كيف تمثل قمة الجنوب في أوغندا شكلا للصراع الصيني الأميركي في أفريقيا؟

Delegates and Government representatives attend the opening session of the Third South Summit of the Group of 77 and China (G77+China) in Kampala on January 21, 2024. - The G77+China is a coalition of developing countries designed to promote its member states economic interest and create negotiating capacity in the United Nations. (Photo by LUIS TATO / AFP)
أوغندا تسلمت رئاسة القمة من كوبا في الجلسة الافتتاحية (الفرنسية)

كمبالا- "الصعود الجماعي لدول الجنوب لا يمكن إيقافه، رغم أن البيئة الخارجية متزايدة التعقيد"، اقتباس مما قاله نائب رئيس مجلس الدولة الصيني ليو كوة تشونغ، في اجتماعات قمة مجموعة 77 والصين، التي تضم حاليا 134 دولة، وتأسست عام 1964، وتعد التكتل الأكبر تحت مظلة الأمم المتحدة.

وطغى على افتتاح القمة المسماة بـ"قمة الجنوب" في كمبالا بأوغندا، ما أطلق عليه ليو كوة تشونغ استمرار نفوذ "النظام الاقتصادي والسياسي الدولي القديم، في تقويض السلم والتنمية الدوليين"، وسط إجماع من المشاركين على أهمية تغيير النظام المالي والاقتصادي العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.

وتعقد القمة في أفريقيا التي تشهد تنافسا متزايدا بين القوى الكبرى للدخول إليها، كل بحسب أولوياته، فبالنسبة للصين، تشكل القارة ركنا أساسيا في مبادرتها "الحزام والطريق"، وتهدف القمة لتعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والتنمية بين الدول الأعضاء، وتطوير التكنولوجيا ونقلها، وردم الهوة العلمية بين دول الشمال والجنوب.

Secretary General of the United Nations Antonio Guterres conducts a press conference following the opening session of the Third South Summit of the Group of 77 and China (G77+China) in Kampala on January 21, 2024. - The G77+China is a coalition of developing countries designed to promote its member states economic interest and create negotiating capacity in the United Nations. (Photo by LUIS TATO / AFP)
مجموعة 77 + الصين تعد التكتل الأكبر تحت مظلة الأمم المتحدة. (الفرنسية)

الصين في أفريقيا

تعد الصين الشريك التجاري والمستثمر الأبرز في أوغندا، حيث ضخت بكين خلال عام واحد فقط أكثر من 131 مليون دولار على شكل استثمارات مباشرة في الدولة التي تدخل ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، ووفدت بكين إلى السوق المحلية ليس بوصفها مستثمرا خارجيا ينتظر عائدات سريعة، بل أتت بأكثر من 200 شركة صينية وأدمجتها في السوق المحلية.

وكانت الصين قد أطلقت عام 2013 مبادرة "الحزام والطريق" التي تعد بديلا حديثا وأكثر تشعبا، برا وبحرا، لطريق الحرير التاريخي، وتريد الصين من المبادرة تعزيز تجارتها الخارجية، وتمكين بضائعها من الوصول إلى الأسواق حيث تشاء.

ونمت تجارة بكين الخارجية بمعدلات مطّردة منذ بداية الألفية الحالية، وسجلت بنهاية عام 2022 صادرات سنوية بنحو 3.6 تريليونات دولار، أما حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهو المقياس النقدي لمجموع القيمة السوقية لكل السلع والخدمات المنتجة في فترة زمنية محددة، فقدر بنحو 17.7 تريليون دولار عام 2023، بمعدل نمو سنوي وصل إلى 5% بحسب مركز الإحصاء الصيني.

ولخدمة مشروع نهوضها وتحقيق فصول طريق تجارتها، استثمرت الصين في أكثر من 3 آلاف مشروع بتكلفة تزيد على 7 تريليونات دولار حتى الآن، وارتفع حجم استثمارات الصين في القارة مما يقارب 75 مليون دولار عام 2003 إلى 5 مليارات دولار عام 2021، ووصل مجموع ما استثمرته بكين في أفريقيا بين الأعوام 2003 و2020 قرابة 46 مليار دولار.

