الضربات الأميركية على الحشد الشعبي.. ضغوط جديدة في علاقة واشنطن وبغداد

الضربات الأميركية على الحشد الشعبي تنذر بانهيار الشراكة بين بغداد وواشنطن (أسوشيتد برس)

بغداد- تفرض الضربات الأميركية على مقرات قوات الحشد الشعبي في العراق سيناريوهات جديدة في شكل العلاقة ما بين حكومتي بغداد وواشنطن وأهمية رسمها من جديد وفق المتغيرات الداخلية للعراق.

وجاءت هذه الضربات بعد أن استهدفت المقاومة الإسلامية في العراق منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، العديد من القواعد الأميركية في العراق وسوريا نتيجة دعمها لإسرائيل في حربها على غزة.

وكان مقر اللواء 12 التابع لقوات الحشد الشعبي في منطقة شارع فلسطين بالعاصمة العراقية بغداد، تعرض الخميس الماضي لضربة جوية أسفرت عن مقتل نائب قائد عمليات حزام بغداد في الحشد الشعبي، آمر اللواء 12 في الحشد مشتاق طالب السعيدي "أبو تقوى"، ومساعده، فضلا عن إصابة آخرين.

وحمّلت السلطات العراقية قوات التحالف الدولي مسؤولية هذا الهجوم "غير المبرر على جهة أمنية عراقية تعمل وفق الصلاحيات الممنوحة لها من قبل القائد العام للقوات المسلحة". وحذرت من أن "الأمر يقوّض جميع التفاهمات ما بين القوات المسلحة العراقية وقوات التحالف الدولي".

لكن وزارة الدفاع الأميركية ادعت بأن الشخص الذي قُتل في العراق، كان متورطا بتخطيط وتنفيذ هجمات ضد أميركيين.

الاعتداءات الأميركية

في هذا السياق، كشف ائتلاف النصر أحد تشكيلات الإطار التنسيقي المكون الرئيسي لائتلاف الدولة، والذي انبثقت عنه الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، عن أن الاعتداءات الأميركية الأخيرة على عدد من مقار الحشد الشعبي تعد خرقا فاضحا لسيادة العراق.

وقال المتحدث باسم ائتلاف النصر عقيل الرديني، في تصريح للجزيرة نت، إن واشنطن خرقت كل القوانين والمواثيق الدولية. ولفت إلى أن الاعتداءات والخروقات الكبيرة تكررت على عدد من مقار الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية، وكان ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى.

ونبه المتحدث إلى وجود احتجاجات كبيرة على ما تقوم به الإدارة الأميركية من اعتداءات وخروقات لا مبرر لها، مؤكدا أن الحكومة اليوم عازمة على أن تكون هناك جلسات حوار حقيقية اتجاه ما يحدث.

وعبّر الرديني عن أمله في أن يتم تفعيل اللجنة الثنائية بين العراق والولايات المتحدة والتي كانت مهمتها إخراج القوات الأميركية من العراق. لكنه، في الوقت نفسه، قال إن "هذه الأمور ليست بهذه السهولة، ونحتاج مزيدا من الوقت والتواصل من أجل الخروج من الأزمة الكبيرة التي تحدث الآن بين الولايات المتحدة والقوات المسلحة العراقية".

وكان رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أكد الجمعة الماضية، موقف حكومته الثابت المتمثل بإنهاء وجود قوات التحالف الدولي بعد أن انتهت مبرراته في بلاد الرافدين.

US paratroopers from the 82nd Airborne Division march towards an airborne C-130 transport, shortly before initiating their first practice jump since arriving in Iraq almost a year ago 24 February 2004 at Al Asad airbase, 100 kms northwest of Baghdad. Back in the United States, US paratroopers jump once a month. AFP PHOTO/Marwan NAAMANI (Photo by MARWAN NAAMANI / AFP)
السوداني يؤكد موقف حكومته المتمثل بإنهاء وجود قوات التحالف الدولي بعد أن انتهت مبرراته في العراق (الفرنسية)

الاتفاقية العراقية ـ الأميركية

وفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي والخبير القانوني، خالد العرداوي، إنه "طالما الاتفاقية نافذة فإنها تكون ملزمة لأطرافها، وإن إلغاء الاتفاقيات الدولية تحكمه ظروف ووقائع كثيرة، وأحيانا تلغى بعض الاتفاقيات من طرف واحد، إلا أن ذلك يخلّ بصورة الدولة من حيث سمعتها ومصداقيتها في العلاقات الدولية".

وأكد العرداوي للجزيرة نت، أن كل الاتفاقيات ليست داعمة مدى الحياة، وإنما توجد بنود تضبط آلية إبطال العمل بها، وهذا يصدق أيضا على اتفاقية الإطار الإستراتيجي بين بغداد وواشنطن. ورأى أنه من الأفضل للعراق أن يجعل الإبطال منسجما مع بنوده الموجودة في الاتفاقية.

واعتبر العرداوي، أن القصف الأخير الذي تعرضت له مقرات الحشد الشعبي، رسالة أميركية واضحة لبغداد أنها لن تتردد في الدفاع عن مصالحها عندما تتعرض للخطر من أي طرف، وأن عليها أن تقوم بدورها في حماية مصالح واشنطن وعدم تعريضها للخطر.

ويعتقد، أنه أيضا مؤشر على ضعف قوة الحكومة واحتمال أن تكون مقبلة على مرحلة غير جيدة في علاقتها مع واشنطن.

بدوره، يوضّح الخبير القانوني علي التميمي، أن الاتفاقية الأولى بين العراق وأميركا كانت عام 2008 ونصّت على سحب القوات الأميركية في الأول من يناير/كانون الثاني 2011، وفعلا تم الانسحاب، وسميت اتفاقية "صوفا"، ولم يتم تجديدها.

أما الاتفاقية الثانية فكانت عام 2008؛ وهي اتفاقية تعاون في كافة المجالات الفنية والاقتصادية والأمنية، ولم تنص على وجود القوات الأميركية، بل أجازت المادة 27 منها أن تلغى الاتفاقية من جانب واحد بعد سنة من الإشعار.

وتابع في حديثه للجزيرة نت، أنه بعد هجوم تنظيم الدولة طلب العراق رسميا المساعدة من أميركا بعد صدور قرار مجلس الأمن (2170) الذي وضع التنظيم تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، فجاءت قوات التحالف لغرض الدعم الجوي والتدريب والمساعدة بطلب من حكومة العبادي في مؤتمر باريس.

وكشف أنه لا توجد اتفاقية جديدة عن وجود القوات الأجنبية أو القواعد التي قيل إن عددها 9، ويحق للحكومة العراقية طلب إخراجها بعد تصويت البرلمان.

تأثير التوترات على الداخل

من جهته، قال الخبير الأمني والإستراتيجي، عماد علو، إن هذه الضربات تعد خارج التفويض الممنوح لوجود هذه القوات، مبينا أن المسألة الأساسية في هذه النقطة هو احترام السيادة العراقية، وأن تكون الحكومة العراقية هي المسؤولة عن أي فعاليات عسكرية تنفذها قوات التحالف، وتتشارك بها مع القوات المسلحة العراقية من خلال العمليات المشتركة.

وتابع في حديثه للجزيرة نت، أن الحكومة العراقية تستطيع إلغاء هذا التفويض من خلال الأمم المتحدة، وأن السوداني هو الوحيد الذي يمتلك صلاحية اتخاذ القرارات ذات الطابع الأمني التي تتعلق بأمن ومصلحة العراق واستقراره، مبينا أن أي توترات أمنية تؤثر في الداخل العراقي.

المصدر : الجزيرة