وسط توترات مع بكين.. أول مناورات عسكرية لـ"آسيان" بإندونيسيا

اليوم الأخير من التدريبات البحرية المشتركة بحضور قائد الجيش الإندونيسي الأدميرال يودو مارغونو (الفرنسية)

جزر ناتونا- استضافت إندونيسيا في 19 سبتمبر/أيلول الجاري تدريبات عسكرية غير قتالية لدول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، في بحر ناتونا الشمالي الواقع إلى الجنوب من بحر جنوب الصين.

وتُعد المرة الأولى التي تُنظم فيها تدريبات بحرية مشتركة تحت مظلة هذه الرابطة منذ تأسيسها قبل 56 سنة، برئاسة إندونيسيا لها هذا العام.

وقال قائد الجيش الإندونيسي الأدميرال يودو مارغونو، إنه عرض فكرة التدريبات لأول مرة الشهر الماضي في اجتماع لقادة جيوش دول آسيان، بهدف تعزيز التضامن وترسيخ مركزية رابطة آسيان في السياق الإقليمي.

وشارك في هذه التدريبات، التي انتهت السبت، نحو 1500 عسكري و8 سفن من إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وسلطنة بروناي ومراقبون من الدول الأخرى.

وأضاف أن بلاده تسعى إلى أن تكون هذه التدريبات سنوية أو كل عامين، وأنها "ليست قتالية، بل تركز على حفظ الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، دعما للنشاط الاقتصادي لدول المنطقة".

وأوضح أن هذه التدريبات يمكن أن ترفع مستوى مناورات دول المنطقة إلى مستوى تدريبات "درع غارودا" والتي أُجريت مؤخرا بمشاركة أميركية أسترالية يابانية وسنغافورية في أقصى جزيرة جاوا الإندونيسية، والتي تمت أيضا العام الماضي في جزيرة سومطرة، وكان جزء منها في مضيق "ملقا" الإستراتيجي.

وأكد الأدميرال مارغونو أن هذه التدريبات جزء من الدبلوماسية الدفاعية والأمنية الإقليمية، "فكل دول لها تدريباتها الدولية أو الثنائية أو الثلاثية، والفكرة من ورائها أن تكون مشتركة لكل دول آسيان الـ11".

بحر ناتونا الشمالي

ولعل من اللافت في هذه التدريبات هو مكان تنظيمها، حيث يتردد كثيرا اسم بحر جنوب الصين في الأخبار الواردة من جنوب شرق آسيا وشمالها.

وتحيط بهذا البحر، بحار لدول جنوب شرق آسيا (آسيان)، كبحر غرب الفليبين، وبحر ناتونا الشمالي الذي يقع إلى الجنوب من بحر جنوب الصين وهو الممر الجنوبي للسفن القادمة من الشمال والشرق، ومن اليابان وكوريا الجنوبية والصين، ومن المحيط الهادي، مرورا ببحر جنوب الصين أو بحر غرب الفليبين.

ومن تلك البحار هناك عدة ممرات تمر عبر الأرخبيل الإندونيسي، ومن أقصرها نحو الغرب، والمقصود بذلك المحيط الهندي ثم المنطقة العربية وأفريقيا وحتى أوروبا.

والممر الأقل كلفة هو بحر ناتونا الشمالي الذي ينتهي عند مضيق ملقا، ويقع بين ماليزيا وإندونيسيا ويصل بالمحيط الهندي غربا، مرورا بما يعرف بخليج كاريماتا الواقع بين جزيرة بورنيو وشبه جزيرة الملايو وجزيرة سومطرة.

وبينما تختلف عدة دول حول الأحقية الكلية أو الجزئية في بحر جنوب الصين وفي مقدمتها الصين وتايوان والفليبين وفيتنام وسلطنة بروناي وماليزيا، عملت إندونيسيا خلال العقود الماضية على ترسيخ حقها في الجزء الذي يحيط بجزرها أو بأرخبيلها عبر خطوات قانونية ودبلوماسية.

ومن بين هذه الخطوات، التأكيد على سيادتها في بحر ناتونا الشمالي، حيث تمتلك فيه 409 جُزر، وهي جزء من إقليم "أرخبيل جزر رياو" المرتبط بتاريخ السلاطين الملايويين العريق في المنطقة.

أهمية جغرافية

ويعيش في هذه الجزر قرابة 128 ألف نسمة موزعين بين مجموعتين من الجزر، هما مجموعة جزر محافظة ناتونا، ومجموعة جزر محافظة أنامباس، ما يجعل من الصعب على دولة أخرى الزعم بأن هذا البحر هو جزء من مياهها الإقليمية.

ويُعد بحر ناتونا الشمالي ومحافظة ناتونا، المنطقة الإندونيسية الوحيدة التي لها حدود مع عدة دول مجاورة في الوقت نفسه، مع ماليزيا وفيتنام وبحر جنوب الصين.

وبذلك، يمكن الوصول إلى سواحل تايلاندا الشرقية وسواحل سلطنة بروناوي دار السلام، إضافة إلى أن هذا البحر ممر رئيسي لنسبة كبيرة من بين 60 ألف سفينة تمر ببحر جنوب الصين سنويا.

يقول قادة عسكريون إندونيسيون للجزيرة نت، إن خارطة الخطوط التسعة للصين التي كررت بكين نشرها، "تتعمد تخطي الحدود الشمالية الشرقية للمنطقة الاقتصادية الخاصة لإندونيسيا في بحر ناتونا الشمالي"، وهو ما أكده صيادون في المنطقة قالوا إن السفن الصينية تدخل إلى بحر ناتونا الشمالي ويشاهدونها من حين لآخر.

وترى إندونيسيا أنها تملك ما يفوق أي مزاعم لدول أخرى عملا باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 الذي يمنح الدول الأرخبيلية حقا متميزا، وهو ما سعت إلى إقراره إندونيسيا من سيادة تمتد لمائتي ميل من سواحلها وبين جزرها المنتشرة في تلك المياه.

كما سعت إلى أن تمنح دول العالم الأخرى أو دول الجوار ما يُتفق عليه من حقوق المرور وغيرها من الحقوق التقليدية في اتفاقيات ثنائية ودولية.

تاريخ عريق

ويعود اسم ناتونا إلى عهد مملكة سري ويجايا في جنوبي سومطرة في القرن السابع ميلادي، التي كانت من أقوى الممالك حينها، وكانت تسمى نالما ونياوا.

وذكرت مصادر تاريخية عديدة أن الملايويين سكنوا هذه المناطق منذ بضعة قرون على الأقل، في عهد سلطنات "ملقا" قبل القرن الـ16، ثم جوهور (بعد عام 1511)، ثم في عهد رياو لينغا الملايوية (بعد عام 1857) التي هي جزء من إقليم جزر رياو وإقليم رياو جنوبي جزيرة سومطرة الإندونيسية.

وتكشف القصص التاريخية حياة البحارة فيها، والأثرياء والأقوياء من الملايويين الذين سكنوها، وظلت ناتونا تحت حكم سلطنات ملايوية متعاقبة، مرورا بمواجهة البرتغاليين وتمدد الاستعمار الغربي، قبل أن ينهي المستعمر الهولندي عام 1913 سلطنة الملايويين هناك، ويعيد تقسيم الجزر التي آلت إلى إندونيسيا اليوم.

وبعد إعلان ما يعرف بالولايات الإندونيسية المتحدة قبل إندونيسيا بوصفها الحالي، كانت هذه الجزر تحت إقليم سومطرة الوسطى، ثم صارت جزءا من إقليم رياو، قبل أن يقسم إلى إقليمين أحدهما هو إقليم جزر رياو.

وفي الخمسينيات من القرن الماضي، زار أول رئيس للبلاد أحمد سوكارنو، الجزر على متن سفينة تحطمت عند صخور في أحد سواحلها، وفق ما يروي سكان محليون.

وأدرك أهميتها الإستراتيجية في العقد الأول من استقلال بلاده، وأسس فيها مطارا عسكريا مدنيا ما زال قائما إلى اليوم.

وفي عام 1999، أنشئت محافظة ناتونا، ثم حُدد جزء منها ليكون محافظة أخرى في بحر ناتونا الشمالي نفسه سنة 2008 وسُميت محافظة أنامباس.

ويتميز بحر ناتونا الشمالي بثروات بحرية ومعدنية وفي مقدمتها النفط والغاز، وهو ما يجعله أكثر أهمية من بحار ومضايق أخرى في جنوب شرق آسيا.

المصدر : الجزيرة