وتحرص بكين على تنويع استثماراتها في أفريقيا بما يتلاءم مع احتياجاتها وأهدافها، لاسيما في قطاعات حيوية وإستراتيجية أيضا، من تأهيل البنية التحتية لا سيما طرق النقل البري وتأهيل الموانئ التجارية البحرية، مرورا بالاستثمار في قطاع التعدين واستخراج المعادن الثمينة، والزراعة والتصنيع والإنتاج وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وبحسب أرقام البنك الدولي، تحمل الصين قرابة 20% من ديون أفريقيا، وقدمت لدول القارة قروضا بنحو 696 مليار دولار على مدى 20 عاما، وخلال العام الماضي، وقعت الصين عقودا لمشاريع جديدة في أفريقيا بنحو 28.4 مليار دولار.

Heads of State and Government representatives attend the opening session of the Third South Summit of the Group of 77 and China (G77+China) in Kampala on January 21, 2024. - The G77+China is a coalition of developing countries designed to promote its member states economic interest and create negotiating capacity in the United Nations. (Photo by LUIS TATO / AFP)
تعد الصين الشريك التجاري والمستثمر الأبرز في أوغندا، الدولة المستضيفة للقمة (الفرنسية)

الولايات المتحدة في أفريقيا

في المقابل قدرت صادرات الولايات المتحدة عام 2022 بنحو 3.01 تريليونات دولار، بحجم ناتج محلي إجمالي وصل إلى 27.97 مليار دولار، وبمعدل نمو سنوي بحوالي 2.8%، وإن كانت الولايات المتحدة لا تحتاج لأسواق جديدة، لكنها حتما تبحث عن أي فرصة تقتنصها لكسر شوكة بكين أو على الأقل البقاء في الصدارة.

ويعتبر 50% من الأميركيين أن الصين هي عدو بلادهم الأول، بحسب استطلاع أجراه معهد "غالوب" بداية العام الماضي، أما على المستوى الرسمي، فتبقى بكين مصدر قلق فعلي لواشنطن، ويصب ممر "لوبيتو" في خانة الصراع على التفوق والتمدد والسيطرة على صناعات التكنولوجيا والاستحواذ على العناصر الثمينة.

وكانت الولايات المتحدة قد أطلقت مبادرة "ممر لوبيتو" مقابل "طريق الحرير" الجديد الصيني، وهو طريق تجاري يربط زامبيا والكونغو الديمقراطية، اللتان تعتبران من أهم مصادر المعادن الحيوية في وسط أفريقيا، ويمتد عبر خط سكة حديد يصل إلى ميناء على ساحل الأطلسي في أنغولا، لنقل المعادن المستخدمة في إنتاج السيارات الكهربائية.

ويأتي إطلاق المباردة بعد تسجيل انخفاض ملحوظ في تدفق الاستثمارات الاميركية منذ عام 2010 إلى القارة، وسجل إجمالي الاستثمارات الأميركية في أفريقيا بين الأعوام 2003 و2020 قرابة 46 مليار دولار أميركي.

وكانت واشنطن قد أقرت عام 2000 قانون "أغوا" التجاري، الذي يتيح دخول سلع من دول أفريقية إلى الولايات المتحدة وفق سلم إعفاءات وحوافز، لكن المشكلة بالنسبة لدول أفريقية تكمن في كيفية استخدام واشنطن لهذا القانون، فقد شطبت واشنطن أواخر العام الماضي دولة أوغندا من لائحة الدول المستفيدة منه، على خلفية إقرار كمبالا قانونا يتعلق بالمثلية.

آنذاك، انتقد الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني المقاربة الأميركية وقال "إن الدبلوماسية الصينية القائمة على عدم التدخل في شؤون الدول، أفضل بكثير من ازدواجية المعايير الغربية"، وأضاف جملة مفتاحية في مقاربة الصين لأفريقيا "لقد ساندت الصين الدول الأفريقية خلال كفاحها ضد الاستعمار، قبل أن تأتي بوصفها مستثمرة إلى القارة".

ولا يبدو أن الصراع على الموقع الإستراتيجي، وعلى المعادن النادرة، وعلى طرق التجارة سيحسم قريبا، فهو يمثل صراع نفوذ بين قوتين عالميتين، ربما اختلفت أدواته، لكنه لا يزال يمثل أساس الصراعات تاريخيا، لكن المتغيرات الجيو إستراتيجية التي تشهدها دول في أفريقيا، والتي حدت بالفعل من نفوذ دول غربية على رأسها فرنسا، إضافة إلى آلية عمل الصين في القارة، قد لا تكون عناصر طمأنة بالنسبة لواشنطن.

المصدر : الجزيرة