لماذا ينتظر اليمنيين مستقبلٌ قاتمٌ في حال انهيار الهدنة في 2023؟

تحذيرات من زيادة أعداد اليمنيين الذين سيحتاجون إلى مساعدات غذائية وإغاثية وصحية مع التصعيد المتوقع في عام 2023 (الأوروبية)

خاص- نجحت الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في خفض حدة القتال بين الحكومة اليمنية والحوثيين، لكن الأزمة الإنسانية ما تزال تطحن أكثر من 19 مليون يمني من أصل 30 مليونا.

ويكافح اليمنيون لتأمين لقمة العيش بعد 8 أعوام من حرب ضروس اندلعت عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014، قبل أن تبدأ الحرب في مارس/آذار 2015، في محاولة لإعادة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إلى كرسي الحكم.

وتسبب القتال في تعطيل الخدمات الأساسية، مثل الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم ومياه الشرب، بينما عجزت الحكومة المعترف بها دوليا، التي تتخذ من مدينة عدن عاصمة مؤقتة، عن معالجة الأزمة الإنسانية.

وتردّى الوضع الإنساني إثر نقل الحكومة مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن جنوبي البلاد عام 2016، ليمتنع الحوثيون عن صرف رواتب أكثر من مليون موظف في القطاع الإداري.

طفلة تنقل عبوات مياه إلى خيمتها في أحد مخيمات النزوح قرب العاصمة صنعاء (رويترز)

تحسّن طفيف

في عام 2022، منحت الهدنة اليمنيين الأمل، إذ سمحت بدخول منتظم للوقود عبر ميناء الحديدة غربي البلاد الخاضع لسيطرة الحوثيين، لتنتهي واحدة من أكثر الأزمات اليومية تأريقا. وأتاح ذلك تسيير رحلات بين مطاري صنعاء وعمّان، ليُختصر سفر اليمنيين للخارج، ومن بينهم مرضى وكبار السن، إذ كانوا يقطعون طرقًا جبلية وعرة في 15 ساعة للوصول إلى مطاري عدن (جنوب) أو سيئون (شرق).

كما قلّ عدد الضحايا المدنيين. ووفق المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، فإن فترة الهدنة (2 أبريل/نيسان-2 أكتوبر/تشرين الأول) شهدت تسجيل أقل عدد من الضحايا منذ بداية الحرب، وتراجعت فيها حركة النزوح الداخلي.

وشهدت العملة الوطنية استقرارا طفيفا بعد انهيارها لأدنى مستوياتها. وعُزي ذلك للوعود السعودية والإماراتية بمنح البنك المركزي وديعة بقيمة 3 مليارات دولار، واستئناف الحكومة تصدير النفط.

شبح الجوع يطل برأسه

وحذرت الأمم المتحدة من تراجع تلك المكاسب بانهيار الهدنة، وتآكل القوة الشرائية للأسر اليمنية خلال عام 2023 في ظل اضطراب الاقتصاد. وقال تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن نحو 21.6 مليون شخص سيحتاجون للمساعدة.

وأوضح أن حوالي 17.3 مليون شخص يُقدر أنهم بحاجة إلى الأمن الغذائي، و20.2 مليونا يحتاجون للخدمات الصحية، و15.3 مليونا يحتاجون للمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي. ويستورد اليمن 90% من احتياجاته الأساسية، وقد تسببت الحرب الروسية الأوكرانية بزيادة أسعار المواد الغذائية.

ويقول محمد مسعود، وهو معلم في مدرسة حكومية بمحافظة ذمار (وسط اليمن)، ويعيل أسرة من 6 أفراد، إن ارتفاع الأسعار وتوقف صرف الرواتب كان كارثة خففت من تداعياتها المساعدات الإنسانية، لكن شبح الجوع أطل برأسه من جديد.

ويضيف للجزيرة نت "كنا نستلم سلة غذائية كل شهر، ومنذ 2022 صرنا نستلم سلة كل شهرين وأحيانا كل 3 أشهر، صرفنا كل مدخراتنا ولا نجد أعمالا منتظمة. لا أمل لنا".

وقالت المتحدثة باسم المكتب الإقليمي لبرنامج الأغذية العالمي ريم ندا، للجزيرة نت، إن البرنامج اضُطر إلى تخفيض المساعدات الغذائية لليمنيين، نتيجة فجوات التمويل والتضخم العالمي وآثار الحرب الأوكرانية.

