الحرب على الجماعات المسلحة بغرب أفريقيا.. النيجر تتحدث عن نصر وشيك على بوكو حرام ومخاوف من انتقال العدوى جنوبا

Nigerien soldiers patrol a camp of the city of Diffa during the visit of Niger's Interior Minister Mohamed Bazoum following attacks by Boko Haram fighters in the region of Diffa
عناصر من جيش النيجر في مخيم بمدينة ديفا جنوب شرقي البلاد (رويترز)

أكد رئيس النيجر محمد بازوم أن بلاده تتجه لكسب الحرب التي تشنها -بدعم إقليمي وغربي- على الجماعات المسلحة التي تصفها بالإرهابية، وفي مقدمتها جماعة بوكو حرام وتنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا. وفي المقابل، فإن تواتر الهجمات الدامية في دول أخرى مجاورة بمنطقة الساحل على غرار بوركينا فاسو ومالي، وإمكانية توسعها عبر الحدود جنوبا نحو دول مجاورة، يكشفان عن أن احتواء خطر تلك الجماعات لا يزال بعيد المنال.

فخلال زيارته مدينة ديفا على الحدود مع نيجيريا، تحدث بازوم -الذي يتولى رئاسة النيجر منذ عام 2021- عن نتائج جيدة حققتها قوات بلاده في مواجهة الجماعات المسلحة، مبشّرا بـ"نهاية وشيكة" لجماعة بوكو حرام، التي لا تزال تشن هجمات بمنطقة الساحل على الرغم من الانشقاق الذي تعرضت له، إذ انقسمت إلى تنظيم موال للقاعدة وآخر يتبع تنظيم الدولة.

ومايو/أيار الماضي، دعا رئيس النيجر -في مقابلة مع صحيفة "لاكروا" (La Croix) الفرنسية- فرنسا ودول أوروبا الأخرى إلى انخراط أكبر في محاربة الجماعات المسلحة بالمنطقة.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، سجلت هجمات دامية جديدة في كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر ونيجيريا وتشاد، وذلك رغم الحملات العسكرية المتلاحقة التي تشنها جيوش المنطقة، إما منفردة أو في إطار القوة المشتركة التي شكلتها عدة دول بالمنطقة.

وحاليا تنشط الجماعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة شمالي مالي، وشمال وشرقي بوركينا فاسو، وشمال شرقي نيجيريا، وجنوب شرقي النيجر، كما أنها وجدت ملاذا لها في بحيرة تشاد التي تحيط بها كل من تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون.

ومع انتقال العنف من مالي بداية بعد عام 2012، سيطرت الجماعات المسلحة على أجزاء من الأراضي مستفيدة أحيانا من عدم الاستقرار السياسي وفشل الحكومات في التنمية، خاصة في المناطق البعيدة عن المراكز، كما هي الحال شمالي وشرقي بوركينا فاسو، وجنوب شرقي النيجر، علما بأن الدولتين تصنفان من بين أفقر الدول.

القاعدة وتنظيم الدولة

وحاليا، تعد "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة في غرب أفريقيا، بالإضافة إلى بوكو حرام، من أكبر الجماعات الناشطة في منطقة الساحل، وتشير الهجمات الدامية التي تسجل من حين لآخر إلى أن خطر هذه الجماعات لم يتراجع عموما على الرغم من انكفاء بعضها، وخاصة بوكو حرام في نيجيريا، بسبب الضربات التي تلقتها في السنوات الماضية.

والعام الماضي، أعلنت فرنسا أن قواتها قتلت أبو وليد الصحراوي، مؤسس تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل عام 2015، الذي يُتهم بأنه وراء قتل رهائن وجنود غربيين في المنطقة.

وفي العام نفسه، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا مصرع زعيم جماعة بوكو حرام، أبو بكر شيكاو، بعد أن فجّر نفسه خلال اشتباكات بين التنظيمين في غابة سامبيسا في ولاية بورنو شمالي نيجيريا.

ورغم تعرضها لهزائم على يد كل من تنظيم الدولة والجيش في نيجيريا، فإن جماعة بوكو حرام لا تزال تسيطر على بعض القرى والجيوب في الأرياف، وقد غيرت تكتيكاتها وباتت تلجأ للهجمات الانتحارية.

وفي تقرير صدر حديثا، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن وسط مالي يعاني مستوى عاليا من العنف، مؤكدا أن المثلث الحدودي مع النيجر وبوركينا فاسو يشهد تدهورا كبيرا في الوضع الأمني.

