التحديات الإستراتيجية والحرب الروسية الأوكرانية تخيم على احتفالات فرنسا بعيدها الوطني

تأتي احتفالات فرنسا بعيدها الوطني لهذا العام في ظروف خاصة، حيث خيّمت الحرب الروسية الأوكرانية على أجواء العرض العسكري التقليدي الضخم الذي أقيم في جادة الشانزليزيه وحضره الرئيس ماكرون وكبار السياسيين الفرنسيين وضيوف دوليون

French President Emmanuel Macron delivers a speech on the eve of Bastille Day, in Paris
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطابا أمام العسكريين في يوم سقوط سجن الباستيل أمس الأربعاء (رويترز)

باريس- تحت شعار "شارك الشعلة"، وبحضور أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية كضيوف شرف، تحتفل فرنسا اليوم الخميس بعيدها الوطني المعروف بـ"14 يوليو/تموز".

ومثلما أعلنت وزارة الجيوش الفرنسية في وقت سابق، يرمز شعار هذا العام إلى شعلة ارتباط الجيش بالأمة الفرنسية، وكذلك إلى شعلة المقاومة، وشعلة الألعاب الأولمبية التي ستستضيفها فرنسا عام 2024.

وتأتي احتفالات فرنسا بعيدها الوطني لهذا العام في ظروف خاصة، حيث خيّمت الحرب الروسية الأوكرانية على أجواء العرض العسكري التقليدي الضخم الذي أقيم في جادة الشانزليزيه وحضره الرئيس ماكرون وكبار السياسيين الفرنسيين وضيوف دوليون.

وقد افتتحت العرض كتيبة مشاة من الجنود الأوكرانيين ودول أوروبا الشرقية، في رسالة من باريس وتأكيد منها على البعد الأوروبي التضامني، في هذا الاحتفال الوطني الفرنسي الخالص. كما شاركت نخبة من القوة الفرنسية المنتشرة في رومانيا وعدد من دول أوروبا الشرقية المتاخمة لروسيا.

رسائل رمزية

يشير الكاتب والصحفي الفرنسي الأميركي والخبير الإستراتيجي في المعهد الأوروبي للاستشراف والأمن جيرالد أوليفييه، إلى أن رسالة فرنسا وماكرون موجهة إلى دول أوروبا الشرقية الأعضاء في الناتو للقول لهم إن فرنسا متضامنة معهم، ولن تتركهم يواجهون مصيرهم العسكري وحدهم.

ويستدرك في حديثه للجزيرة نت "لكن الرسالة الأهم وجهها ماكرون إلى أوكرانيا، وهي رسالة تضامن قوية رغم أنها رمزية، وكذلك تأكيد على أن كييف مرحب بها في الاتحاد الأوروبي في الفترة المقبلة، وبعد ذلك في حلف الناتو".

ويضيف أن "الرئيس ماكرون توجه، من خلال إشراك أوكرانيا وجيرانها الأوروبيين الشرقيين في هذا العرض، برسالة مباشرة إلى روسيا مفادها أن أي هجوم على دولة عضو في الاتحاد سيجعل الاتحاد يتحرك ويرد بالقوة والسرعة المطلوبين".

ومن جهته، يقول المحلل السياسي والإستراتيجي ستيفان زومستيغ، إن "ماكرون يريد أن يبرز للفرنسيين وللخارج على حد سواء أن أوروبا ستبقى متضامنة في كل الظروف الصعبة التي تمر عليها، وأن قوة أوروبا في وحدتها وتضامنها، خاصة وهو طالما نادى بالاستقلال الإستراتيجي والعسكري لأوروبا".

ويتابع قائلا في حديثه للجزيرة نت إن "أوروبا لا تستطيع أن تحقق توازنها الإستراتيجي أو السياسي إلا إذا حققت وحدتها العسكرية، وقدمت قوة يمكنها أن تدافع عن الدول الأوروبية خلال الأزمات الشبيهة بالأزمة الحالية".

