بعد تصريحات البرهان ولقاء آبي أحمد.. هل تخلى السودان عن مصر في ملف سد النهضة؟

Ethiopian Prime Minister Abiy Ahmed (L) walks alongside Sudanese Army Chief Abdel Fattah al-Burhan (C) at Khartoum Airport during a welcome ceremony on January 26, 2023. (Photo by AFP) / “The erroneous mention[s] appearing in the metadata of this photo by has been modified in AFP systems in the following manner: [byline is STR] instead of [ASHRAF SHAZLY]. Please immediately remove the erroneous mention from all your online services and delete it from your servers. If you have been authorized by AFP to distribute it to third parties, please ensure that the same actions are carried out by them. Failure to promptly comply with these instructions will entail liability on your part for any continued or post notification usage. Therefore we thank you very much for all your attention and prompt action. We are sorry for the inconvenience this notification may cause and remain at your disposal for any further information you may require.”
البرهان (يمين) خلال استقباله آبي أحمد في الخرطوم (الفرنسية)

القاهرة- يبدو أن ملف أزمة سد النهضة المتأزم منذ سنوات بصدد تحولات ربما تكون مفاجئة، حسب رأي البعض، وذلك على ضوء إعلان رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان "اتفاق وتوافق" بلاده مع إثيوبيا حول قضايا السد كافة.

حديث البرهان، الذي جاء خلال لقائه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أثناء زيارته للعاصمة الخرطوم قبل يومين، رحبت به دوائر إثيوبية، بينما هاجمه مراقبون مصريون، وعدوه "تطورا خطيرا" ليس في مصلحة بلادهم، في مقابل آراء قللت منه واعتبرته "مجرد تصريحات دبلوماسية".

تصريحات البرهان تزامنت مع مبادرة سياسية طرحتها القاهرة لاحتواء الخلاف بين القوى السياسية السودانية، وذلك حين زار رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل الخرطوم مؤخرا، والتقى مسؤولين في مجلس السيادة وقوى سياسية مختلفة، ودعاهم للاجتماع في مصر مطلع فبراير/شباط المقبل، وهو ما أثار خلافات بين القوى السياسية السودانية بين مؤيد ومعارض للموقف المصري.

على الضفة الأخرى، بدا أيضا أن لدى أديس أبابا هي الأخرى مبادرة لعقد مشاورات مع الأطراف السودانية وتقريب وجهات النظر -حسب مراقبين سودانيين- طرحها آبي أحمد خلال زيارته للخرطوم التي تعد الأولى له منذ أغسطس/آب 2020.

التسابق المصري الإثيوبي نحو طرح مبادرات لحلحلة الأزمة السودانية أثار بدوره تساؤلات عما إذا كان البلدان يسعيان إلى قطع الطريق على الآخر، خاصة أن زيارة آبي للخرطوم جاءت بعد المبادرة المصرية، وهي التي لم تتكرر سابقا بعد توقيع الاتفاق الإطاري في السودان أو بعد عدة مبادرات سابقة لحل الأزمة السودانية.

وتسعى الجزيرة نت إلى الاقتراب من قراءة القاهرة لتصريحات البرهان، وهل يمثل ذلك تخليا من الحكومة الانتقالية عن دعم الموقف المصري؟ وهل ثمة علاقة بينه وبين مبادرات معالجة الأزمة في السودان؟ وكيف ستتفاعل القاهرة مع هذا "الموقف المستجد" على ضوء إرهاصات الملء الرابع لسد النهضة؟

كيف تقرأ مصر تصريحات البرهان؟

رسميا، لم يصدر عن السلطات المصرية تعليق بشأن تلك التصريحات، غير أنها أثارت جدلا واسعا في أوساط مراقبين ومهتمين بقضية السد.

في هذا الصدد، يشير الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد إلى أن بلاده لا تقف مكتوفة الأيدي في متابعة الملف، إذ سبقت تصريحات البرهان زيارة لوزير الري المصري هاني سويلم للخرطوم واتصال هاتفي جمع البرهان ووزير الخارجية سامح شكري، وبالتالي فإن مصر ليست ببعيدة عن حديث البرهان الذي كانت تتوقعه، مشددا في الوقت ذاته على أنه لا يتعارض مع موقف بلاده.

ويعتقد اللواء عبد الواحد -في تصريحات للجزيرة نت- أن حديث البرهان ربما يمثل مجرد رسائل موجهة للداخل السوداني أو الإثيوبي بأن الأزمات العالقة بين البلدين قد تم حلها، كإنجاز للمؤسسة العسكرية التي تدير المرحلة الانتقالية.

ودلل الخبير الأمني المصري على رأيه بالقول إن لقاء البرهان وآبي في الخرطوم سبقه في أكتوبر/تشرين الماضي لقاء في منتدى تانا بإثيوبيا اتفقا خلاله على أهمية حل الأزمات الثنائية التي نشبت بسبب النزاع الحدودي حول منطقة الفشقة أو تدفق لاجئين من إقليم تيغراي الإثيوبي إلى الداخل السوداني، أو أزمة سد النهضة التي مرت بجولات كثيرة من المفاوضات من دون الوصول لحل ووضع آليات لها، لا سيما أن أديس أبابا تقترب من التجهيز لعملية الملء الرابع.

وفسَّر المتحدث تصريحات البرهان بكونها تأتي على ضوء الارتباك السياسي والاقتصادي الذي تمر به السودان، أكثر من أن تنم عن أي اتفاق مع الجانب الإثيوبي حول سد النهضة، الذي ستكون له تداعياته المباشرة السلبية على السودان ومستقبله، وفق قوله.

