حميدتي في دارفور.. وتيرة الحرب والاضطرابات لا تهدأ رغم المصالحات

إقليم دارفور تتخطفه صراعات بأبعاد مختلفة؛ فهناك نزاعات بين القبائل وحركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام جوبا في أكتوبر/تشرين الأول 2020 وأخرى غير موقعة عليه، فضلا عن حدود ملتهبة مع كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.

مراقبون يرون أن حميدتي جزء من الأزمة في إقليم دارفور (الجزيرة)

الخرطوم- عاد محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع إلى الخرطوم أمس الأربعاء، قادما من الجنينة بإقليم دارفور، بعد أن قضى فيها 52 يوما، داعيا لما سماه إنهاء "الانفلاتات الأمنية" ونزاعات القبائل، لكن الشاهد أن سقوط الضحايا لم يتوقف خلال مكوثه هناك.

ويحصي المتحدث باسم التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور آدم رُجال للجزيرة نت سقوط ما بين 50 و60 قتيلا خلال أكثر من 50 يوما قضاها حميدتي متنقلا بين حواضر الإقليم وقراه.

وفي الأسبوع الماضي وحده، لقي 5 عسكريين مصرعهم إثر تعرض دورية كانت تقلهم قرب قولو في جبل مرة بولاية وسط دارفور لكمين مسلح، كما قتل 18 من الرعاة السودانيين على يد مسلحين.

وقال نائب رئيس مجلس السيادة للصحفيين لدى وصوله مطار الخرطوم إنه سيعود بعد 10 أيام إلى إقليم دارفور عبر جولة تشمل أغلب ولاياته الخمس.

مصالحات القبائل

وبدا أن الرجل الثاني في السلطة مراهنا على المصالحات القبلية وهو يقول للصحفيين إنه نجح في عقد 4 اتفاقات للمصالحة بين قبائل دارفور، وفي طريق مصالحة خامسة بين المساليت والعرب في غرب دارفور، وهو نزاع ظل يتكرر منذ عامين مخلفا مئات القتلى والجرحى وآلاف المشردين.

لكن مدير مركز أبحاث السلام في جامعة الخرطوم منزول عسل قال للجزيرة نت إن المصالحات التي ظلت الحل المفضل للحكومات غير مجدية لأنها لا تعالج جذور المشكلة وتتبع المنهج الخطأ في احتواء هذا النوع من المشاكل.

ويرى عسل أن المصالحات الماضية الآن ستنتج عنها كوارث في ظل مقتل المئات في كل مرة من دون أن يقدم أي شخص للمحاكمة، وهو ما يشجع المتفلتين على ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات، حسب تعبيره.

ويصف توالي المصالحات بين القبائل من دون توقف اندلاع الاقتتال القبلي بأنه "ضحك على الذقون"، ويوضح أن الحكومة غير جادة في علاج مشكلات يسهل التنبؤ بها، مما يتطلب توقف المصالحات التي تهدر الزمن والموارد واعتماد تقديم أي متورط في الجرائم للقضاء.

تحدي حميدتي

ورغم أن حميدتي وصل إلى الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور في 18 يونيو/حزيران الماضي، لمتابعة إنهاء الانفلات الأمني بشكل لصيق -حسب قوله في حينه- فإن الإقليم المضطرب منذ عام 2003 لم تهدأ فيه وتيرة الاضطرابات.

ويشير آدم رُجال إلى أن استمرار وقوع الجرائم ليست لديه علاقة بوجود حميدتي في دارفور من عدمه، لأنها انتهاكات منهجية تتورط فيها مليشيات محسوبة على الدولة، ومن العادي جدا استمرار القتل والاغتصاب والتعذيب التي بدأت عام 2003، وفق قوله.

ويتابع رُجال "حميدتي لن يستطيع وقف الجرائم لأن المليشيات المتفلتة محسوبة عليه، وعدم وجود العدالة شجعها على الاستمرار".

ويرى أن الخروج مما يعدّه مأزقا يتمثل في ما أسماه "إسقاط الانقلاب" وإبداله بسلطة مدنية من مستقلين معروفين بمحاربة النظام البائد وتشكيل حكومة انتقالية قادرة على تطبيق شعارات الثورة؛ ومن ثم إجراء حوار سوداني سوداني.

محاور وأجندات

ويعزو القيادي في مجلس الصحوة الثوري إسماعيل أغبش في حديث للجزيرة نت استمرار الاضطرابات الأمنية رغم وجود حميدتي في دارفور إلى أن الرجل نفسه جزء من الأزمة، ويمثل محاور وأجندات خاصة، فضلا عن أنه محور لذاته داخل السلطة، ولديه تحالفات إثنية.

ويحذر أغبش من أن النزاعات القبلية في إقليم دارفور كانت نزاعات بين مزارعين ورعاة، لكنها في الطريق لأن تتحول إلى حرب ذات طابع إقليمي، وربما دولي بتدخل أطراف أجنبية، مستدلا باختراق قوات أجنبية الحدود وقتل رعاة سودانيين؛ في إشارة إلى مسلحين تشاديين اغتالوا رعاة الأسبوع الفائت.

وينبه إلى أن إقليم دارفور تتخطفه صراعات بأبعاد مختلفة؛ فهناك نزاعات بين القبائل وحركات مسلحة موقعة على اتفاق السلام بجوبا في أكتوبر/تشرين الأول 2020 وأخرى غير موقعة على الاتفاق، فضلا عن حدود ملتهبة مع كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.

وصفة علاج

ويقدم منزول عسل وصفة يعدّها حلا إسعافيا وسريعا لوقف الانفلات الأمني بدارفور عن طريق تطبيق القانون وتوقيف الأطراف المعتدية وإحالتها للمحكمة بلا أي ديات أو مصالحات حتى لا توزع الجريرة على القبيلة ويسهل ارتكاب الجرائم مرة أخرى.

وعلى المدى المتوسط، يوضح أن بسط هيبة القانون تحتاج إلى إصلاح أمني وعسكري؛ فثمة جنود تورطوا في نزاعات قبلية، وفي أفضل الأحوال يكتفون بالفرجة على المعارك القبلية بحجة عدم وجود "تعليمات"، إلى جانب نشر أقسام الشرطة والنيابات وتفعيلها.

وعلى المدى الطويل، يفيد عسل بأن التنمية تمثل بدائل للرعاة والمزارعين عن المنازعات عبر مشاريع تنموية؛ مثل مزارع للماشية تغني الرحّل عن التنقل بمواشيهم بين الشمال والجنوب؛ وبالتالي الاحتكاك مع المزارعين.

وكان حميدتي قال لدى عودته إلى الخرطوم من دارفور إن العرب الرحل في دارفور منسيون تماما ولا يكاد أحد يطرح قضاياهم.

المصدر : الجزيرة