سجن عمران خان.. هل عادت باكستان إلى صيغة "ناقص واحد"؟

مراقبون يتوقعون إخفاق محاولات حرمان عمران خان من الوصول للسلطة لأن حزبه لا يزال أكبر قوة سياسية في البلاد (الجزيرة)

إسلام آباد- ربما يبدو مصطلح "صيغة ناقص واحد" غريبا على الساحات السياسية حول العالم، لكنه ليس غريبا على الساحة الباكستانية التي شهدت تطبيق هذه الصيغة على مدار التاريخ السياسي المضطرب للبلاد التي استقلت في 1947، وشهدت 3 انقلابات عسكرية، حيث يظهر هذا المصطلح بين فينة وأخرى في الخطاب السياسي الداخلي في باكستان.

على مدار تاريخ البلاد السياسي، عايش الباكستانيون صيغة "ناقص واحد" وربما تكون هذه السياسة قد بدأت عند اغتيال أول رئيس وزراء لباكستان لياقت علي خان في 1951.

وقد أثارت تصريحات رئيس الوزراء المؤقت أنوار الحق كاكر في سبتمبر/أيلول الماضي شبح هذا المصطلح في باكستان، عندما تحدث عن إمكانية إجراء انتخابات نزيهة دون رئيس الوزراء السابق عمران خان وبعض قادة حزبه.

وقبل تصريحات كاكر بعام واحد فقط، قال عمران خان إن "مسؤولي الحكومة المستوردة" -في إشارة للحكومة التي حلّت مكان حكومته بعد إسقاطها في أبريل/نيسان 2022- كانوا يعملون على صيغة "ناقص واحد".

مراقبون يرون أن صيغة "ناقص واحد" لم تحد من تأثير وقوة حزب إنصاف بزعامة عمران خان (رويترز)

صيغة "ناقص واحد"

تعني هذه الصيغة أن زعيم أي حزب إن لم يعُد مقبولا لدى المتحكمين في السلطة في البلاد، وهي المؤسسة العسكرية، فيحل شخص آخر محله من داخل الحزب نفسه، حيث تركز هذه الصيغة على الأشخاص وليس الأحزاب، التي يسمح لها بمواصلة العمل السياسي مع بعض المعوقات.

كما تحتمل معنى آخر وهو استهداف رئيس الوزراء وحده تحت مسوغات متعددة، ومن ثم جعل مكتبه غير مستقر ومهتز.

إن المراقب للساحة السياسية الباكستانية يرى أن القائد الأكثر شعبية -إلى حد كبير- هو رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب إنصاف عمران خان، لكنه وبعد إسقاطه من الحكم أصبح ملاحقا قضائيا في عشرات القضايا، لينتهي به الحال في السجن، وحُرم من خوض الانتخابات.

ورغم المضايقات التي يتعرض لها حزبه، فإنه حقق نتائج كبيرة في الانتخابات العامة الأخيرة التي يزعم الحزب أنها زُوّرت، ورغم كونه غير قادر على تشكيل الحكومة وفقا للنظام الانتخابي، فإنه لا يزال يشكل ثقلا سياسيا قويا في البرلمان.

على الطرف الآخر، فإن الشخص الأكثر منافسة لعمران خان هو نواز شريف رئيس الوزراء السابق 3 مرات وزعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف)، الذي توترت علاقته مع المؤسسة العسكرية بشكل كبير خلال السنوات الماضية التي أعقبت إسقاطه من الحكم في 2017، وخروجه للمنفى الطوعي في لندن 2019.

ورغم السماح له بخوض الانتخابات وفوزه بأحد المقاعد في المجلس الوطني، وقدرته قانونيا على تشكيل حكومة وتصريحه بأنه لن يكون على رأس حكومة ائتلافية تضم أحزابا أخرى، فإن بعض المراقبين يرى أنه غير مرغوب فيه من المؤسسة العسكرية، أو على الأقل فهي تفضل شقيقه شهباز.

ضحايا الصيغة

على مدار تاريخ البلاد السياسي، عايش الباكستانيون صيغة "ناقص واحد" وربما تكون هذه السياسة قد بدأت عند اغتيال أول رئيس وزراء لباكستان لياقت علي خان في 1951 في حديقة عامة في مدينة روالبندي أثناء إلقائه خطابا عاما.

