غطى على باقي الأحداث.. زلزال الحوز عنوان 2023 بالمغرب

زلزال المغرب - منطقة أسيف نونزال تضم34 قرية دمرت كلها تقريبا
زلزال الحوز سيبقى حدثا يطبع ذاكرة أجيال من المغاربة (الجزيرة)

الرباط- سيظل 8 سبتمبر/أيلول 2023 تاريخا حيا في أذهان المغاربة خلال العقود القادمة، ففي الـ11 ليلا اهتزت الأرض تحت أقدام الملايين منهم قبل أن يعوا بعد ذلك بساعات أن الأمر يتعلق بزلزال بقوة 7.2 درجات على مقياس ريختر ومركزه قرية إغيل على عمق 8 كيلومترات.

وتقع هذه القرية داخل الصفيحة التكتونية وليس عند أطرافها أو حدودها مع صفيحة أخرى كما هو معتاد في الزلازل، مما شكل مفاجأة لعلماء الجيولوجيا.

وشمل الدمار 7 أقاليم هي الحوز ومراكش وورزازات وأزيلال وتارودانت وشيشاوة، وشعر بالاهتزازات سكان الرباط والدار البيضاء الذين يبعدون عن مركز الزلزال بنحو 400 و300 كلم على التوالي.

مسجد تنمل بعد الزلزال تينمل...قصة مسجد صمد تسعة قرون ودمره زلزال الحوز عبد الغني بلوط
من خسائر الزلزال مسجد تنمبل الذي عمّر لأكثر من 9 قرون (الجزيرة)

حصيلة ثقيلة

أسفر زلزال الحوز عن وفاة 2960 شخصا وتدمير المباني السكنية والطرق، ووجد عناصر الإنقاذ صعوبة في الوصول إلى المناطق المتضررة التي تقع وسط تضاريس جبلية صعبة زاد صعوبتها انقطاع الطرق وانهيارها، مما حال دون وصول الآليات والعربات وحتى المساعدات.

وقدرت الحكومة المغربية عدد المتضررين بحوالي 2.8 مليون نسمة، وبلغ عدد القرى التي طالها الدمار 2939 قرية، كما أن ما لا يقل عن 59 ألفا و674 منزلا انهارت جراء الزلزال، 32% منها انهارت بالكامل.

وأعلنت الحكومة المغربية عن حزمة مساعدات مالية واجتماعية للضحايا بلغت نحو 8 مليارات درهم (حوالي 800 مليون دولار) شملت منحا مالية لإعادة بناء وتأهيل المساكن المتضررة.

وبعد 3 أشهر من الزلزال بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها، وشرع السكان في مجموعة قرى ثلاث نيعقوب بالحوز في ديسمبر/كانون الأول الجاري في إعادة بناء منازلهم المتضررة وفق تصاميم نموذجية تراعي خصوصية المنطقة وذلك بعد صرف الحكومة التعويضات، فيما تتواصل في عدد من القرى عملية إزالة الأنقاض والأتربة، وذلك من أجل بدء إعادة البناء.

ويأمل السكان من خلال إعادة بناء منازلهم العودة إلى حياة الاستقرار بعدما قضوا أشهرا في إقامات مؤقتة وخيام، فيما لم تعد تفصلهم عن شتاء المنطقة القاسي سوى أسابيع.

استمرار السنوات العجاف

وإلى جانب الزلزال وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية شهدت المملكة أحداثا أخرى أرخت بظلالها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، ومن أبرزها استمرار السنوات العجاف.

وللعام السادس على التوالي عانت المملكة من موسم جفاف قاس كانت له تبعات سلبية على القطاع الفلاحي (يساهم بنسبة 14% من الناتج الداخلي الخام) وعلى فرص العمل.

وبحسب آخر بيانات المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، فإن الاقتصاد المحلي فقد 297 ألف فرصة عمل ما بين الربع الثالث 2022 والربع ذاته من السنة الحالية، معظمها (269 ألفا) في القرى بسبب موجة الجفاف.

وبالإضافة إلى الجفاف كان للاضطرابات العالمية وارتفاع أسعار المحروقات تأثير سلبي على القدرة الشرائية للمواطنين الذين عانوا من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.

وكان الجزء الأخير من سنة 2023 صعبا بالنسبة للأسر المغربية، إذ حرم أبناؤها من الدراسة بسبب الإضرابات المتواصلة للأساتذة منذ بداية الموسم الدراسي.

