الأزهر في مرمى النيران من جديد.. ماذا يريد من يهاجمون المؤسسة الدينية الرسمية بمصر؟

تنص المادة 7 من الدستور المصري الحالي على أن الأزهر هو المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية.

شيخ الأزهر أحمد الطيب يلقي كلمة أمام المؤتمر السنوي "الدعاء من أجل السلام" (الصفحة الرسمية للأزهر)

القاهرة- بين هجوم ودفاع، تسابق وسمان على صدارة موقع التغريدات القصيرة (تويتر) بمصر في الأيام الأخيرة، هما "يسقط حكم الأزهر"، و"الأزهر الشريف حصن الإسلام"، وسط جدل واسع حول أسباب الهجوم المتكرر على مشيخة الأزهر بين حين وآخر.

ويرى معارضون للأزهر أنه أصبح "دولة داخل الدولة"، ويمارس على المجتمع "وصاية باسم الدين"، في حين يرى داعمون للأزهر أنه حصن للوسطية وأن دوره محوري في التوعية الدينية في مصر والعالم الإسلامي طبقا للدستور.

وتنص المادة 7 من الدستور المصري الحالي على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم".

تصاعد الهجوم على الأزهر دفع دار الإفتاء المصرية إلى إصدار بيان رسمي تدعم فيه الأزهر، وتؤكد دوره.

وقالت دار الإفتاء المصرية -في بيانها- إن "الأزهر الشريف قيمة وقامة، مكان ومكانة، شاهد صدق ولسان عدل على وسطية الإسلام وسماحة تشريعاته في بناء الإنسان والأوطان، وسيستمر منهجه الرشيد على يد علمائه الكرام في نشر العلم الصحيح والفهم السديد للدين، ولن تنال منه سهام التشكيك".

حصن الوسطية

يتفق الأستاذ بجامعة الأزهر والوكيل السابق لوزارة الأوقاف المصرية جمال عبد الستار مع مضمون بيان الإفتاء، مؤكدا أن الأزهر حصن الوسطية والاعتدال.

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول عبد الستار إن الجميع يعلم أن الأزهر منبع الوسطية وأنه بشيوخه وعلمائه وتلامذته يمثل حماية للوسطية في مواجهة التطرف والتفريط، ويعدّ حامل منهج الاعتدال في العالم الإسلامي بأسره، ولا يطعن في ذلك إلا حاقد أو معاد له"، وفق رأيه.

وأضاف أن الأزهر بعلمائه يمثل صمام الأمان للفهم الشامل المعتدل للإسلام، إذ لم ينحز لمذهب ودرّس المذاهب كلها، ولم يعاد فرقة؛ فحتى المذهب الشيعي قام بتدريسه، ولم يلزم الدولة ولا الناس بمذهب واحد، فكان مستوعبا لكل الأفكار والمذاهب والاتجاهات النابعة من الفهم الإسلامي.

ويثمن الأستاذ بجامعة الأزهر والوكيل السابق لوزارة الأوقاف المصرية وقوف الأزهر بصلابة أمام ما وصفه بـ"الحملات الشرسة والشعواء التي تدار من الداخل والخارج وتستهدف ثوابت الدين ووسطية الأزهر الشريف، بغرض نشر الإلحاد والتفريط"، حسب وصفه.

ورأى أن تلك الحملات لا تمتّ للعلم ولا الوسطية بصلة، فهي "تعتقد أنها تخلصت من التيار الإسلامي (السياسي) وتبقى لها الأزهر الشريف، فهي تحاول النيل منه لإسقاطه من قلوب الناس حتى تسقط المرجعية الإسلامية كاملة"، حسب قوله.

واختتم بالقول إن "هؤلاء واهمون؛ وسيبقى الأزهر في قلوب المسلمين في مصر والعالم، وستبقى منهجيته أكثر استقرارا وانتشارا وقوة وحصانة وتأثيرا"، حسب تعبيره.

هجمة شرسة

من جانبه، يصف البرلماني السابق والسياسي محمد جمال حشمت الهجوم المتكرر على الأزهر بأنه تطاول وهجمة شرسة، يقف خلفها "المتطرفون والعلمانيون"، حسب وصفه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد حشمت أن على الأزهر دورا محوريا وكبيرا، وأن ما عدّه "صمت الأزهر في قضايا الحقوق والحريات" تسبّب في تطاول المعتدين عليه فاستمرؤوا ذلك، وأصرّوا على تحجيم الأزهر بالصوت العالي حتى لا يحمي العقائد والأخلاق.

وأضاف أن الواجب على الأزهر وكل المحبين والراغبين في قيامه بدوره الدستوري دعم جهوده، والدعاية له، والوقوف في وجه الهجمة الشرسة عليه من العلمانيين والمتطرفين، كما على الأزهر أن يشحذ همته ليكون "رأسا في هذه المعركة، ولن تخذله الأمة وقتئذ"، وفق وصفه.

فتوى الحجاب

وتنوعت أسباب الهجوم على الأزهر في السنوات الأخيرة، وصولا إلى الأزمة الأخيرة التي رفعت شعار "يسقط حكم الأزهر"، ودفعت المدافعين عن الأزهر إلى تدشين وسم مقابل تحت عنوان "الأزهر الشريف حصن الإسلام".

