فورين بوليسي: ما الذي يجعل الجيوش ترتكب الفظائع؟

بالإضافة إلى تحديد هوية الجنود الروس، يُزعم أن كليرفيو يستخدم أيضا لتحديد المتسللين الروس المحتملين الذين يحاولون دخول البلاد عند نقاط التفتيش (الفرنسية)
الفظائع التي ترتكبها الجيوش لا تتم دون أسباب، بل هي نتاج ثقافة تنظيمية وقرارات قيادية (الفرنسية)

نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية (Foreign Policy) مقالا للمؤرخ الأميركي بريت ديفيرو المتخصص في الاقتصاد والجيش بالإمبراطورية الرومانية عن السبب الذي يجعل الجيوش ترتكب الانتهاكات الفظيعة.

وقال ديفيرو في مستهل مقاله إن ما تكشفت عنه حرب أوكرانيا من فظائع ارتكبها الجيش الروسي ضد المدنيين الأوكرانيين يجعل هذا السؤال يحتل مكانا بارزا في الوقت الراهن.

وأشار إلى أن جميع الحروب تنطوي على درجة معينة من الوحشية، لكن بعض الجيوش، مثل القوات الروسية الحالية، أكثر قابلية لارتكاب الفظائع من غيرها، مضيفا أن الحرب كعمل من أعمال القوة تدفع كل جانب إلى أقصى درجات الوحشية بطبيعتها، لكن بالنسبة لبعض الجيوش، تُعتبر أعمال العنف ضد المدنيين وجرائم الحرب الأخرى انحرافات تخترق فيها الوحشية المتأصلة في الحرب الحواجز المؤسسية والثقافية المصممة لتوجيههم والسيطرة عليهم.

ثقافة تنظيمية وعوامل أخرى

وأوضح أن المؤرخين في الماضي القريب والقديم حددوا أنماطا واضحة لنوع الجيوش التي تتحول بشكل كامل إلى وحشية الحرب، قائلا إن الفظائع لا تحدث دون أسباب، ولا هي متأصلة في بلدان بعينها دون الأخرى، بل هي نتاج ثقافة تنظيمية وقرارات قيادة وهيكل مؤسسي يحمي الجيش من الضوابط المدنية أو المساءلة.

إن أحد دوافع ميل الجيش للفظائع هو وحشية الانضباط داخل المنظمة العسكرية، حيث يتعرض الجنود للمعاملة الوحشية من قبل التسلسلات الهرمية العسكرية الداخلية لتفريغ إحباطهم على المدنيين. وضرب مثلا على ذلك بالجيش الإمبراطوري الياباني، مستشهدا بفقرة من أحد المؤرخين اليابانيين يقول فيها "الأفراد الذين انتهكت كرامتهم ورجولتهم بقسوة لا يكادون يمتنعون عن فعل الشيء نفسه مع الأشخاص العزل الخاضعين لسيطرتهم. بعد كل شيء، كانوا فقط يطبقون ما تعلموه في التدريب الأساسي".

دراسات مقارنة

وفي مفارقة ملتوية، فإن الانضباط الوحشي لنظام كان من المفترض أن يشجع على الطاعة جعل الجيوش اليابانية، وخاصة الضباط الصغار، أكثر صعوبة للسيطرة عليهم.

كذلك نقل الكاتب عن المؤرخة الأميركية إيزابيل هال قولها إن الجيش الإمبراطوري الألماني كان يركز على الطاعة العمياء من المرؤوسين للرؤساء "مثلما تطيع الجثة غاسلها"، كما أن نفس النمط تم توثيقه في أسبرطة القديمة (مدينة يونانية).

وعلى الرغم من أن الثقافة التنظيمية بين الجنود العاديين هي بوضوح عامل مؤثر، فإن قرارات القيادة وبالتالي الثقافة الإستراتيجية بين الضباط، هي الحاسمة، إذ غالبا ما يكون السبب في قابلية الجيوش لارتكاب الفظائع هم الجنود المطيعين الذين يتبعون الأوامر الوحشية لضباطهم. فعندما يتعثر الضباط في مستنقع الحرب، يحاولون استعادة الزخم والحصول على نتائج في الميدان بنفس الطريقة التي يفعلون بها في الثكنات: من خلال العنف الزائد، والذي يتحول بسرعة إلى فظائع.

مثال عملي

توثق هال هذه الديناميكية، على سبيل المثال، في القمع الألماني الوحشي لشعب هيريرو في ناميبيا (1904 إلى 1907)، إذ أدى الإحباط من فشل الجيش الألماني في تحقيق نصر نهائي حاسم (أغسطس/آب 1904) إلى تصعيد الوحشية لتحقيق نصر واضح، حيث سمح قائد القوات الألمانية هناك بتنفيذ إبادة بمجرد أن اتضح أن تحقيق نصر واضح لم يعد ممكنا. وكان التصعيد المطرد للعنف، بحلول تلك المرحلة، قد أنشأ بالفعل هيكل أذونات للجنود الألمان للانخراط في أعمال قسوة وعنف، وهو نمط استمر حتى ضد سكان هيريرو الأسرى والمسجونين.

ومن العوامل المهمة، يقول الكاتب، لميل الجيوش لارتكاب الفظائع، الافتقارُ إلى الضوابط الخارجية الفعالة من قبل السلطات المدنية الحاكمة على الثقافة أو السلوك العسكري. وقدم العديد من الأمثلة على ذلك من الجيشين الياباني والألماني، وكذلك جيش أسبرطة.

محارق روسية متحركة للجثث

وقال إن عناصر هذا النمط نفسه موجود في القوات المسلحة الروسية بوضوح تام، مضيفا أن المخابرات الأميركية حذرت قبل "غزو" روسيا لأوكرانيا من أن هذه القوات لديها قرارات قيادية و"قائمة قتل" لاغتيال الأوكرانيين أو إرسالهم إلى المعسكرات، بما في ذلك الصحفيون والنشطاء والأقليات. وأشار إلى أن قيام القوات الروسية بإحضار محارق جثث متحركة إلى غزو توقعوا أن يكون سريعا وسهلا نسبيا، قد يتحدث عن حجم القتل المقصود بعد الغزو الذي توقعوا القيام به.

ويقول الكاتب هناك أيضا عامل مهم وهو الثقافة الداخلية للجيش الروسي وافتخاره بأجندة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأيديولوجية والتي تجعله محصنا ضد النقد الفعال أو الإشراف المدني، حيث إن القوة الوحيدة التي تراقب الجيش هي الأجهزة الأمنية المعنية بالولاء لبوتين وليس الانصياع لقوانين الحرب.

ويضيف أنه ولهذه الأسباب أصبحت الفظائع سلوكا مكتسبا للجيش الروسي، من الشيشان إلى سوريا إلى أوكرانيا، ولم تكن مكونات الفظائع روسية بشكل واضح أو فريد، لكن روسيا، مثل العديد من البلدان الأخرى قبلها، قد بنت جيشا قابلا لارتكاب الفظائع وأطلق العنان بعد ذلك على أوكرانيا.

المصدر : فورين بوليسي