خطوة للأمام وأخرى للخلف.. تبريد الملفات الساخنة بين مصر وإيران قبل عودة العلاقات

كومبو للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
نائب إيراني يتوقع ترتيب لقاء مستقبلا بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي (الجزيرة)

القاهرة ـ "خطوة للأمام.. وخطوة للخلف"، هكذا وصف مصدر مسؤول في وزارة الخارجية المصرية العلاقات مع إيران على مدى أكثر من 4 عقود شهدت الكثير من الشد والجذب وتأثرت بالتفاعلات الإقليمية والدولية لكنها تجمدت عند نقطة معينة لم تتجاوزها.

ووفق ما جاء في حديث المصدر المصري المسؤول للجزيرة نت والذي اشترط عدم الكشف عن اسمه فقد فتح إعلان كل من الرياض وطهران التوصل إلى اتفاق، لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، برعاية صينية، البابَ أمام احتمالات خطوة مماثلة قد تفضي إلى عودة العلاقات المقطوعة بين مصر وإيران.

وتجدد الغزل الدبلوماسي من جانب طهران على أكثر من مستوى في الأيام الأخيرة وكشف عن وجود قنوات اتصال مباشرة مع القاهرة التي قابلت ذلك بالصمت على الصعيد الرسمي، في حين كشف المسؤول بوزارة الخارجية المصرية للجزيرة نت النقاب عن استمرار الخلافات بشأن عدد من الملفات، وقال إن مصر "ليست في عجلة من أمرها".

وأوضح المصدر أن موقف إيران الداعم لحركتي حماس والجهاد في فلسطين يأتي في مقدمة نقاط الخلاف التي لا تزال قائمة، كما ذكر أن مصر تشترط توقف إيران عن التدخل في شؤونها الداخلية وكذلك دول الجوار والالتزام بمحددات الأمن القومي المصري مع تسوية أمنية لملف عناصر مصرية متهمة بما سماه الإرهاب وتلجأ إلى طهران.

واعتبر المسؤول المصري أن تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية يؤكد أن "السياسة شيء متغير ومتطور وفقا للمصلحة" في إشارة إلى إمكانية إسقاط ذلك على التقارب المحتمل بين القاهرة وطهران لكنه قال إن هناك صعوبة في التكهن بأي موعد لاستئناف أو تطبيع العلاقات، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن التقدير الرسمي الإيراني لمصر وللرئيس عبد الفتاح السيسي يتزايد بصورة كبيرة.

وأشار إلى أن التوجه حاليا في القاهرة هو "التريث فلا يوجد ما يستدعي الاستعجال"، مضيفا "ننتظر ونرى سياسات إيران في المرحلة المقبلة".

 

صعوبات في الطريق

في المقابل، لا يبدو الطريق ممهدا كما يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة المنوفية حازم الغندور في حديثه للجزيرة نت ويشير إلى أن إسرائيل على سبيل المثال لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تسمح بمثل هذا التقارب، معتبرا أن تطبيع العلاقات بين أكبر قوتين إقليميتين لن يكون أبدا في صالح إسرائيل.

في هذا السياق أيضا تتوقع مي سماحة أستاذة العلوم السياسية بجامعة مصر للعلوم أن يستمر التقارب "على استحياء" بين القاهرة وطهران.

وقالت سماحة للجزيرة نت إن التقارب المتوقع بين مصر وتركيا والذي بدأت خطواته مؤخرا بزيارات متبادلة لوزيري خارجية البلدين سيشجع القاهرة على المضي قدما في التحرك بشكل إيجابي في اتجاه طهران.

لكن "حسن نافعة"، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، قال في تغريدة له إن هناك دولا وقوى من مصلحتها العمل على تحييد أي تقارب بين مصر وإيران لأن هذا التقارب سيؤدي إلى تغيرات "جيو-إستراتيجية" في المنطقة وستعاني منه حتما تل أبيب".

وكان البلدان قد قطعا العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1980، أي بعد عام واحد من الإطاحة بآخر شاه لإيران، محمد رضا بهلوي، الذي فر إلى مصر وحصل فيها على حق اللجوء، واستؤنفت العلاقات من جديد بعد ذلك بـ 11 عاما لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح.

القاهرة تتمهل

ويذهب الباحث في الشؤون الآسيوية بجامعة القاهرة ولدى وزارة الخارجية أسامة السباعي إلى الاعتقاد بأن القاهرة سوف تتمهل قليلا قبل اتحاذ أي خطوة أو الرد بشكل إيجابي على "الغزل الدبلوماسي الإيراني".

واعتبر السباعي في حديثه للجزيرة نت أنه لا توجد حاجة إستراتيجية لتسريع خطوات تطوير العلاقات رغم إدراك مصر لأهمية الدور الإيراني في المنطقة.

وقال السباعي متسائلا "هل برهنت إيران على تغيير سياستها وتوقفت عن التدخل في شؤون مصر وعن دعم الجماعات الجهادية؟"، مضيفا "علينا أن ننتظر ونراقب سلوك إيران في المرحلة المقبلة".

وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد قال في تصريح تلفزيوني مقتضب لدى مغادرته للمشاركة في القمة العربية بالسعودية إن "العلاقة مستمرة مع إيران على ما هي عليه وعندما تكون هناك مصلحة في تغيير منهج ما، فبالتأكيد نلجأ دائما لتحقيق المصلحة".

كما قال شكري إن "عدم الثبات في السياسة شيء طبيعي، لأن الهدف منها تحقيق المصلحة"، موضحا أن "المتغير يتطلب تقييما للعوائد المستفادة منها، وما هو المستقبل بعد تطوير تلك العلاقات".

تفاؤل إيراني

وقابل الصمت المصري تفاؤل من جانب إيران التي عاودت الغزل الدبلوماسي هذه المرة على لسان وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي أعرب عن أمله في أن تشهد العلاقات تطورا وانفتاحا جديّا ومتبادلا.

وتطرق عبد اللهيان في مقابلة مع وكالة "إرنا" الإيرانية للأنباء، إلى "ارتقاء في مستوى العلاقات بين إيران ومصر"، وأوضح أن مكتب رعاية مصالح البلدين ينشط في طهران والقاهرة، معتبرا أن ذلك يمثل قناة مهمة للاتصال المباشر بين البلدين.

وكشف الوزير الإيراني عن وجود دول لم يسمها تبذل جهودا وتشجع البلدين حاليا على رفع مستوى العلاقات بينهما، مؤكدا عقد لقاءات بين رؤساء مكتب رعاية المصالح للبلدين في طهران والقاهرة، قائلا "العلاقات مع مصر تأتي ضمن أولوية سياسة إيران الخارجية".

وفي سياق متصل، جاء إعلان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، فدا حسين مالكي، أنه سيتم إعادة فتح سفارتي إيران ومصر قريبا.

وذكر في التصريحات التي بثتها وكالة "مهر" للأنباء أن المفاوضات بين إيران ومصر جارية في العراق وستستأنف العلاقات بين البلدين في المستقبل القريب.

وتوقع النائب في مجلس الشورى الإيراني افتتاحا قريبا للسفارتين في كلا البلدين، وقال إنه "بعد هذه الخطوة، سيتم ترتيب لقاء بين الرئيس الإيراني، السيد إبراهيم رئيسي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي".

تبريد الملفات الساخنة

ويرصد المراقبون سلسلة من المتغيرات الضاغطة التي دفعت جميع القوى إلى إعادة النظر في مواقفها بعد أن تبدلت قواعد اللعبة بشكل كبير كما يقول سامي الجابري الخبير بمركز الدراسات العربية في حديثه للجزيرة نت.

ويذهب الجابري إلى الاعتقاد بأن الغزو الروسي لأوكرانيا فرض على غالبية الدول التحرك نحو تبريد الملفات الساخنة وتصفير المشكلات وتغليب المصالح الوطنية.

وقال إن مصر يجب أن تنظر إلى التقارب السعودي الإيراني من هذا المنظور وتتحرك من خلاله إذا أرادت تغليب مصلحتها العليا "وعليها أن تتعاطى بشكل إيجابي مع الخطوات الإيرانية للتطبيع والتعاون".

واعترف الجابري بأن مصر ربما تتعرض لضغوط أميركية وإسرائيلية لمنعها من السير في هذا الاتجاه "لكن عليها أن تختار مصلحتها"، كما يرى الجابري أن التحرك الإيراني نحو السعودية ومصر هدفه بشكل أساسي كسر العزلة الإقليمية والدولية على طهران والتغلب على جانب من المشكلات الداخلية.

وكان لافتا أن الترحيب المصري بالتقارب السعودي الإيراني قد ربط على الفور بين هذه الخطوة وبين ضرورة تخفيف حدة التوتر بالمنطقة وفق ما جاء في بيان رئاسي.

ووفق المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية أحمد فهمي، فإن القاهرة تتطلع إلى أن يكون لهذا التطور مردود إيجابي إزاء سياسات إيران الإقليمية ويشكل فرصة لتأكيد توجهها نحو سياسة تراعي الشواغل المشروعة لدول المنطقة.

المصدر : الجزيرة