على الجانب الإثيوبي، ذهب عبد الواحد إلى القول إن الحكومة الإثيوبية تسعى إلى توظيف تلك التصريحات هي الأخرى في الداخل، بقولها إنها حققت إنجازات وإن السد الذي ينتظره ملايين الإثيوبيين في طريقه للانتهاء وإن المشاكل مع دول الجوار تكاد تكون انتهت.

ما الرؤية المصرية للعلاقات السودانية الإثيوبية؟

متفقة مع الطرح السابق، ترى مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (رسمي)، أماني الطويل، تصريحات البرهان طبيعية على ضوء زيارة آبي أحمد للخرطوم، موضحة أنها زيارة تأتي بعد صراع مسلح في إثيوبيا (في إشارة إلى الصراع في إقليم تيغراي)، ونزاعات حدودية مع السودان، أعقبها سقوط أفراد من الجيش السوداني على يد مليشيات الأمهرة بالتعاون مع الجيش الإثيوبي، وفق قولها.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أضافت الطويل أنه من الطبيعي في ضوء ما سبق الإشارة إليه أن يكون هناك نوع من إعلان التوافق بين البلدين بشكل أو بآخر، خصوصا أن ملف التيغراي قد أغلق برمته ولو مؤقتا باتفاق السلام بين الحكومة والمتمردين، وبالتالي فإن التضابط الذي كان بين إثيوبيا والسودان سببه الرئيسي قد انتهى.

وفي ما يتعلق بسد النهضة وقول البلدين إنهما متوافقان، عزته الطويل إلى كونه قد يأتي في إطار "المجاملات السياسية والتصريحات الدبلوماسية"، لأنه "باختصار لم يفصح عن طبيعة التوافق وبنوده، حيث التوافق يكون حول بنود محددة".

ومن هذه البنود التي لم يفصح عنها البرهان، حسب الخبيرة المصرية، "هل مثلا يملك السودان المعلومات الفنية قبل الملء الرابع وحجمه وتوقيته وغير ذلك، وهل تُملِّك أديس أبابا الخرطوم مثل هذه المعلومات الفنية المؤثرة على السدود السودانية"، مشيرة إلى أن تلك التساؤلات لم يتم إيضاحها، وهو ما يعنى أنها تصريحات دبلوماسية تأتي في توقيت حرج في علاقات البلدين.

وعلى ضوء توقعاتها لقراءة الموقف المصري لتصريحات البرهان، قللت الطويل منه باعتباره "ليس موقفا مستجدا من جانب السودان، ولا يحمل دلالة لغياب أي مؤشرات واقعية تنبئ بوجود عداء سوداني لمصر".

هل تتراجع الخرطوم عن دعم الموقف المصري في ملف السد؟

مشددا على أنه يمثل "نقطة شديدة الحساسية" بالنسبة لبلاده، يقول اللواء عبد الواحد إن الموقف السوداني غير واضح في أزمة السد منذ بدايتها، ففي أيام الرئيس السابق عمر حسن البشير كان النظام يروج لأهمية السد للسودان وأنه سينظم عمليات الري ويمنع الفيضانات، بالاستناد إلى دراسات وطنية ضعيفة ليست لها مرجعية علمية، بدليل لجوء أطراف الأزمة إلى مكتب استشاري فرنسي ليكون الفيصل.

وحسب عبد الواحد، فإن الإدارة الانتقالية والمؤسسة العسكرية في السودان تسير على الخطى ذاتها، ولا تزال متأثرة بسياسات البشير، في مسعاها لتحقيق مكاسب سياسية، ومناورة مصر وإثيوبيا للحصول على مكاسب من الطرفين، كدعم موقفها في ملف مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه (على الحدود المصرية السودانية شرقا) من جانب، وأزمة الحدود مع إثيوبيا من جانب آخر، وفق وصفه.

وحذَّر الخبير الأمني المصري الخرطوم من خطورة توظيف إثيوبيا ملف السد لمصلحتها، قائلا إنه سيفضي في النهاية إلى ممارسة ضغوط بملف المياه على السودان في عدة قضايا، أهمها الأزمة الحدودية وتسويتها لمصلحة إثيوبيا وليس السودان، والتحكم في قطاع الطاقة إن مدتها أديس أبابا بالكهرباء التي سيولدها السد.

في المقابل، تستبعد الخبيرة أماني الطويل أن تمثل تصريحات البرهان بشأن السد تخليا عن دعم الموقف المصري "بأي شكل من الأشكال"، مشيرة هي الأخرى إلى أن زيارة آبي للخرطوم سبقتها زيارة لوزير الري المصري، واتصال هاتفي بين شكري والبرهان.

وأضافت "نحن بصدد تطور جديد لا نعرف عنه معلومات كافية، ربما قد يتمثل في قيام السودان بدور جديد في المرحلة المقبلة في ملف السد".

هل ثمة علاقة بين تصريحات البرهان والمبادرة المصرية لمعالجة الأزمة في السودان؟

استبعد كل من عبد الواحد والطويل وجود ارتباط بين حديث البرهان والمبادرة المصرية. فمن جهة، أوضح الخبير الأمني أن السودان يرحب بالمبادرة تماما من منطلق أن مصر تسعى إلى خلق حالة من الاستقرار والتوافق السياسي بين القوى السياسية المتعددة بما يعود بالنفع على الشعب السوداني.

ومن جهتها، فسرت أماني الطويل قولها إنه على ضوء اعتبارات أهمها أن كلا من إثيوبيا ومصر دولتا جوار جغرافي مباشر للسودان، فإن الخرطوم توازن بين الدولتين، صحيح أنه توازن حرج، لكنها لن تعادي دولة على حساب أخرى.

المصدر : الجزيرة