما قامت وزارة الخزانة الأميركية بفرض سلسلة من العقوبات على الأشخاص والكيانات التي تقوم بدعم الحركة والقيام بغسل الأموال لصالحها، في خطوات تهدف إلى شل أنشطة الحركة ومصادر تمويلها.

التقدم الذي أحرزته القوات الحكومية وحلفاؤها أفقد الحركة السيطرة على العديد من المدن والمجتمعات المحلية التي كانت تفرض عليها الضرائب، كما أدى هذا التمدد إلى خسارة الحركة للعوائد المالية من الأتاوات التي كانت تُدفع لمنسوبيها مقابل السماح بالحركة والتنقل داخل المناطق التي كانت خاضعة لها.

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (يمين) افتتح قناة فضائية لمواجهة حركة الشباب فكريا (الأناضول)

وشكل الإعلام جبهة أخرى تخوض فيها الحكومة الصومالية معركة لمحاصرة الآلة الدعائية للحركة، حيث أعلن نائب وزير الإعلام والثقافة والسياحة الصومالية عبد الرحمن يوسف العدالة عام 2022 صدور قرار بحجب أكثر من 600 صفحة إلكترونية تابعة للحركة.

في مارس/آذار 2024 أكد مسؤولون حكوميون تخصيص فرق في وكالة الاستخبارات الوطنية وظيفتها مراقبة وتنبيه شركات التكنولوجيا لإزالة المحتوى المتطرف، مما يؤثر سلبا على قدرة الحركة على الترويج والتعبئة.

كما افتتح الرئيس الصومالي أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2022 قناة فضائية جديدة باسم دلجر (حامي الوطن) لمواجهة الحركة فكريا، مؤكدا أن من أهدافها "تقديم رؤية دينية معتدلة تحارب التطرف وسوء تفسير التيارات الإرهابية للدين، وتعزيز الوطنية وغرس القيم النبيلة ونبذ العنف والإرهاب".

ضمن الإطار نفسه، عملت مقديشو على تقويض تأثير الركائز التي يستند إليها خطاب حركة الشباب، مطلقة عليها اسم "الخوارج" الذي شاع استخدامه إعلاميا، كما حرّم بيان صدر عن "مؤتمر علماء الصومال" نشر أفكار الحركة أو دعمها، ناعتا الحرب الشاملة التي تخوضها الحكومة بـ"الجهاد الإسلامي.. لحماية النفس والمال والشرف للمواطنين".

Displacement And Famine In Drought Hit Somalia
القوات الصومالية تمكنت في المرحلة الماضية مع حلفائها من إحراز تقدم غير مسبوق (غيتي)

تحديات متنوعة

تمكنت القوات الصومالية وحلفاؤها في المرحلة الماضية من إحراز تقدم غير مسبوق واستعادت السيطرة على أكثر من 215 موقعا، معظمها في ولايتي هيرشبيلي وغلمدغ، ومع إعلان الرئيس الصومالي في مارس/آذار 2023 إطلاق الجولة الثانية من العمليات باتجاه معقل الحركة في جنوبي البلاد، فإن العديد من التحديات تظل ماثلة أمام صانع القرار في "فيلاصوماليا".

وفقا للعديد من الدراسات فإن التحدي الأكبر يتمثل في قدرة الحركة على التكيف مع الضغوط ولجوئها لتكتيكات حرب العصابات، مما مكّنها من التقاط أنفاسها والقيام بالضربات المضادة سواء بالتفجيرات الانتحارية أو الهجمات على مراكز الجيش، أو حتى باستعادة السيطرة على بعض الأراضي التي فقدتها.

وترى دراسة لمركز "صوفان الاستشاري للشؤون الأمنية" أن أهم التحديات التي واجهتها الحكومة خلال المرحلة الماضية يتمثل في قصور إستراتيجيتها المتعلقة بآليات "الاحتفاظ" و"بناء" الأراضي المستردة، كما أن عدم قدرتها على الحفاظ على وجود قوي يترك السكان المحليين مترددين في التعاون مع القوات الحكومية بسبب الخوف من مواجهة انتقام حركة الشباب بمجرد مغادرة الحكومة، مما دفع بعض العشائر في الريف إلى عقد اتفاقات مع الحركة لضمان سلامتهم.

في حين أن تطوير الهجوم نحو جنوب البلاد يفرض على الحكومة القيام بتسوية سياسية ومصالحة مجتمعية أعمق بالنظر إلى التعقيد الذي تتصف به علاقات العشائر في تلك المناطق، مما يهدد بأن تؤدي عمليات تحرير الأراضي من سيطرة الشباب إلى اشتباكات حول السيطرة السياسية ليس بين المجتمعات المحلية فقط، بل كذلك بين القوات الرسمية للولايات ومليشيا العشائر المحلية.

وفي هذا الإطار، فإن هذه الخطوة تستلزم بناء إستراتيجية واضحة للسيطرة على الأراضي وحكمها في معاقل حركة الشباب الجنوبية، بما يتضمن تحديد الأدوار التي يمكن أن تلعبها كل من القوات المسلحة الفدرالية والقوات المحلية في السيطرة على الأراضي المستردة وتوفير الأمن على المدى الطويل.

ثمة تحديات من نوع آخر ستضطر الحكومة الصومالية إلى مواجهتها، بعضها يرتبط بانسحاب القوات الأفريقية من الصومال مع نهاية هذا العام، في حين يحمل التوتر الشديد بين مقديشو وأديس أبابا، على خلفية مذكر التفاهم التي وقعتها الأخيرة مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، في طياته العديد من المخاطر.

فقد استغلت الحركة مذكرة التفاهم للتحشيد والتعبئة ضد إثيوبيا، في حين أن انسحاب القوات الإثيوبية المحتمل من الصومال سيحرم القوات الفدرالية من داعم أمني حيوي من جهة، كما أنه سيخلق فراغا أمنيا سيندفع الشباب لملئه من جهة أخرى.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية