لوبس: حرب باردة تخيم على البحار الدافئة بمنطقة المحيط الهادي

Solomon Islands Prime Minister Manasseh Sogavare talks to Chinese President Xi Jinping during their meeting at the Diaoyutai State Guesthouse in Beijing
الصين وقعت اتفاقية تعاون مع جزر سليمان سببت توجسا لدى الغرب (رويترز)

تشير الرحلة الأولى التي قام بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى آسيا في خضم الحرب الروسية الأوكرانية، وجولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي التي استمرت 10 أيام في منطقة المحيطين الهندي والهادي؛ إلى أن حراكا دبلوماسيا بالغ الوضوح يدور في هذه المنطقة التي طورت الولايات المتحدة تدريجيا إستراتيجية تحالفات تفوح منها رائحة الحرب الباردة.

بهذه المقدمة بدأت مجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية مقالا لكاتب العمود بيير هاسكي، وأشار فيه إلى وجود نشاط سياسي صيني مهم، تمثل في جولة لوزير خارجية الصين دامت 10 أيام، تم خلالها توقيع اتفاقية أمنية مع جزر سولومون، وصفقة مع جزيرة ساموا؛ مما يشير إلى اهتمام زائد بهذه الجزر التي ما كان أحد يعيرها أي اهتمام لقلة سكانها.

وربط الكاتب بين النشاط الصيني المتنامي في المنطقة وبين جولة بايدن الأولى في آسيا، إذ زار كوريا الجنوبية واليابان، في خضم الحرب الروسية على أوكرانيا التي شعرت هذه المنطقة أيضا بتداعياتها، وحيث طورت الولايات المتحدة إستراتيجية تحالفات تفوح منها رائحة الحرب الباردة، منذ فترة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وتمثلت هذه الإستراتيجية -حسب هاسكي- في كشكول يضم مجموعة من المؤسسات والتحالفات وغيرها، تلتقي كلها في نقطة مشتركة واحدة؛ هي الصين التي يمثل "احتواؤها" -بلغة الحرب الباردة- هدفا مشتركا لشركاء مختلفين، مثل فيتنام الشيوعية والهند القومية وأستراليا الموالية لأميركا، وبالطبع الدول الآسيوية المرتبطة بواشنطن باتفاقيات دفاعية ككوريا الجنوبية واليابان.

ردا على النشاط الصيني

في عام 2021، ولد تحالف "أوكوس" الذي أطلقته الولايات المتحدة مع أستراليا والمملكة المتحدة، بعد عقد الغواصات الفرنسية الذي فسخته أستراليا، وبعده أعلن بايدن الأسبوع الماضي في طوكيو عن تحالف جديد يسمى "الإطار الاقتصادي للهند والمحيط الهادي من أجل الازدهار"، وهو هيكل اقتصادي إقليمي وإطار تعاون متقدم يستبعد الصين، وأضيف إليه في الوقت نفسه تحالف الرباعي "كواد" الذي يضم اليابان وأستراليا والهند إلى جانب الولايات المتحدة.

وبالتالي، فإن هذه التحالفات الثلاثة -كما يرى الكاتب- تمثل شبكة من التحالفات ذات الهندسة المتغيرة تضم المحيطين الهندي والهادي في روابط متعددة مع الولايات المتحدة، ومن الواضح أنها رد على النشاط الصيني في جميع المجالات؛ العسكرية في بحر جنوب الصين، وحول تايوان وضد اليابان، والاقتصادية مثل طرق الحرير الجديدة وسلسلة البنى التحتية الخاصة بها، والسياسية مع تطوير الصين خطابا يهدف إلى نزع الشرعية عن الوجود الأميركي في المنطقة التي كانت تحت هيمنتها منذ الحرب العالمية الثانية.

ونبّه الكاتب إلى أن منطقة جنوب المحيط الهادي هذه أصبحت ملعب الصين الجديد، حيث شعرت أستراليا بالصدمة من الاتفاقية الأمنية بين العملاق الصيني وجزر سليمان القريبة نسبيا من أستراليا، خاصة أنه لم يسبق أن أثبتت بكين وجودها في هذا الجزء من المحيط الهادي، لا سيما من خلال اتفاقية تضمن أمن دولة هشة في المنطقة، تهتز بشكل منتظم تحت وطأة الأزمات السياسية والاجتماعية.

وتنص الاتفاقية الدفاعية الجديدة على أن سلطات الأرخبيل "يمكنها حسب احتياجاتها أن تطلب من الصين إرسال الشرطة والجيش وقوات مسلحة أخرى للحفاظ على النظام الاجتماعي، وحماية حياة الناس وممتلكاتهم، وتقديم المساعدة الإنسانية أو أي شكل آخر من أشكال المساعدة"، وبالتالي ستكون الصين "قادرة على إحضار قواربها لإعادة الإمدادات اللوجيستية، وإجراء التوقف والعبور، كما يمكن استخدام القوات الصينية المناسبة لحماية سلامة العمال والمشاريع الصينية الكبرى في جزر سليمان"، مع أن بكين تؤكد أنه لن تكون هناك قاعدة صينية دائمة.

نشاط مؤرق لأستراليا

زادت الاتفاقية الصينية مع جزر سليمان الخوف الأسترالي القديم من الصين، الذي نجم عن اكتشاف أستراليا أن استيراد بكين كميات كبيرة من المواد الخام التي تزخر بها كان مصحوبا بانخراط في النظام السياسي والمجتمع الأسترالي، لدرجة تهديد حرية التعبير وشفافية الديمقراطية؛ فكان رد الفعل عنيفا، وتحولت الصداقة إلى خوف وهوس دائم مؤرق لكانبيرا.

ويبدو أن الجميع -كما يرى الكاتب- ينكرون وجود رغبة في إنشاء "مناطق نفوذ"، حتى إن رئيس الدبلوماسية الأميركية أنتوني بلينكن أعلن مؤخرا في الخطاب المكرس للصين أن الولايات المتحدة لم تجبر أحدا على "اختيار جانب" على آخر.

أما بالنسبة لفرنسا التي تحلم بأن تكون "قوة توازن"، ولها مصالح مباشرة في هذه المنطقة؛ فإن هذا الاستقطاب المتزايد يشكل تحديا كبيرا، وبالتالي إذا استمر المنطق الحالي للحرب الباردة في التقدم، فلن يكون أمامها ولا أمام أوروبا سوى خيار وحيد: إما الاصطفاف أو التهميش، كما يختم بيير هاسكي.

المصدر : لوبس