سابقة بالقدس.. أقرب الأحياء لباب المغاربة مهددة بالإخلاء الوشيك

القدس المحتلة- تفاجأ مئات المقدسيين، صباح أمس السبت، بلافتات أمام بيوتهم تنذرهم بإخلائها خلال شهرين، من أجل تلبية "احتياجات الجمهور وإقامة خط مواصلات لعدد كبير من الركاب" وذلك على بعد 180 مترا من باب المغاربة أحد أبواب سور القدس المحتلة، وتحديدا المدخل الشمالي الغربي لبلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى المبارك.

"ما رح نطلع إلا على القبر" هذا ما قاله المقدسي عبد أبو عرام للجزيرة نت معقبا على إنذار الإخلاء، حيث وقف مع حشد من الأهالي الذين صدموا بالقرار وبدؤوا بقراءة اللافتات مرارا لمحاولة فهم ما يحدث، حيث اختارت "اللجنة المحلية للتنظيم والبناء" في بلدية القدس هذه الطريقة لتبلغيهم بقرارها.

ويعيش أبو عرام مع أبنائه وأحفاده في بيت اشتراه عام 1985، ويقول إن الإخلاء سيطال نحو 110 عائلات، وسيضر بأكثر من 3500 مقدسي في سلوان وتحديدا حي وادي حلوة، وحي بيضون، وشارع السلام، وأراضي أخرى.

ويضيف حائرا "كتبوا: اخرج من بيتك وخذ تعويضا ماليا، وين أروح بالمصاري، وين أسكّن ولادي، هذا خبر صاعق ونحن في حيرة من أمرنا".

القدس-سلوان-يعيش عبد أبوعرام قرب باب المغاربة منذ 38 عاما ويرفض الخروج من منزله إلا إلى القبر-الجزيرة نت-9_12_2023
أبو عرام يعيش قرب باب المغاربة منذ 38 عاما ويرفض الخروج من منزله إلا إلى القبر (الجزيرة)

إخلاء قسري ومهلة قصيرة

لا يُعرف بعد العدد الدقيق للمقدسيين المهددين بالإخلاء، بسبب عدم تبليغ بلدية الاحتلال للعائلات بشكل فردي، ونشرها خرائط وأسماء مناطق بأسمائها العبرية وأرقام الأحواض.

وقالت البلدية في إعلانها إن مجموع المساحة المصادرة تبلغ نحو 8725 مترا مربعا (حوالي 9 دونمات) ووصفت الأرض المهددة قائلة إنها "طريق العوفل، ملكي تصيدق، معلي هشالوم، غاي بين هينوم، طريق الخليل، طريق ريمز" وجميعها مساحات كبيرة تمتد من محطة القطار العثماني غربي القدس ومنطقة النبي داود، وواديي الربابة وحلوة.

وحسب الاعلان فقد جاء القرار وفقا لقانون الأراضي (الشراء من أجل احتياجات الجمهور) وقانون التنظيم والبناء، وبموجب مخطط القطار الهوائي للبلدة القديمة (تلفريك).

وأمهل السكان 60 يوما من تاريخ نشر الإعلان للتنازل عن ملكيتهم في الأراضي المذكورة، مع حقهم في طلب التعويض شرط إرفاق أدلة ومستندات لإثبات الملكية، وأضاف الإعلان "شراء حيازة الأرض المذكورة سيكون لفترة مؤقتة 8 سنوات".

ويُعلّق مدير مركز معلومات وادي حلوة (جواد صيام) على جزئية الفترة المؤقتة قائلا "عندما يهدم البيت ويطرد أصحابه منه ويقام منتزه أو مشروع آخر، أين سيعود المقدسي بعد انقضاء السنوات الثماني؟". ويضيف للجزيرة نت أن هذه القضية تداولت في المحاكم الإسرائيلية قبل سنوات وكانت بهدف إقامة أعمدة للقطار الهوائي فقط، لكنها اليوم عادت لتستولي على 60% من مساحة وادي حلوة في سلوان.

سكان حي وادي حلوة يتداولون فيما بينهم سبل التصدي لمخطط تهجيرهم (الجزيرة)

سابقة في القدس

يقول صيام في السياق ذاته إن هذا الإخلاء القسري هو الأول من نوعه منذ احتلال شرقي القدس، بعد تهجير أهالي حارة الشرف من البلدة القديمة عام1967، من حيث ضخامة العدد وأهمية الموقع.