ووجد الآباء والأمهات أبناءهم ضحايا التوتر في قطاع التعليم، إذ رفض الأساتذة النظام الأساسي الذي جاءت به الوزارة كونه لا يستجيب لمطالبهم المرفوعة منذ سنوات، فيما تمسكت الوزارة به، معتبرة إياه وسيلة لإصلاح المدرسة الحكومية.

ورغم ما شهدته من أحداث حزينة وتوترات اجتماعية فإن سنة 2023 لم تخل من لحظات سعيدة مثل تأهل المنتخب الوطني للسيدات إلى ثمن نهائي كأس العالم لأول مرة وفي أول مشاركة لهن في البطولة، وإعلان الفيفا اختيار ملف المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم كأس العالم 2030.

مصاعب وفرص

بدوره، يرى المحلل السياسي محمد بودن أن سنة 2023 كانت مليئة بالتحديات والإكراهات التي نجحت المملكة في التكيف معها وأظهرت مرونة في امتصاص تداعياتها.

أما الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق فيرى أن هذه السنة كانت قاسية وصعبة وألقت عدد من الأحداث والوقائع بظلالها على الاقتصاد ودينامية مجموعة من القطاعات الاقتصادية بالمغرب وعلى القدرة الشرائية للأسر المغربية.

ويقول بودن للجزيرة نت إن تدبير آثار زلزال الحوز يمثل إحدى قصص نجاح المغرب في التغلب على الأزمات والكوارث بتخطيط وفعالية وتآزر وتضامن، مشيرا إلى سلسلة من التدابير الاستعجالية الموجهة إلى الفئات الهشة والأكثر تضررا والشروع في تفعيل مخطط للبناء العام والإعمار في المناطق المتضررة.

وعلى الرغم من تأكيده على صعوبة بعض فصول هذه السنة فإنه يرى أنها أيضا سنة الفرص.

وذكر المتحدث عددا من الأحداث المهمة التي شهدها هذا العام، وستكون لها في نظره انعكاسات إيجابية مستقبلا، من بينها اعتماد ترشيح المغرب لتنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، فضلا عن تحول المغرب إلى وجهة دولية لاحتضان المناسبات الدولية والإقليمية في الميادين المالية والاقتصادية والرياضية والثقافية والأمنية وغيرها، مشيرا في هذا الصدد إلى احتضان مراكش المناقشات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ويرى المتحدث ذاته أن إطلاق عدد من المشاريع الاجتماعية، ولا سيما برنامج الدعم الاجتماعي المباشر والشروع في إعادة النظر في مدونة الأسرة سيسهم في الرفع من المستوى المعيشي وتوسيع نطاق شبكة الأمان الاجتماعي والأسري.

تحديات

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق أن استمرار الجفاف خلال العام الجاري كانت له تبعات سلبية على الإنتاج الفلاحي وعلى القدرة الشرائية للمواطنين.

وأوضح الأزرق في حديث للجزيرة نت أن تعاطي الحكومة مع الأوضاع الاجتماعية كان موضوع جدل وانتقادات وملاحظات، بين من اعتبر تحركها بطيئا وتنقصه الجرأة، خاصة أنها لم تتخذ أي قرارات جدية مثل مراجعة الضريبة على الدخل أو تعليق الضرائب أو الرسوم المفروضة على استيراد المحروقات من أجل تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، فيما رأى آخرون أنه لولا الإجراءات التي أعلنتها الحكومة على محدوديتها مثل صرف دعم المحروقات للسائقين المهنيين ودعم الفلاحين بحوالي 10 مليارات دولار (100 مليون دولار) لشراء البذور والأعلاف ومواجهة آثار الجفاف لكانت الأوضاع ستكون أسوأ مما هي عليه.

وأشار إلى أن عددا من الأحداث التي طبعت هذه السنة ستظل تداعياتها مستمرة إلى العام المقبل، مثل زلزال الحوز والجفاف والتضخم والاحتجاجات المتواصلة للأساتذة.

وفي ظل عدم اليقين الذي يطبع المستقبل في مختلف قضايا السيادة الغذائية والطاقية والصناعية على المستوى الدولي يرى بودن أن سنة 2024 ستكون بالنسبة للمغرب سنة التوقعات والمضي في الخيارات الحاسمة، كما أنها سنة تعزيز الأسس القوية للمستقبل والتعامل مع التحديات المؤقتة وغيرها من التحديات القادمة.

المصدر : الجزيرة