روما تستنجد بأوروبا.. هل يحرج المهاجرون حكومة اليمين الإيطالية؟

مهاجرون بجزيرة لامبيدوزا بانتظار ترحيلهم إلى البر الرئيسي في صقلية (أسوشيتد برس)
أكثر من 132 ألف مهاجر عبروا الحدود الإيطالية خلال الشهور الـ9 الأولى من العام الجاري (أسوشيتد برس)

روما- خلال حملتها الانتخابية وقبل تمكن حزبها اليميني ولأول مرة من الفوز بالانتخابات في إيطاليا، أكدت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني مرارا اعتزامها وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين على سواحل جزيرة لامبيدوزا جنوب البلاد، حتى لو اقتضى الأمر فرض حصار بحري على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.

وبعد مضي عام عن ذلك الفوز التاريخي، تحوّلت تلك الوعود إلى كابوس مرعب مع استمرار حوادث غرق مراكب اللاجئين التي خلفت كثيرا من المآسي والضحايا، وعبور أكثر من 132 ألف مهاجرا للحدود الإيطالية خلال الشهور الـ9 الأولى فقط من العام الجاري.

وفيما تستنجد رئيسة الوزراء بالاتحاد الأوروبي لاستضافة جزء من المهاجرين، تتخذ في الوقت نفسه تدابير تقييدية جديدة من شأنها تشديد الخناق على اللاجئين والمهاجرين، الذين تصنفهم الأجهزة الأمنية بالخطرين اجتماعيا، وذلك عبر طردهم الفوري حتى لو كانوا من طالبي اللجوء أو من المقيمين منذ سنوات بشكل قانوني.

غير واقعي

في هذا السياق، قال الصحفي والخبير في شؤون سياسات الهجرة سيرجو سكاندورا "أخشى أن القرارات الجديدة التي اتخذتها حكومة ميلوني مؤخرا بحق المهاجرين، وكذلك إمكانية إرسال مهمة بحرية في الأسابيع القادمة لمنع التهريب والإتجار بالبشر في البحر المتوسط، لن يوقف تدفق المهاجرين الأفارقة الفارين من الصراعات والتصحر أو الاضطهاد الشخصي والعرقي".

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح سكاندورا أن التفكير في وقف تيارات المهاجرين في البحر المتوسط أمر غير واقعي على الاطلاق، لافتا إلى فشل دولتين من مجموعة الـ7 الكبرى مثل المملكة المتحدة وفرنسا من القيام بذلك على خط ساحل بحر المانش بطول 70 كيلومترا فقط، وليس على خط ساحلي يبلغ طوله 3.400 كيلومتر بين الجزائر وتونس وليبيا وتركيا.

من جهة أخرى، حذر الصحفي الإيطالي من خطر تكرار الواقعة التي شهدتها جزيرة لامبيدوزا في الأيام الماضية بعد وصول نحو 10 آلاف مهاجر دفعة واحدة، وهو الرقم الذي يفوق بكثير عدد سكان الجزيرة البالغ 6 آلاف شخص فقط.

وقال إن الخبراء المختصين في قضايا تغيّر المناخ يؤكدون على تحوّل تدريجي لمياه البحر المتوسط إلى بيئة شبه استوائية، الأمر الذي تزداد فيه بشكل ملحوظ عدد الأيام التي يسود فيها هدوء مياه البحر على مدار العام.

وأوضح أن هذه الظاهرة المناخية الجديدة باتت تشجع مهربي البشر على تحميل الآلاف من المهاجرين خلال سويعات قليلة على متن قوارب بالية، والوصول بهم إلى الحدود الجنوبية الأوروبية.

دراما إنسانية أم أمن قومي؟

بخصوص ردود الفعل الغاضبة على تدفق الآلاف من المهاجرين على سواحل جزيرة لامبيدوزا، قال الصحفي سكاندورا "لقد حدثت مثل هذه الوقائع خلال الربيع العربي، ونحن معتادون على إنقاذ الناس في البحر والترحيب بهم في منازلنا، لا سيما أننا كنّا نحن أيضا قبل بضعة عقود خلت من المهاجرين حتى عبر البحر باتجاه دول أخرى".

واضاف "لكن الأوضاع اختلفت منذ عام 2017 فصاعدا، حينما أدت حملة واسعة الانتشار من الأخبار المزيفة أنشأتها بمهارة بعض مزارع تكنولوجيا المعلومات السيادية والقومية المتطرفة، إلى إقناع شريحة واسعة من الناس في إيطاليا وفي بقية الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، أننا أمام غزو حقيقي ونواجه خطر استبدال عرقي، وخطر تغيير للتقاليد وأنماط الحياة في أوروبا".

واختتم سكاندورا بالقول إنه "منذ ذلك الحين استبدل تصنيف الظاهرة من دراما إنسانية إلى قضية أمن قومي".

مساعدات وليس الأمن

بدورها، قالت مسؤولة شؤون الهجرة ومكافحة التمييز لدى منظمة العفو الدولية (أمنستي) سيرينا كيودو "لقد أظهر مواطنوا لامبيدوزا مرة أخرى شعورا كبيرا بالتضامن مع اللاجئين، وإن الانتقادات التي أثارها المواطنون في الأيام الماضية كانت موجهة بشكل أساسي إلى سوء إدارة عمليات تدفق الوافدين على سواحل الجزيرة، التي تدلّ بدورها على فشل السياسات الإيطالية والأوروبية في هذا المجال".

ولاحظت المسؤولة لدى منظمة العفو الدولية -في حديثها للجزيرة نت- أن سكان لامبيدوزا الذين اعتادوا منذ سنوات على مواجهة أوجه القصور التي تعاني منها الدولة في تقديم المساعدات الأولية للمهاجرين، باتوا يطالبون اليوم بتدخدلات هيكيلية على المستوى الوطني والأوروبي.

وأشارت كيودو إلى ضرورة إنشاء آلية فعّالة لتقديم المساعدات الأولية، التي من المفترض أن تعتني سريعا باحتياجات المهاجرين وضمان حماية حقوقهم، لا سيما الفئات الأكثر ضعفا منهم.

واختتمت بالقول "نحن بحاجة إلى أطباء وعمال الاستقبال ووسطاء اللغة والاجتماع والتحويلات السريعة من الجزيرة إلى باقي الأراضي الوطنية والأوروبية، وليس إرسال مزيد من العناصر المكلّفين بإنفاذ القانون واستخدام القوة".

تقاسم أعباء المهاجرين

في هذا السياق، تشارك إيطاليا اليوم الجمعة بالاجتماع المزمع عقده في العاصمة المالطية فاليتا لمجموعة (EuroMed 9) غير الرسمية، التي تضم 9 بلدان متوسطية أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهي: مالطا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا واليونان وقبرص وسلوفينيا وكرواتيا.

وتمثل إيطاليا في الاجتماع رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني التي بعثت في الأيام الأخيرة برسالة إلى قادة الدول الأعضاء في المجموعة الأورومتوسطية، للمطالبة بمقاربة مشتركة ومتماسكة لأزمة الهجرة على أساس تقاسم أعباء المهاجرين الواصلين حديثا لدول الاتحاد.

ومن المنتظر أن تكتسب النسخة العاشرة لمؤتمر "مجموعة الأورومتوسطي 9" أهمية خاصة بعد عودة ملف الهجرة بقوة إلى جدول أعمال الاتحاد الأوروبي.

المصدر : الجزيرة