الجدل حول الحجاب كان آخر أسباب الهجوم على الأزهر، وذلك إثر فتوى تؤكد فرضية حجاب المرأة المسلمة أصدرها المركز العالمي للفتوى الإلكترونية التابع للأزهر قبيل عيد الأضحى.

وكانت الفتوى ترد ردا مباشرا على تصريحات متلفزة مثيرة للجدل أطلقها الأستاذ بجامعة الأزهر سعد الدين الهلالي، تشكك في فرضية الحجاب، وهي التصريحات التي احتفى بها الرافضون للحجاب، ودفعتهم لاحقا إلى مهاجمة الأزهر وتدشين وسم "يسقط حكم الأزهر".

وقالت الكاتبة المصرية المعروفة برفض الحجاب سحر جعارة إنها ترفض تدخل المؤسسة الدينية في تفاصيل حياة المصريين.

وشاركت جعارة في وسم "يسقط حكم الأزهر"، معتبرة أن الأزهر يفرض وصايته على المجتمع، ويتغول على الدولة المدنية، ويسحب سلطاتها في إدارة المجتمع وتنظيم الشارع المصري، حسب وصفها.

أزمات متعددة

تجديد الخطاب الديني كان أحد أسباب الهجوم المتكرر على مشيخة الأزهر المتهمة من خصومها بالجمود وإعاقة التجديد، في حين يؤكد الأزهر دائما أنه لا ينادي بالتجديد بل يطبقه، لكنه يرى أن البعض يستغل دعوات التجديد للطعن والتشكيك في الإسلام وعلومه وعلمائه.

وفي نهاية يناير/كانون الثاني 2020 تابع المصريون على الهواء مباشرة سجالا ساخنا بين شيخ الأزهر أحمد الطيب ورئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت حول مفهوم تجديد الخطاب الديني.

وقال الطيب منتقدا حديث الخشت السلبي عن التراث إن "كثيرا مما يقال عن نقد التراث هو مزايدة على التراث"، راجيا من منتقدي التراث البحث عن مشكلة أخرى أكثر أهمية للأمة، مضيفا "نشتري الأسلحة ليقتل بعضنا بعضا، نشتري الموت بفلوسنا، ولا نستطيع صنع كاوتش (عجل) سيارة".

وفي فبراير/شباط الماضي شنّ إعلاميون حملة ضد الأزهر بزعم تشجيع شيخه أحمد الطيب على ضرب الزوجات، وهو ما نفته المشيخة.

وجاء نفي الأزهر ردا على المذيع عمرو أديب الذي خصص حلقة لانتقاد آراء شيخ الأزهر أحمد الطيب في قضية "ضرب الزوجات" باستضافة أطراف مناوئة للمشيخة وعدم إتاحة حق الرد للأزهر.

وشنّت صحيفة "صوت الأزهر"، الصادرة عن مشيخة الأزهر، هجوما حادا على أديب، ووصفته في عنوان الملف الذي خصصته للرد "بإعلامي الترفيه"، وعددت المخالفات التي وقع فيها أديب ولخصتها في 12 مخالفة مهنية، من بينها إذاعة أخبار كاذبة عن تبنّي شيخ الأزهر للضرب، وترويج شائعات عن وقوف الأزهر الشريف ضد صدور قانون لردع من يقوم بذلك، فضلا عن إدارة نقاش عن الأزهر من دون وجود ممثل له.

وتعرض الأزهر لموجة هجوم في مايو/أيار الماضي بعد توسعه في إنشاء الكتاتيب بمصر، وتقدم ما يقرب من نصف مليون طفل مصري للالتحاق بـ"رواق الطفل لتحفيظ القرآن" التابع للأزهر.

وشنّت الروائية المصرية سلوى بكر هجوما على الأزهر بسبب ذلك، مؤكدة في مقابلة إعلامية أن تحفيظ القرآن للأطفال هو سرقة للطفولة، حسب وصفها الذي وافق عليه كتاب وناشطون.

لكن الأزهر انتقد ذلك في بيان رسمي حاد؛ وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية إن الدعوة إلى إبعاد النشء عن القرآن الكريم وتعاليمه الراقية السَّمحة دعوة صريحة إلى إبعادهم عن دينهم وقيمهم، وقطعهم عن لغتهم وثقافتهم وهويتهم، كما أنها تفتح الباب للأفكار والتفسيرات الهدّامة.

وأكد مشرف "رواق الطفل لتحفيظ القرآن" عبد المنعم فؤاد أن إقبال ما يقرب من "نصف مليون طفل" على حفظ كتاب الله هو رد عملي على دعوات "الحرب على كتاب الله"، على حد تعبيره.

وفي رده على تهمة سرقة الطفولة بتعليم القرآن في الصغر، قال فؤاد "ولماذا تشجعون على تعليم الأطفال لغات أجنبية، وهم صغار، ولا يعرفون ماذا يريدون؟ ولماذا نعلمهم السباحة والرياضة وهم صغار، أليس هذا سرقة لطفولتهم؟!".

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي