الحرب تعيد الرسائل الورقية كوسيلة اتصال معتمدة في السودان

مواطن في أحد أسطح المنازل في ولاية الجزيرة بحثاً عن إشارة لا سلكية (الجزيرة)
مواطن سوداني على أحد أسطح المنازل في ولاية الجزيرة بحثا عن إشارة لاسلكية (الجزيرة)

الخرطوم- مع انقطاع وتذبذب خدمات الاتصال في السودان منذ الحرب التي اندلعت في أبريل/نسيان الماضي، تلجأ آمنة موسى إلى الرسائل الورقية عن طريق الحافلات السفرية ومكاتب الترحيل، للاطمئنان على أسرتها في نيالا عاصمة جنوب دارفور.

آمنة لم تكن استثناء، يقول الصحفي عيسى دفع الله للجزيرة نت "وأنا في نيالا كانت معظم الرسائل بين الصحفيين لنقل الأخبار بخط اليد، فكنت أسأل عن سير العمليات العسكرية والوضع الصحي، وقد وفرت لي الرسائل الورقية معلومات وتفاصيل دقيقة غائبة عن الإعلام.

وأدت حرب أبريل/نيسان المنصرم، إلى تراجع ملحوظ في مستوى جودة الخدمات ورقعة التغطية الشبكية، كما تضررت الأعمال التجارية للشركات بصورة واسعة.

وتعمل في السودان 3 شركات لتقديم خدمات الهاتف المحمول: Zain (إحدى الاستثمارات الكويتية في السودان)، وMTN وSudani بالإضافة لشركتي: كنار التي تقدم خدمات الإنترنت، وشركة سوداتل.

وشهد الأسبوع الأول من الحرب خروج 3 من شبكات الاتصالات العاملة في السودان من الخدمة، مما أثر في القدرة على الاتصال بين المشتركين، الذين يقدر عددهم بـ35 مليون مشترك.

ويعاني عدد من السودانيين من صعوبة التواصل مع ذويهم العالقين في مناطق الاشتباكات، ويلجأ بعضهم للتنقل عبر الدواب أو سيرا على الأقدام لمدة لا تقل عن ساعتين للتواصل، وظلت الرسائل الورقية وسيلة لنقل أخبار الأُسر بين مدن إقليم دارفور في ظل الانقطاع التام لشركات الاتصال في بعض مدن الإقليم.

كما أثر انقطاع وتذبذب خدمات الاتصال في عدد من القطاعات، كالقطاع المصرفي، والإعلامي.

أضرار وخسائر

اعتمد مستخدمو الهاتف السيار على شبكة زين Zain للاتصالات التي ظلت تعمل وحيدة بعد خروج كل من شركات: سوداني وMTN وشركتي كنار وسوداتل عن خدمة الإنترنت في السودان.

وقال مصدر بقطاع الاتصالات للجزيرة نت "إن ذلك أدى إلى وضع إمكانات زين التقنية تحت ضغط كبير؛ بسبب توافد الآلاف للاستفادة من خدمات الشركة".

وأدت عمليات التخريب والنهب التي شملت المخازن الرئيسة للشركات لفقدان كميات كبيرة من قطع الغيار، ليتراجع مستوى جودة الخدمة في بعض المناطق.

وقال المصدر، إن "صعوبة تنقل فرق عمل الصيانة للمحطات، وتزويدها بالوقود والصعوبات التي تواجهها في ظل تذبذب خدمة الكهرباء، أدت إلى فقدان شركة Zain الاستفادة من نسبة كبيرة من البنية التحتية الكلية لأبراجها ولتغطيتها، خاصة في ولايات الخرطوم ودارفور، مما تسبب في تراجع حركة مرور البيانات والمحادثات الصوتية"، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى تراجع كبير في الدخل العام للشركة.

الخدمات المصرفية

وحسب مصادر تحدثت للجزيرة نت، كانت سوداني أكثر الشركات تضررا نتيجة الحرب، حيث أصاب الضرر عدد من فروعها خاصة في حي الخرطوم 2، وأثر ذلك في الشهور الأولى للحرب بشكل كلي على التطبيقات البنكية، لارتباط القطاع المصرفي بقطاع الاتصالات من حيث الربط الشبكي والخدمات.

