مشاركة بن غفير واليمين المتطرف.. لهذه الأسباب ألغى الاتحاد الأوروبي احتفال "يوم أوروبا" بتل أبيب

بن غفير (يمين) بجانب نتنياهو خلال إحدى جلسات الكنيست (الأوروبية)

القدس المحتلة- عكس قرار بعثة الاتحاد الأوروبي في إسرائيل إلغاء الاستقبال الدبلوماسي للاحتفال "بيوم أوروبا" الموقف الرسمي لأوروبا بالامتناع عن التعامل مع أحزاب اليمين المتطرفة في الحكومة الإسرائيلية التي اختارت انتداب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ممثلا عنها.

وعزت البعثة الأوروبية قرارها الذي اتخذ بدعم من سفير الاتحاد الأوروبي في إسرائيل ديميتر تازانتشيف بإلغاء مراسم الاحتفال الرسمية والاستقبال الدبلوماسي الذي كان من المفترض أن يقام غدا الثلاثاء في تل أبيب؛ بالقول "لا نريد أن نعطي منبرا لشخص تتعارض آراؤه مع القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي".

وأكدت بعثة الاتحاد الأوروبي في تل أبيب أن مراسم الاحتفالات "بيوم أوروبا" لن تحمل صبغة دبلوماسية، وستقتصر على الفعاليات الثقافية والفقرات الفنية للجمهور الإسرائيلي.

صراع المصالح

وضع انتداب الحكومة الإسرائيلية بن غفير للمشاركة في الاحتفالات "بيوم أوروبا" التي تقام في مقر الاتحاد الأوروبي في تل أبيب حكومة بنيامين نتنياهو أمام صدام ومواجهة محتملة مع الاتحاد الأوروبي، بسبب إلغاء المراسم الدبلوماسية الاحتفالية.

وحمل قرار الحكومة الإسرائيلية انتداب بن غفير للمشاركة في الاحتفالات الأوروبية في طياته رسائل داخلية وأخرى خارجية، هدفت إلى تقليل التوتر مع بن غفير، واحتواء الخلافات الداخلية بالحكومة، وكذلك منح بن غفير واليمين المتطرف بإسرائيل المؤلف للائتلاف الحكومي شرعية أوروبية ودولية.

وتعكس رسائل نتنياهو الداخلية والخارجية صراع المصالح بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل؛ إذ امتنعت أوروبا عن الخروج بموقف حازم ضد ضم أحزاب اليمين المتطرف لحكومة نتنياهو، حيث كان "يوم أوروبا" المناسبة لخروج الاتحاد الأوروبي عن صمته، ويرجح أن يسهم ذلك في دخول دول أوروبية في صدام مباشر مع أحزاب اليمين المتطرف بإسرائيل.

تأجيل الاحتفالات

اعتمد الاتحاد الأوروبي سياسة البحث عن شراكة وتعاون مع أحزاب وجهات في الحكومة الإسرائيلية تعد معتدلة، وتجاهل أحزاب اليمين المتطرف ممثلة في حزب "عظمة يهودية" برئاسة بن غفير، وتحالف "الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموترتيش.

وسعيا منهم لرفض احتواء بن غفير وعدم التعاون مع اليمين المتطرف بإسرائيل، أوصى سفراء دول الاتحاد الأوروبي في إسرائيل بإلغاء الكلمات والاحتفالات الدبلوماسية "بيوم أوروبا"، بهدف منع بن غفير من إلقاء كلمة والتحدث خلال المراسم الاحتفالية.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن دبلوماسيين أوروبيين حضروا الاجتماع قولهم إن جميع السفراء -باستثناء سفيري بولندا وهنغاريا- عارضوا مشاركة بن غفير في الاحتفالات بيوم أوروبا.

وطرحت خلال مناقشات سفراء الاتحاد الأوروبي إمكانية تأجيل الاحتفالات الدبلوماسية بضعة أيام، لمنح الحكومة الإسرائيلية فرصة لإرسال ممثل آخر، لكن السفراء يخشون أن يستمر بن غفير في الإصرار على المشاركة.

وأمام هذه المستجدات في العلاقات، تعتقد المحاضرة في برنامج الدراسات الأوروبية بالجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب الدكتورة مايا شيوان أن منح نتنياهو صلاحيات واسعة للوزيرين بن غفير وسموتريتش في إدارة النشاط الأمني والأنشطة المدنية في الضفة يوضح ما كان متوقعا بتصاعد المواجهة والصدام بين اليمين المتطرف في إسرائيل والاتحاد الأوروبي.

وأوضحت شيوان للجزيرة نت أن إصرار الحكومة الإسرائيلية على إيفاد بن غفير للمشاركة في احتفالات "يوم أوروبا" يحمل في طياته رسائل مختلفة، ومنها محاولة إكساب بن غفير وأحزاب اليمين المتطرف شرعية في أوروبا ولدى المجتمع الدولي، الأمر الذي من شأنه التسبب مستقبلا في صدام وتوتر بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي.

وأشارت إلى أن صداما أو فتح جبهة من قبل اليمين المتطرف في إسرائيل ضد الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد في الوقت الحاضر يمكن أن يضر المصالح الإسرائيلية، ويخلق تحالفا مضادا واسعا ضد إسرائيل، وذلك بسبب الائتلاف الحكومي الذي يعتمد في الأساس على أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الدينية المتشددة.

تداعيات سلبية

لذلك، لا تستبعد أن تكون لهذا الصدام وإقحام بن غفير واليمين الإسرائيلي المتطرف على الاتحاد الأوروبي تداعيات سلبية على مستقبل العلاقات والشراكة والتعاون بين تل أبيب وسفراء الاتحاد الأوروبي، في وقت تهتم فيه البعثة الأوروبية بزيادة الشراكة مع إسرائيل على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة الطاقة، وقدرات إسرائيل في مجالات الطاقة والأمن.

وترى شيوان أن على نتنياهو ووزير الخارجية إيلي كوهين تحمل المسؤولية ومنع بن غفير ومعسكر اليمين المتطرف من أن يصبح بؤرة جديدة للتصعيد وإلحاق المزيد من الضرر في السياسات الخارجية والإقليمية، خاصة مع الاتحاد الأوروبي.

وبالنظر إلى تركيبة الائتلاف الحالي، تقول شيوان "ستكون لحكومة إسرائيل ووزارة الخارجية معركة احتواء صعبة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يعد الشريك الرئيسي لإسرائيل في مجالات الزراعة، والتجارة، والبحث العلمي، والطيران، والأمن، والطاقة".

تحالف إستراتيجي لليمين

ورغم التوتر الرسمي الخفي بين حكومة نتنياهو وأوروبا، فإن تقدير موقف صادر عن المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم) -وتناول العلاقات الدبلوماسية الإستراتيجية- يظهر أن هناك تحالفا إستراتيجيا بين اليمين المتطرف في إسرائيل وأوروبا.

ووفقا لتقدير الموقف -الذي تلقت الجزيرة نت نسخة عنه- فإن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل تتناغم بل وتتحالف مع اليمين المتطرف في أوروبا التي طالبت سفراء الاتحاد والبرلمان الأوروبي بعدم التدخل في شؤون إسرائيل الداخلية، خاصة كل ما يتعلق في خطة الإصلاحات القضائية.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يتصرف بشكل محسوب مع الحكومة الإسرائيلية، بسبب لقاء بعض المصالح والتصادم بين بعضها، سواء في الحرب بأوكرانيا، أو العودة للاتفاق النووي، أو أزمة الطاقة بأوروبا، وعليه رفع صوته في وقت متأخر ضد بن غفير، وبسبب سعي نتنياهو لفرضه على أوروبا كوزير يتمتع بشرعية.

رسائل سياسية

وذكر مدير معهد "ميتفيم" نمرود جورون أن الاتحاد الأوروبي وبسبب لقاء وتصادم المصالح حرص على عدم التدخل في حكومة نتنياهو السادسة، وهي الحكومة اليمينية الأكثر تطرفا التي تشكلت في إسرائيل.

وأوضح جورون للجزيرة نت أن ما يعكسه نهج بن غفير وسموتريتش -بشطب القضية الفلسطينية- وتثبيت هذه الأيديولوجيا ضمن الاتفاقيات الائتلافية؛ يأتي خلافا لموقف الاتحاد الأوروبي الذي لم يتغير ويدفع نحو إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل.

ويرى أن انتداب حكومة نتنياهو بن غفير للمشاركة بالاحتفالات يحمل دلائل ورسائل سياسية إلى أوروبا على وجه الخصوص، وهي لا تقتصر على قبول بن غفير، وإنما قبول أيضا البنود المضمنة في الاتفاقات الائتلافية للحكومة، وهي الحق في الأرض بأكملها في فلسطين التاريخية للشعب اليهودي، ونواياها لضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.

المصدر : الجزيرة