بعد ذلك ابتعدت فاطمة جناح -شقيقة مؤسس باكستان محمد علي جناح– عن الحياة السياسية بعد هزيمتها في الانتخابات -التي قيل إنها مزورة- أمام الجنرال أيوب خان الذي حكم باكستان بعد انقلاب عسكري في 1958 استمر حتى 1969.

ذو الفقار علي بوتو -أيضا- كان أحد ضحايا هذه الصيغة، الذي أُعدم في 1979 بأمر قضائي بعد الانقلاب عليه من الجنرال ضياء الحق في 1977.

واجه كل من نواز شريف وبينظير بوتو الأمر نفسه خلال فترة التسعينيات وإن لم يصل الأمر إلى حد الاغتيال، إلا أنه استُبعد كل منهما مرتين من رئاسة الوزراء سواء بأمر قضائي أو بانقلاب عسكري. وقد استُخدم المصطلح صيغة "ناقص واحد" للمرة الأولى خلال فترة حكم بينظير بوتو الأولى (1988-1990).

استمر الحكم العسكري للجنرال برويز مشرف حوالي 9 سنوات حافظت خلالها بينظير بوتو على شعبيتها، لكنها وقعت -كذلك- ضحية للصراع السياسي، إذ اغتيلت في ديسمبر/كانون الأول 2007.

استمر نواز شريف في الحياة السياسية حيث فاز حزبه في انتخابات 2013 وتولى رئاسة الوزراء للمرة الثالثة في حياته وكانت شبيهة للمرتين السابقتين، حيث أُسقط من الحكم بأمر قضائي في 2017، ومنذ ذلك الحين واجه شريف ملاحقات وأحكاما قضائية ومنفى طوعيا في لندن انتهى في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

صيغة فاشلة

رغم نجاح هذه الصيغة أو سياسة استبعاد الأشخاص البارزين والمؤثرين فإنها في نظر مراقبين قد أثبتت إخفاقها على المدى الطويل. ويعتقد الصحفي والمحلل السياسي جاويد رانا أن كل هذه الصيغ المعروفة باسم "ناقص واحد أو ناقص اثنين" لم تنجح في الماضي ولن تنجح في المستقبل.

ويعلل رانا ذلك، في حديث للجزيرة، بقوله إن جميع المحاولات التي بذلها "الجيش وشبكة الاستخبارات" لحرمان عمران خان فعليا من الوصول إلى السلطة باءت بالإخفاق؛ لأن حزبه لا يزال أكبر قوة سياسية في البلاد وحصل على عدد كبير من المقاعد في الانتخابات الأخيرة التي شهدت تزويرا واضحا، حسب وصفه.

ويرى أن الجيش أراد إعادة نواز إلى السلطة لكنه لا يريد فوزه بعدد مريح من المقاعد يمكّن حزبه من تشكيل الحكومة بمفرده. وأضاف أنه حتى لو لم يكن عمران خان في الحكم أو في البرلمان، فإن حزبه لا يزال يشكل قوة سياسية في البرلمان والنسيج الشعبي الداعم له.

من جهته، يقول المحلل السياسي ورئيس مركز إسلام آباد للدراسات السياسية عبد الكريم شاه إن المؤسسة العسكرية بذلت ما تستطيع لتطبيق صيغة "ناقص واحد" لكنها أخفقت في ذلك، ورفض حزب إنصاف -أيضا- هذه السياسة بشكل قاطع.

ويضيف، في حديث للجزيرة نت، أن "الجيش حاول استبعاد عمران خان من المشهد، لكنه وإن كان قد نجح في استبعاده شخصيا، إلا أن حزبه يأخذ الأوامر منه حتى وإن كان في السجن".

ويقول شاه إن الأمر بالنسبة لنواز شريف يختلف حيث لم يُستبعد من تولي الحكم، لكنه اختار أن يتسلم شقيقه شهباز الحكم وابنته مريم في البنجاب؛ لأنه لا يريد أن يتحمل مسؤولية الحكومة القادمة بما فيها من مشكلات وتحديات، لأنها ستكون هشة ومحكومة بالإخفاق.

وتابع أن نواز لن يكون في منأى عن تحمل المسؤولية؛ لأنه إن لم يكن باسمه شخصيا فعلى الأقل باسم حزبه وعائلته بما في ذلك شقيقه وابنته، ولأنه -كذلك- سيوجّه الحكومة عن بُعد.

المصدر : الجزيرة