وقال مصدر للجزيرة نت، إن الضرر الذي أصاب المقسمات الرئيسة لشبكات الاتصالات، والأضرار التي لحقت بها لا يمكن إصلاحها إلا بعد الحرب.

من جهته قال مهندس بشركة (سوداني Sudani) للجزيرة نت، إن "أكثر المناطق تضررا في تغطية خدمات الشركة إقليم دارفور وولاية الخرطوم التي تقلصت بنسبة كبيرة".

وإثر تداعيات حرب السودان التي مضى عليها 9 أشهر، تعرضت الشركات العاملة في قطاع الاتصالات والتقنية، لخسارة في أصولها؛ بسبب تخريب واحتلال المقار والمحطات، وتخريب ونهب المستودعات الرئيسة، التي تحوي معدات وأجهزة وقطع غيار زيادة سِعات الشبكة.

وأوضح مصدر الجزيرة نت أن هذه الخسائر تعني أن مشروعات زيادة السعات التي كانت قد شرعت فيها شركتا Zain وSudani قد توقفت بسبب خسائر الحرب.

وفي الوقت الذي تستحوذ فيه Zain على نسبة 50% من الحصة السوقية للهاتف المحمول في السودان، تستحوذ شركة MTN وهي استثمار جنوب أفريقي على نسبة 26%، وشركة سوداتل عبر مشغلها (سوداني Sudani) على نسبة 24%.

أكثر القطاعات تضررا

وقال مهندس اتصالات -طلب عدم ذكر اسمه-، إن قطاع الاتصالات من أكثر القطاعات التي تضررت جراء الحرب في السودان.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أنه بالنسبة لولايات السودان كانت المشكلة الرئيسة حركة النزوح الكبيرة من ولاية الخرطوم لبقية ولايات السودان، فأصبحت الكثافة السكانية لا تتناسب مع البنى التحتية لمعظم الولايات، مشيرا إلى أن الحل المبدئي كان توسعة معظم شبكات الولايات لاستيعاب الكثافة السكانية الكبيرة، وما زال العمل جاريا لمحاولة تحسين تغطية الشبكة (مكالمات– إنترنت).

وحول نسبة تقلص تغطية خدمات شركات الاتصال جراء الحرب، قال مهندس الاتصالات، إن "التغطية موجودة في معظم ولايات السودان حتى في مناطق النزاع المباشر، لكن تأثرت جودة المكالمات والإنترنت بنسبة كبيرة يصعب جدا قياسها"، وأوضح إذا كانت جودة المكالمات والإنترنت 8 من 10 قبل الحرب، فإنها بعد الحرب وحركة النزوح قد تكون أقل من 4 من 10.

تعطل الخدمات الأساسية

من جهته قال الخبير الاقتصادي عمر محجوب الحسين، إن "انزلاق السودان في الصراع المسلح منذ 15 أبريل/نيسان الفائت، أدى إلى تعطل الخدمات الأساسية، بما في ذلك الاتصالات السلكية واللاسلكية".

وفي الوقت الذي لم تُشِر فيه معظم أدوات قياس الإنترنت إلى حدوث انقطاع كلي، يقول عمر محجوب للجزيرة نت "إن شركة Cloudflare التي تقيّم أداء وسرعة مواقع الويب، أكدت انخفاضا في حركة المرور على الإنترنت في السودان منذ 15 بريل/نيسان الماضي، ولم يحقق استعادة خدمات شركات الاتصال في تمكين الوصول إليها".

وحسب منظمة Netblocks (منظمة لقياس الإنترنت)، انهارت خدمات شركة كنار للاتصالات وسط الصراع.

وينبه عمر محجوب إلى أن ضعف معدل انتشار الإنترنت في السودان -الذي يبلغ 28.4%- قلّل من الكلفة الاقتصادية لانقطاع الخدمات.

المصدر : الجزيرة