وأضافت "مضطرون إلى تخفيض المساعدات المقدمة لخمسة ملايين شخص إلى أقل من 50% من الاحتياجات اليومية، وتخفيض المساعدات إلى 8 ملايين شخص بنسبة 25%، وستتوقف أنشطة برامج الصمود وسبل العيش وبرامج التغذية والتغذية المدرسية لـ4 ملايين شخص".

A worker disposes of sacks of World Food Program wheat flour which is reportedly expired or spoiled, on the outskirts of Sanaa
تتحدث المنظمات الأممية عن عوائق أمنية وبيروقراطية تحول دون استقرار وصول المساعدات (رويترز)

قيود على توزيع المساعدات

ووفق تقرير مكتب الشؤون الإنسانية، فإن بيئة العمل الإنساني ما تزال مقيدة بشدة، إذ تستمر العوائق البيروقراطية في تأخير وإعاقة إيصال المساعدات. وعلى مدى عام 2022، زادت الحوادث الأمنية، بما في ذلك سرقة السيارات والاختطاف والهجمات على العاملين في المجال الإنساني.

وقال موظف رفيع في إحدى وكالات الأمم المتحدة، للجزيرة نت، مفضّلا عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية، إن الحوثيين فرضوا قيودا شديدة على عملهم، وصلت إلى حد جمع معلومات حساسة عنهم، كما هددوا باحتجازهم حال نقلت الوكالة مقر عملها من صنعاء إلى عدن.

وفي مايو/أيار الماضي، طالبت الأمم المتحدة الحوثيين بالإفراج الفوري عن اثنين من موظفيها المحتجزين منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قائلة إن مكانهما لا يزال مجهولا.

نازحون بلا مأوى

وتتجلى صور المأساة اليمنية في مخيمات النزوح التي تفتقر لمقومات الحياة الأساسية. ووفق أحدث إحصائية أممية، فإن أكثر من 4.3 ملايين يمني فروا من ديارهم للعثور على الأمان في أماكن أخرى داخل بلدهم.

وطالب أحدث بيان لوحدة إدارة مخيمات النازحين (حكومية) بإنقاذ 81 ألف أسرة نازحة من مخاطر الموت بموجات البرد والصقيع، إذ تواجه تلك الأسر الشتاء بإمكانات بسيطة ومأوى مدمر ومتضرر.

ووفق الوحدة، فإن 49 ألف أسرة لا تحصل على الطعام في المخيمات، بينما هناك 134 مخيما مهددا بالإخلاء، إلى جانب 385 أسرة تعيش بلا مأوى حاليا.

من جانبه، قال بيان لمجلس إدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية التابع للحوثيين -وصل الجزيرة نت- إن عدد النازحين في مناطق سيطرة الجماعة ارتفع إلى 5 ملايين و159 ألف نازح، بينهم مليون و168 ألفا لا يحصلون على مساعدات.

Earth Doctors provide medical nutrition and treatment services to Yemeni children
أكثر من 2.2 مليون طفل يمني دون الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد (الأناضول)

أوبئة من العصور البائدة

أصبح البقاء على قيد الحياة في اليمن أشبه بمعجزة، في ظل تفشي الأوبئة وتعطل نصف النظام الصحي بسبب الحرب ونقص التمويل وتفشي كوفيد-19، وبات 19.7 مليون شخص بحاجة إلى الرعاية الصحية معرضين للخطر.

وعادت أوبئة للظهور رغم تخلّص العالم منها في القرن الماضي، مثل شلل الأطفال والنكاف والحصبة والتيتانوس وفيروس الكبد الوبائي والكوليرا والملاريا والحُمّيات. وتسببت الحرب في معاناة 8 ملايين يمني من مشاكل نفسية، بحسب منظمة الصحة العالمية.

كما يعاني حوالي 2.2 مليون طفل دون الخامسة من سوء التغذية الحاد، بمن فيهم أكثر من 500 ألف طفل يصارعون للبقاء على قيد الحياة، يصل 50% فقط منهم إلى مراكز التغذية العلاجية لصعوبة حصول أسرهم على تكلفة المواصلات.

ويقول نشوان الحسامي مستشار وزارة الصحة للجودة في محافظة تعز، للجزيرة نت، إن غياب خدمات النظافة والتحسين وانهيار القطاع الصحي وهجرة الكوادر الصحية إلى خارج البلاد، تسبب في تفشي الأوبئة.

ويضيف أن إصلاح القطاع الصحي مرتبط بوقف الحرب، أما حاليًا فالدولة لا يوجد لديها برنامج واضح، إذ تعجز عن توفير مادة الديزل لتوليد كهرباء المستشفيات، فضلا عن بقية الاحتياجات كالأدوية والمستلزمات الطبية.

المصدر : الجزيرة