نصف الشعب بحاجة لمساعدة عاجلة.. أزمة الجفاف تهدد بمجاعة شاملة في الصومال

يُرجع مسؤول حكومي أزمة الجفاف إلى التغيير المناخي والظروف الأمنية والتوترات السياسية التي ضاعفت تأثيراته، وقال إن 300 ألف صومالي في حالة مجاعة حاليا

11- قاسم سهل/ طفلة وأختها في باب كوخهم بمخيم بجنوب مقديشو ينتظران من يساعدهما،20 يونيو 2022.
طفلة وأختها تنتظران المعونات الغذائية في مخيم للنازحين الفارين من الجفاف بجنوب العاصمة مقديشو (الجزيرة)

مقديشو- في مشهد لا تخطئه العين تصطف نساء -أغلبهن مسنات- في طوابير بمخيمات جديدة أنشئت في ضواحي العاصمة مقديشو لاحتضان نازحين شردتهم موجة الجفاف الحالية في مناطق جنوب الصومال وغربه.

وينتظر هنا مئات النازحين الذين تدفقوا في الأيام الأخيرة للحصول على أي مساعدة غذائية تسد جوعهم، فيما آثار التعب والعوز بادية عليهم صغارا وكبارا.

ويقيم النازحون في أكواخ صغيرة لا تحميهم من الحر والبرد، بعد أن فروا من الجفاف الذي قضى على كل ما كانوا يملكونه من المواشي والمزارع، واختاروا النجاة بأنفسهم بالنزوح إلى مقديشو طلبا للمعونات الغذائية، إلا أن شبح الجوع لا يزال يلاحقهم، إذ لم تصل إليهم مساعدات معتبرة لا من الحكومة ولا من المنظمات الإنسانية المعنية.

16،17،18- قاسم سهل/ نازحون فارون من الجفاف يعيشون في أوضاع صعبة في مخيم بجنوب مقديشو ،25 إبريل 2022.
نازحون فروا من الجفاف يواجهون أوضاعا صعبة في أحد المخيمات بجنوب العاصمة مقديشو (الجزيرة)

هاربون من الجفاف

في منطقة غرسبالي بالضاحية الجنوبية للعاصمة مقديشو وصل عبدي جاري عثمان مع أفراد من عائلته منذ نحو شهر هاربين من قرية ديماي بمحافظة شبيلي السفلى جنوبي الصومال، بعد أن نفقت ماشيتهم وتلفت مزرعتهم بسبب عدم هطول الأمطار لعدة مواسم متتالية.

وبعد خسارة مصادر رزقهم جميعها اضطروا للنزوح إلى مقديشو خوفا على حياتهم، ولكن في ظروف صعبة للغاية، إذ قطعوا مسافات طويلة مشيا على الأقدام للحصول على سيارة تقلهم، وبما أنهم غير قادرين على دفع تكلفة السفر فإن مساعدة بعض الأهالي مكنت 5 من أفراد العائلة من الوصول إلى العاصمة، فيما تركوا وراءهم عددا مماثلا يواجه مصيرا غير معروف.

ويقول عثمان للجزيرة نت إنهم يعيشون الآن بمعونات غير منتظمة من المنظمات الإنسانية، ويحصلون على بعض الطعام الذي يجمعه مواطنون من سكان مقديشو.

وتصف النازحة حواي حسن أوضاع النازحين الجدد بالمزرية، وقالت للجزيرة نت إنهم يكابدون ظروفا قاسية، إذ يعيشون في أكواخ متواضعة ولا يجدون طعاما، وإن الماء هو الشيء الوحيد المتوفر في مخيمهم، كما أن "الخدمات الصحية منعدمة، فلا مراحيض هنا".

وتقول حسن "من الصعب الحصول على لقمة العيش حتى مرة واحدة في اليوم للكثيرين"، وإن الخشية من الموت جوعا وعطشا هي ما أجبرتهم على الهرب من مناطقهم لعلهم يجدون المساعدة في ضواحي العاصمة، وبنبرة حزينة تطالب المنظمات الإغاثية والحكومة بالالتفات إلى أوضاعهم ومد يد العون لهم.

7 ملايين مهددون بالجوع

ويستمر تدفق النازحين إلى مخيمات مقديشو بواقع 30 إلى 50 أسرة يوميا، وتقول المسؤولة الصومالية نظيفة حسين -التي تدير مخيمات النازحين- إن نحو 2025 نازحا هربوا من مناطق بغرب وجنوب الصومال نتيجة الجفاف، ووصلوا إلى مخيمات في منطقة غرسبالي بمقديشو خلال شهر.

وتشير حسين إلى أن كل ما يستطيعون فعله كجهات حكومية هو توفير مساحة يقيم فيها النازحون وأكواخ تؤويهم، إلى جانب توفير الماء لهم لا أكثر من ذلك.

وحسب تقرير لمكتب رئاسة الوزراء الصومالية في 25 يونيو/حزيران الماضي، فإن موجة الجفاف أثرت على 7 ملايين صومالي، وهو ما يشكل أكثر من 42% من سكان البلاد البالغ عددهم 15 مليونا، وشردت 684 ألف قروي من مناطقهم، كما تضرر بها أكثر من 9 ملايين رأس من المواشي بما يعادل 17% من الثروة الحيوانية في البلاد، فيما نفق نحو 900 ألف رأس من المواشي.

ويشير تقرير آخر لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إلى أن 1.5 مليون طفل صومالي يعانون من سوء التغذية بسبب ظروف الجفاف، منهم 356 ألفا سيواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد قبل نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، وأن حوالي نصف الشعب الصومالي (7.7 ملايين شخص) بحاجة إلى مساعدة غذائية، أكثرهم ممن تضرروا من الجفاف.

وقال المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في الصومال آدم عبد المولى إن 8 مديريات من أصل 90 مديرية يتكون منها الصومال تعاني من ظروف شبيهة بالمجاعة.

وجاءت تصريحات عبد المولى أثناء زيارته مخيما بمدينة دولو غرب الصومال مؤخرا، وأضاف أن "على المجمع أن يواجه مثل هذه الموجة من الجفاف التي لم يشهدها الصومال منذ 40 سنة، وأن استمرار الوضع دون استجابة سريعة سيتدهور إلى مجاعة، وهو ما تحذر منه الأمم المتحدة".

1،2- قاسم سهل/ طوابير من النازحين بسبب الجفاف ينتظرون من يعطيهم لقمة العيش ،مقديشو 20 يونيو 2022.
طوابير من النازحين بسبب الجفاف ينتظرون من يعطيهم لقمة العيش قرب العاصمة الصومالية مقديشو (الجزيرة)

300 ألف في مجاعة فعلية

ويشكل التغير المناخي سببا رئيسيا في عدم هطول الأمطار لـ4 مواسم متتالية في كثير من المناطق الصومالية وشحّها في مناطق أخرى، مما تسبب في فقدان سكان القرى عماد حياتهم من المواشي وجفاف مزارعهم، وفق النائب عبد الرحمن عبد الشكور مفوض الرئيس الصومالي لمواجهة أزمة الجفاف.

ويقول المسؤول المفوض للجزيرة نت إن الظروف الأمنية والتوترات السياسية وضعف الإمكانات الاقتصادية للحكومة ضاعفت الجفاف وتأثيراته.

وبحسب عبد الشكور، فاقمت أزمة الغذاء الناجمة عن حرب روسيا على أوكرانيا تدهور الوضع الإنساني في الصومال، فيما لا تزال الاستجابة الدولية للحد من تداعيات الجفاف متواضعة جدا، إذ وصلت معونات غذائية حتى الآن إلى 2.8 مليون متضرر فقط من أصل 7 ملايين صومالي يحتاجون إلى مساعدة، ومنهم 5 ملايين منهم يحتاجون إلى مساعدة عاجلة.

وأشار إلى أن الأمم المتحدة طلبت 1.5 مليار دولار لمواجهة الجفاف وتداعياته في الصومال، ولم يُجمع منها سوى نحو 400 مليون دولار فقط، مضيفا أن "أزمة أوكرانيا صرفت أنظار المانحين عن أزمة الجفاف وتداعياتها في الصومال".

وعلى ضوء ذلك تسعى الحكومة الصومالية الآن للفت انتباه العالم والمتبرعين المحليين إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد من أجل احتوائها قبل أن تتطور إلى مجاعة شاملة، رغم أن المسؤول المفوض أكد وجود 300 ألف صومالي في حالة مجاعة حاليا.

ويأتي هذا التدهور فيما تتصاعد التحذيرات التي تطلقها الأمم المتحدة ومنظماتها من مجاعة وشيكة في الصومال كتلك التي اجتاحت المناطق الجنوبية منها عام 2011 وأودت بحياة 250 ألف صومالي، نصفهم أطفال.

المصدر : الجزيرة