مظاهرات ليبيا.. اتسعت الرقعة وتشتت المطالب

بعض النشطاء والمشاركين في المظاهرات لم يخفوا تخوّفهم من محاولات قمعهم وسط الحديث عن قوائم اعتقالات أُعدّت من جهة أمنية، كما صرّح عدد من المتظاهرين في شرق ليبيا خاصة

Protest in Libya
مطالب مختلفة من منطقة لأخرى يحملها المتظاهرون في ليبيا (الأناضول)

طربلس- يتفق المحتجون بالمظاهرات الغاضبة التي اندلعت منذ الجمعة الماضي بمختلف المدن الليبية على ضرورة رحيل الجسمين التشريعيين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وكذلك حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، لكنهم يختلفون في البديل عن هذه الأجسام.

فبينما نادى المتظاهرون في طبرق، بعد حرقهم لأجزاء من مبنى البرلمان، بتولي المجلس الرئاسي ورئيسه محمد المنفي السلطة في البلاد لحين إجراء انتخابات، طالب المتظاهرون في مدينة البيضاء بتولي المجلس الأعلى للقضاء السلطة مؤقتا، ودعا بعض متظاهري بنغازي اللواء المتقاعد خليفة حفتر لتولي السلطة في البلاد، بينما كانت الدعوات للانتخابات هي السائدة في المنطقة الغربية.

People protest against a power outage inside Martyrs' Square, in Tripoli
مظاهرة احتجاجية على انقطاع التيار الكهربائي داخل ساحة الشهداء بطرابلس (رويترز)

غياب الرؤية

يقول عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الفتاح الشلوي إن "الخروج متعدد، ولكن لا أهداف واضحة للمتظاهرين فالكل رافض وغاضب، لكن لم تُطرح أي رؤية ممن خرجوا لأن البلد يفتقد للنخب الفاعلة، وهنا مكمن الداء".

لكن المسؤول الليبي يرى في حديثه للجزيرة نت، أن خروج الناس ضد من أسماهم بـ"طبقات العبث السياسي" في ليبيا أمر متوقع، "وإن كان مشابها لخروج المواطنين في فبراير/شباط ضد نظام القذافي قبل 10 سنوات لكن دون قيادة ولا أهداف".

وقال محمد كرواد وهو أحد النشطاء في مظاهرات مصراتة للجزيرة نت، إن "الاختلاف في المطالب ليس جديدا مثلما حصل في 2011 تماما حينها لم تكن المطالب موحدة بين المدن الليبية لكن النتيجة واحدة كانت في النهاية وهي إسقاط نظام القذافي".

ويؤكد كرواد أن المختلف هذه المرة هو وعي الناس الذين تمرّسوا خلال تلك السنوات "فلم يعد من السهل اختراقهم أو استخدامهم من قبل أطراف بعينها"، مشددا على ضرورة الاستمرار في التظاهر حتى تحقيق أهم المطالب والتغيير نحو الأفضل.

غياب ينذر بفشل المظاهرات

في طرابلس رغم التنظيم المحكم من قبل حراك "بالتريس" (حراك شبابي ناشط على الإنترنت) لكن الأمور خرجت عن السيطرة كما يوضح الصحفي والناشط رمضان فتحي؛ حيث إن إحراق الإطارات وإغلاق بعض الطرق ومحاصرة مجلس الوزراء لم تكن ضمن خطة المنظمين للحراك.

وأكد فتحي للجزيرة نت، أنه رغم زخم المظاهرات الذي شمل معظم مناطق طرابلس فإن "غياب كيانات وقوى سياسية تترجم هذه المطالب ينذر بفشل هذه المظاهرات"، متوقعا أن تخمد سريعا كما حدث في مرات سابقة.

المنحى الأخطر

يرى مدير مركز بيان للدراسات نزار كريكش في اختلاف المطالب من منطقة لأخرى منحى خطيرا، يكمن في مناداة كل مظاهرة بشخصية من الشخصيات السياسية، موضحا أن "هذا الخلاف يؤكد حقيقة أن بعض الأطراف تريد أن تخلف فراغا لتملأه بطرف من الأطراف السياسية المساهمة في الأزمة".

ويتوقع كريكش في حديث للجزيرة نت، أن تحاول الأطراف السياسية الآن التقرب من بعضها بعضا، مع استمرار العداء لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة "الذي يستحوذ على العاصمة طرابلس في حين أن عقيلة صالح قد أُحرقت أوراقه تماما"، على حد قول كريكش.

تحذيرات في الجنوب

ولم تكن المظاهرات في عاصمة الجنوب الليبي "سبها" بذات الأعداد كما في مدن طرابلس وبنغازي وطبرق والبيضاء. وحسب الناشط والصحفي عبد المنعم الجهيمي " مَن خرجوا كانوا قلة غير مؤثرة حتى في محيطها الصغير، ولكن مظاهراتهم أخذت زخما لأنها تزامنت مع الحشود الكبيرة والمؤثرة وفي مدن أكثر أهمية".

ويقول الجهيمي للجزيرة نت إن "دخول فئات غير منظمة على خط التظاهر والاحتجاج في سبها أدى إلى الفوضى وإحراق وتخريب مؤسسات لا علاقة لها بالمسؤولين"، ورأى أن هذا يعمّق انقسام الشارع في الجنوب حول مدى نفع عملية التظاهر بحد ذاتها، موضحا أن استمرارها بهذه الطريقة قد "يؤدي لحرب قبلية بين مكونات المدينة التي كانت تعيش لسنوات طويلة في صراعات وثارات متبادلة لم تنتهِ بسهولة".

عبد السلام الراجحي
المحلل السياسي عبد السلام الراجحي: الليبيون يستشعرون الخطر من مشاريع توطين ملايين المصريين (الجزيرة)

مكمن الاختلاف

من جهته، يرى المحلل السياسي عبد السلام الراجحي أن "المظاهرات في طرابلس والمدن المجاورة أمر معتاد للمطالبة المستمرة بالانتخابات وتحسين الخدمات الحكومية، لكن الجديد في الأمر حسب المحلل هو خروج مظاهرات بهذه الأعداد في طبرق التي تحتضن مجلس النواب منذ 2014.

ويعدّد الراجحي أسباب انتفاض مدن الشرق الليبي للجزيرة نت قائلاً إن "الناس هناك لم تعد تنطلي عليهم حجة محاربة الإرهاب التي ألزمتهم الصبر على مجلس النواب سنوات عديدة، رغم سوء الخدمات مقارنة بما يعيشه أعضاء المجلس من حياة باذخة".

لكنه يرى أن المحرك الرئيس للمظاهرات هو استشعار الخطر من "مشروع توطين ملايين المصريين ممن تحالفوا مع حفتر في حروبه السابقة"؛ حيث كثرت الملتقيات القبلية والمدنية المحذرة من خطر التغيير الديمغرافي الذي قد يحل بشرق ليبيا على خلفية مطالبة عشرات الآلاف ممن يعرفون "بالعائدين" -من أصول مصرية- بالجنسية الليبية.

مظاهرات طبرق اليوم
نشطاء يحذرون من تدخلات أمنية واعتقالات في مظاهرات طبرق (الجزيرة)

حماية أم قمع؟!

ورغم محاولة الأجسام السياسية والأمنية القائمة مجاراة حراك الشارع وامتصاص غضبه والتعهد بحماية الحق في التظاهر، كما جاء على لسان رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس وكذلك الناطق باسم القيادة العامة ببنغازي اللواء أحمد المسماري، فإن بعض النشطاء والمشاركين في المظاهرات لم يخفوا تخوّفهم من محاولات قمعهم وسط الحديث عن قوائم اعتقالات أُعدّت من جهة أمنية، كما صرّح عدد من المتظاهرين بشرق ليبيا للجزيرة نت.

ويؤكد الناشط محمد سالم أن الجهات الأمنية في طبرق بدأت بالفعل في إصدار قوائم بأسماء من وصفتهم بالمخربين في مظاهرات الجمعة، بل إن تسريبات تفيد باعتقال 18 إلى 20 متظاهرا وإيداعهم سجن شرطة النجدة بالمدينة.

ويتوقع الناشط سالم الأسوأ بعد انتشار دوريات تابعة للكتيبة (106) التي يقودها صدام نجل اللواء خليفة حفتر، بعد وصولها رسميا إلى طبرق بهدف السيطرة على المظاهرات.

المصدر : الجزيرة