الشهيد الفلسطيني هارون أبو عرام.. هكذا تحولت لحظات الفرح إلى عذاب استمر عامين

فلسطين-الخليل-مسافر يطا-قرية الرّكيز-عوض الرجوب-15 فبراير 2023: الشهيد هارون أبو عرام أصيب في 1 يناير 2021 واستشهد يوم 14 فبراير 2023 (الصورة من جوال والده للجزيرة نت)
الشهيد هارون أبو عرام أصيب قبل عامين برصاصة في العنق من المسافة صفر (الجزيرة)

رام الله- من مسافة صفر أطلق جندي إسرائيلي النار على الشاب الفلسطيني هارون أبو عرام، من سكان تجمع "الرّكيز" الفلسطيني جنوبي الضفة الغربية، فأصابه برصاصة في العنق أدت إلى شلل شبه كامل.

وبعد نحو عامين من المعاناة والتنقل بين المستشفيات، تفاقمت حالة هارون حتى فاضت روحه شهيدا في مستشفى محلي، خلال محاولة علاج تقرحات في جسده.

تعيش أسرة هارون في كهوف شرقي بلدة يطا، جنوبي الخليل، وكلما أضافت غرفة أو مسكنا من الصفيح سارع جيش الاحتلال إلى هدمه، وكانت آخر مرة أواخر عام 2020، حين هدمت غرفة من الطوب والصفيح.

من الفرح إلى المأساة

وكان مطلع يناير/كانون الثاني 2021 يوما مختلفا تحول فيه الفرح إلى حزن ومأساة للشهيد وعائلته ومحبيه، في ذلك اليوم كان هارون على موعد مع زيارة خطيبته وعائلتها، وأعد لهم وليمة العشاء.

مع بداية ليلة سعى هارون إلى أن تكون سعيدة بوجود خطيبته وأصهاره، دهمت قوة إسرائيلية تجمعهم، لمصادرة مولد كهربائي يستخدمه السكان للإضاءة، ولدى محاولته الدفاع عن المولد، ومنع مصادرته أطلق عليه جندي النار من مسافة صفر رصاصة أصابته في العنق، حسبما يقول -للجزيرة نت- والده رسمي أبو عرام المعروف بـ"أبو هارون"، فأصابه بالشلل وانقلب الفرح إلى مأساة وحزن.

وفي حينه، انتشر بكثافة مقطع فيديو للجندي وهو يصيب هارون من مسافة قريبة، في مشهد أثار استنكارا وإدانة دولية واسعة، ومطالبات لإسرائيل بالتحقيق ومعاقبة الجناة.

أدت الإصابة -وفق والد هارون- إلى "تهتك النخاع الشوكي، وتلف في الأنسجة وهو ما أدى إلى شلل كامل وتوقف الحركة إلا جزئيا في الرأس".

في حين قالت وزارة الصحة الفلسطينية في ذلك الوقت إن رصاصة أصابت الأعصاب والعمود الفقري وأدت إلى إصابة هارون بشلل رباعي.

فلسطين-الخليل-مسافر يطا-قرية الرّكيز-عوض الرجوب-15 فبراير 2023: رسمي يوسف أبو عرام/والد الشهيد هارون أبو عرام
والد الشهيد هارون أبو عرام يُصر على مقاضاة جيش الاحتلال (الجزيرة)

10 شهور من العلاج

بعد الإصابة، مكث هارون زهاء 5 أشهر يتلقى خلالها العلاج في قسم العناية المكثفة بالمستشفى الأهلي بمدينة الخليل، في محاولة يائسة لإعادة الحياة ولو جزئيا لأعضاء حيوية من جسده، ومساعدته على التنفس، وتلك الفترة توقف فيها قلب هارون 5 مرات خلال وجوده في المستشفى، لكن الحياة كانت تكتب له من جديد.

حاول أبو هارون نقل نجله الجريح إلى مستشفى إسرائيلي لعلاجه على حساب السلطة الفلسطينية، لكنه لم يحصل على الموافقات اللازمة، فاضطر إلى نقله لمستشفى إسرائيلي متخصص في تأهيل الأعضاء الحيوية وخاصة الرئتين، على نفقته الشخصية، وهناك مكث 5 أشهر أخرى استطاع في نهايتها أن يتنفس بمساعدة جهاز يوضع في الرقبة.

بعد استنفاد فرص العلاج في المستشفيات الفلسطينية والإسرائيلية، عاد والد هارون بابنه الجريح إلى منزله في تجمع الرّكيز، وهيأ له كهفا وسريرا وكرسيا متحركا يناسب احتياجاته.

في الشهور الأخيرة، ازدادت مأساة هارون، إذ بدأ يعاني تقرحات في أنحاء جسده، قادت إلى بتر أسفل قدمه اليمنى، ثم انتشرت التقرحات إلى باقي أنحاء جسده واخترقت عظم الرجل اليمني من منطقة الفخذ.

واصل الوالد علاج ابنه غير يائس، ونقَله عدة مرات إلى المستشفيات المحلية، لكن النهاية كانت في مستشفى يطا المحلي، حين كان يستعد لعملية استئصال ما تبقى من رجله اليمنى.

يقول والد هارون: "أجرى الأطباء التنظيفات اللازمة لعظم الرجل استعدادا لعملية استئصال الرجل من الحوض، لكن حالة الشهيد ساءت سريعا وفارق الحياة عن عمر يناهز 25 عاما".

باستشهاده، أنهى هارون عذابا عاشه وأسرته لأكثر من عامين، يضاف إلى العذاب الذي تعيشه عائلته جراء الاستيطان المتفشي على حساب أراضيها.

ويقول والده "كلفتني رحلة علاج هارون أكثر من مليون شكيل (نحو 300 ألف دولار)، وكنت مستعدا لدفع مزيد من الأموال مقابل أن تتحسن صحته ويبقى حيا"، موضحا أن الاحتلال الإسرائيلي لم يحقق في الحادثة، واعتبرها دفاعا عن النفس.

ومع إيمانه بغياب العدالة في المحاكم الإسرائيلي، فإن والد الشهيد يُصر على مقاضاة جيش الاحتلال على فعلته، من باب بذل كل جهد مستطاع، وعلى أمل أن ينقل ملف ابنه مستقبلا لمحاكم دولية.

فلسطين-الخليل-مسافر يطا-قرية الرّكيز-عوض الرجوب-15 فبراير 2023: الكهف الذي تعيش فيه أسرة الشهيد هارون أبو عرام وأمضى فيه أيامه الأخيرة
الكهف الذي تعيش فيه أسرة الشهيد هارون أبو عرام والذي أمضى فيه أيامه الأخيرة (الجزيرة)

بقي الكرسي وذهب هارون

منذ وفاته أمس الثلاثاء، تقيم عائلة الشهيد بيت عزاء قرب منزل تملكه داخل بلدة يطا، تسهيلا على المعزين، ولتجنيبهم أي مخاطر قد تنتج عن زيارتها في "الركيز" شرقي البلدة.

أما في كهف العائلة، فبقي كرسي هارون المتحرك شاهدا على واحدة من أكثر جرائم الاحتلال بشاعة.

اصطحب محمد أبو عرام -الشقيق الوحيد للشهيد- مراسل الجزيرة نت إلى الكهف الذي أمضى فيه هارون آخر أيامه، حيث كانت محاولات متواضعة لتهيئة الظروف له من تمهيد للتربة ووضع مقاعد في الهواء الطلق لاستقبال الضيوف وغير ذلك.

ويقع تجمع "الركيز" ضمن مساحة تصل إلى 35 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) إلى الشرق من بلدة يطا والمسماة "مَسافر يطا" ذات الملكية الخاصة، التي أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية مايو/أيار 2022 اعتبارها مناطق تدريب عسكري وأجازت طرد سكانها الذين يتجاوز عددهم 1200 نسمة.

وتقع مسافر يطا ضمن المنطقة المصنفة "ج" وفق اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وتشمل هذه المنطقة نحو 60% من الضفة وتخضع للسيطرة الإسرائيلية من نواحي الأمن والتخطيط والبناء.

المصدر : الجزيرة