ويؤكد للجزيرة نت أن الاحتلال حاول مرارا الاستيلاء على أراض ومنازل في بلدة سلوان، وتمكن من شراء 40 منزلا وإقامة بؤر استيطانية، لكنه عاد اليوم ليقول للأهالي "إن لم تبع في الماضي، فسنجبرك اليوم بالطريقة والسعر الذي نريده".

ونشر قرار الإخلاء أول مرة بأرشيف إعلانات وزارة العدل الإسرائيلية في 19 سبتمبر/أيلول الماضي، ثم نشرت نسخة أخرى بحجة "تصحيح خطأ في الطباعة" في 31 أكتوبر/تشرين أول الماضي، لكن بلدية الاحتلال انتظرت نحو 3 أشهر لإعلام المقدسيين به، مستغلة حالة الحرب وانشغال العالم بما يحدث في قطاع غزة، وحالة القمع والتنكيل التي يتعرض لها المقدسيون منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وحسب المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب فإن المنطقة المهددة بالإخلاء في موقع حساس وهام، حيث شكلت منذ قرون طريقا رئيسا لأهالي سلوان وجنوبي القدس نحو البلدة القديمة والمسجد الأقصى "فباب المغاربة (باب السور) المفضي إلى حائط البراق وباب المغاربة (باب الأقصى) هو الأقرب بالنسبة إليهم. وبالسيطرة على تلك الأراضي وطرد المقدسيين وإغلاق الشارع، سيضطر آلاف المقدسيين لارتياد أبواب أخرى أبعد.

وقال أبو دياب إن معظم المنازل في المنطقة المهددة بنيت قبل احتلال القدس عام 1967، لذلك فشل الاحتلال في هدمها بحجة عدم الترخيص، وابتكر حجة أخرى اليوم، في سبيل خنق المسجد الأقصى والبلدة القديمة، بجهود مباشرة من جمعية "إلعاد" الاستيطانية التي تتخذ من بؤرة "مدينة داود" مقرا لها في قلب وادي حلوة قريبا من المنازل المهددة بالإخلاء.

القدس-سلوان-يهدف الاحتلال من خلال مشاريعه في سلوان إلى خلق حيز مكاني خالٍ من أي مظهر فلسطيني-الجزيرة نت-9_12_2023
الاحتلال يهدف من خلال مشاريعه في سلوان إلى إيجاد حيز مكاني خالٍ من أي مظهر فلسطيني (الجزيرة)

مشاريع متكاملة لتهويد سلوان

يخدم هذا الإخلاء مشروع القطار الهوائي الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية عام 2020، ورفضت المحكمة العليا عام 2022 كل الاعتراضات المقدمة ضده.

ويمتد القطار بطول 1.4 كيلومتر في محيط سور القدس، عبر 4 محطات -إحداها قرب باب المغاربة- بتمويل يصل إلى 200 مليون شيكل (54 مليون دولار) لربط شرقي القدس بغربيها، إضافة إلى قدرته على نقل 3 آلاف سائح ومستوطن في الساعة الواحدة عبر عرباته الـ41.

ويأتي القطار الهوائي استكمالا للمشاريع التهويدية الاستيطانية في بلدة سلوان بدءا من جسر المشاة المعلق فوق وادي الربابة الذي افتتح في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، وشبكة الأنفاق ضمن "مدينة داود" ومرورا بالاستيلاء على أرض الحمراء نهاية وادي الربابة ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، والتمهيد لمشروع "كيدم يورشلايم" فيما يعرف اليوم بموقف "جفعاتي" وليس انتهاء بتهديد عشرات المنازل بالهدم في حي البستان لإقامة حديقة قومية.

ويختم أبو دياب تصريحاته بالقول "يولي الاحتلال أهمية خاصة لبلدة سلوان، ويزعم أحقيته الدينية فيها، ولذلك يعمل منذ احتلالها على قلب الكفة الديموغرافية لصالح المستوطنين، وطمس أي مظاهر فلسطينية وعربية فيها، لإيجاد حيز مكاني يوهم من يزورها أنها يهودية خالصة".

المصدر : الجزيرة