من جهتها، تقول مجموعة الأزمات الدولية إن العنف انتقل إلى بوركينا فاسو من مالي، وإن هناك عوامل داخلية تغذيه، وتضيف أن معظم أعمال العنف في الشمال البوركيني تقف وراءها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

وأصبحت مدن شمالي وشرقي بوركينا فاسو، مثل دجيبو وتيتاو ومادجواري، محاصرة من الجهاديين، ودفع ذلك السكان للتظاهر احتجاجا على تركهم لمصيرهم، بعد انسحاب السلطات المحلية من بعض المناطق. وقبل أيام، أعلن جيش بوركينا فاسو أنه يمهل السكان 14 يوما لإخلاء منطقتين عسكريتين شمالي البلاد تعدان معقلا للجماعات المسلحة.

وبين مارس/آذار ويونيو/حزيران من العام الجاري، نفذت القوات المشتركة -التي شكلتها تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون وبنين- عملية عسكرية واسعة في بحيرة تشاد، أسفرت عن مقتل نحو 800 من عناصر بوكو حرام، وفق ما ورد في بيان لهذه القوة التي يقع مقر قيادتها في مدينة ديفا بالنيجر.

وتنقل صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post) الأميركية عن محللين أن هناك خيطا رفيعا بين ما تصفه بـ"الجماعات الجهادية" والجماعات المسلحة الأخرى في منطقة الساحل، حيث يصبح المشهد أكثر تعقيدا في ظل الصراعات بين المجتمعات القبلية على الأرض.

ويعزو هؤلاء المحللون توسع الجماعات المسلحة لعدة أسباب، بينها ضعف المؤسسات، وإحباط السكان من إهمال حكوماتهم لهم في مناطقهم، فيكون ذلك دافعا للانضمام إلى تلك الجماعات.

وبالإضافة إلى ذلك -تقول الصحيفة- إن طبيعة المنطقة الصحراوية تجعل من الصعب السيطرة على هذه الظاهرة.

توسع الهجمات جنوبا

وتتزايد المخاوف من توسع نشاط المسلحين جنوبا خارج مثلث الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو باتجاه دول مطلة على خليج غينيا.

فقد تعرضت ساحل العاج وبنين وغانا وتوغو لعدة هجمات نُسبت إلى الجماعات المسلحة المنتشرة في دول مجاورة تقع شمالا.

والأحد الماضي، هاجم مسلحون مركزا للشرطة في مدينة دساري (شمال غربي بنين) عند الحدود مع بوركينا فاسو وقتلوا شرطيين، في حين أكد مصدر أمني مقتل مهاجمين اثنين، ووصف المسلحين بالإرهابيين.

ومايو/أيار الماضي، أكدت حكومة بنين -في أول إحصاء من نوعه- أن البلد تعرض لـ20 هجوما، وقد نشرت الحكومة قوات عسكرية لحماية الحدود مع النيجر وبوركينا فاسو.

وفي ساحل العاج، التي تعرضت خلال العامين الماضيين لهجمات متفرقة، أعلنت الحكومة أنها ستنفق 430 مليون دولار لتجنب وقوع الشباب في المناطق الحدودية تحت تأثير الجماعات المسلحة.

وتتصاعد المخاوف من تسرب الظاهرة المسلحة من منطقة الساحل باتجاه الجنوب، بعد انسحاب معظم القوات الفرنسية من مالي، وذلك على الرغم من أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن تشكيل تحالف دولي لمكافحة الإرهاب في المنطقة ليحل محل قوة "برخان".

وفضلا عن ذلك، فإن الانقلابات العسكرية والخروج عن مسار الديمقراطية من شأنهما أن يضعفا عمليات مقاومة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، حسب محللين.

كلفة بشرية هائلة

وذكرت الأمم المتحدة أن العنف في مالي تسبب في مقتل الآلاف وتشريد نحو 400 ألف آخرين منذ اندلاعه عام 2012، وكان من بين القتلى 175 من أفراد قوات حفظ السلام الأممية "مينوسما" (MINUSMA) التي أنشئت عام 2013 وتضم حاليا 15 ألفا.

ومنذ عام 2015، تسبب الصراع الدائر في بوركينا فاسو في مقتل الآلاف ونزوح نحو مليوني شخص.

ووفقا لتحقيق قام به موقع "دويتشه فيله" الألماني، فإن القوات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو قتلت من المدنيين أكثر مما قتله المسلحون.

ويقول الموقع إن أعمال القتل التي تستهدف المدنيين زادت منذ استيلاء العسكر على السلطة عام 2020.

واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش القوات المالية ومسلحين أجانب (مصادر قالت إنهم من شركة فاغنر الروسية) بإعدام 300 مدني في مدينة مورا، مشيرة إلى أن هؤلاء اعتقلوا خلال عملية عسكرية كانت تستهدف الجماعات المسلحة.

وفي نيجيريا، تسبب الصراع بين عامي 2011 و2018 في قتل 37 ألف شخص، ونزوح 2.4 مليون، كما أنه وضع 7 ملايين آخرين على حافة الجوع، وفقا للأمم المتحدة.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأجنبية + مواقع إلكترونية