تحديات إستراتيجية

وفي هذا السياق، قال الحاكم العسكري لباريس الجنرال كريستوف أباد، إن هذا العرض يؤكد "ضرورة التضامن الإستراتيجي مع شركائنا الأوروبيين على الجانب الشرقي". فما الأبعاد الإستراتيجية لهذا التضامن السياسي والعسكري الأوروبي؟

يجيب جيرالد أوليفييه، عن هذا السؤال بأن "الأبعاد السياسية أو الإستراتيجية أو العسكرية موجودة في معاهدات الاتحاد الأوروبي، وكذلك في الفصل الخامس من النظام الداخلي للناتو، الذي يحتّم على الأعضاء والشركاء التضامن فيما بينهم إذا ما تعرضت دولة للتهديد أو الغزو".

ويشدد أوليفييه على أن "التحديات الإستراتيجية قوية وضرورية اليوم، لأن التاريخ والواقع يعلمنا متى تبدأ الحروب، ولكنه لا يعلمنا متى أو أين تنتهي. ولذلك فكل السيناريوهات مطروحة اليوم بتوسع الحرب وتمددها إلى دول أخرى".

ويضيف أن هذه الرسائل تذكّر الشركاء الأوروبيين أن التضامن السياسي والعسكري قوي لأن التحديات الإستراتيجية واحدة. وكذلك تذكّر روسيا وتحذرها من مغبة المضي قدما وتوسيع الحرب لأن بقية الدول الأوروبية ليست ضعيفة مثل أوكرانيا.

تجاذبات داخلية

احتفالات فرنسا بعيدها الوطني في 14 يوليو/تموز يعود إلى عام 1880 حين تأسيس الجمهورية الثالثة.

ويشير التاريخ إلى حدثين متعاقبين: الأول هو سقوط سجن الباستيل في 14 يوليو/تموز 1789 وانطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية. والثاني عام 1790 تاريخ الاحتفال بالذكرى الأولى لسقوط سجن الباستيل، والذي تميز بأجواء من الوحدة الوطنية.

وفي حين جاءت الاحتفالات، في سياق دولي متحول، وظرف إقليمي وأوروبي متوتر ومتأزم في ظل الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة، فإن احتفالات هذا العام تأتي، غداة انتخابات تشريعية وصفت بالزلزال السياسي، خسر فيها ماكرون بوصلة الحكم والغالبية المطلقة في الجمعية الوطنية، ما يُنذر بفترة انعدام يقين وتجاذبات سياسية مربكة لوحدة الصف الوطني.

وفي هذا السياق يوضح زومستيغ أن الرئيس ماكرون هو رئيس كل الفرنسيين على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويريد أن يجمع حوله كل الفرقاء السياسيين، ويريدهم أن يضعوا ثقتهم فيه ويجتمعوا حوله من أجل تحقيق مصالح كل الفرنسيين.

وأما أوليفييه فيشير إلى أن هذا الاحتفال تبقى له أبعاد رمزية كبيرة لأنه يرتبط بأحداث قادت إلى الثورة الفرنسية. والرئيس ماكرون في هذا الاحتفال يمثل رمز وحدة فرنسا، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وممثل السياسة الخارجية الفرنسية ومن هذا المنطلق فالسياسة الخارجية لا يمكن أن تدخل بأي حال من الأحوال في الانقسامات الحزبية أو الخصومات السياسية.

ولكنه استدرك بأن "الأكيد هو أن الرئيس ماكرون سيستغل تسليط الأضواء عليه في هذا الحدث التاريخي، لكي يتجاوز صعوباته السياسية والانتخابية التي تعرض لها أخيرا، وسيحاول الظهور بمظهر الرئيس القوي الذي يمثل كل الفرنسيين".

وختم حديثه مشددا على أن التحديات التي تطرح اليوم على فرنسا وعلى أوروبا بوجود الحرب الروسية الأوكرانية، أهم ألف مرة من الخصومات السياسية والمعارك الانتخابية في الجمعية الوطنية.

المصدر : الجزيرة